بعد تأدية القسم الدستوري داخل اليمن.. ما التحديات التي يواجهها المجلس الرئاسي؟

اجتماع مجلس الوزراء اليمني بالعاصمة المؤقتة عدن (الأناضول)

بدا المشهد نادرا لليمنيين حين ظهر قادة الدولة والوزراء والمسؤولون والدبلوماسيون في مدينة عدن، جنوبي البلاد، حيث أدى المجلس الرئاسي الذي تولى السلطة خلفا للرئيس السابق عبد ربه منصور هادي اليمين الدستورية أمام البرلمان، أمس الثلاثاء.

ومنذ اندلاع الحرب في البلاد نهاية 2014، وسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، بما فيها عدن، لجأ الرئيس السابق ولفيف من المسؤولين إلى السعودية، بينما لاذ آخرون بالفرار إلى دول أخرى.

لكن عودة مسؤولي الدولة إلى عدن منح اليمنيين أملا في تعافي البلد المنهار على مختلف الأصعدة، إذ يرجع اليمنيون جزءا كبيرا من الأزمة لغياب منصور هادي عن البلاد، بعد أن ظل لنحو 7 أعوام في مقر إقامته بالرياض.

وسارت فعاليات انعقاد المجلس كما خُطط لها، غير أن حذف عضو المجلس عيدروس الزُبيدي، الذي يتزعم المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بانفصال جنوب البلاد عن شماله، كلمات من القسم أثار حالة من الجدل.

هل سيكون المجلس الرئاسي حلا لتوحيد الفصائل المنقسمة ضد الحوثيين؟

لم يلفظ الزُبيدي مفردة "الجمهوري" كصفة للنظام الذي سيحافظ عليه، كما استبدل "الوطن" بـ "وحدة الوطن" ليبرز انقسام القوى المناوئة للحوثيين كأول تحد للمجلس الرئاسي الذي يتشكل معظمه من قادة يمثلون مختلف القوى على الأرض.

ويقود كلٌ من الزُبيدي وطارق صالح وعبد الرحمن المحرمي قوات "المجلس الانتقالي" و"المقاومة الوطنية" و"قوات العمالقة" على الترتيب، ورغم انقسامها فإن تلك القوات تدعمها الإمارات.

بينما يقود محافظا مأرب اللواء سلطان العرادة، ومحافظ حضرموت اللواء فرج البحسني، قوات موالية للحكومة، والعضو السادس عثمان مجلي زعيم قبلي قاد مواجهات ضد الحوثيين.

ومنذ 2018 تصطدم القوات الحكومية بقوات المجلس الانتقالي في معارك عنيفة، بينما تواجه قوات المقاومة الوطنية الحوثيين بمعزل عنها.

وفي خطابه عقب أدائه القسم، قال رئيس المجلس رشاد العليمي إن تحقيق الاستقرار الأمني ووحدة المؤسسة العسكرية والأمنية هو الأساس الذي سينطلق منه مجلس القيادة الرئاسي والحكومة لمواجهة تحديات استعادة الدولة ومؤسساتها.

غير أن الباحث المتخصص بالشؤون العسكرية علي الذهب يقلو إن من الصعب في الوقت الراهن بدء توحيد ودمج الفصائل العسكرية والمليشيات داخل هياكل وزارتي الدفاع والداخلية، كون قادتها أعضاء بالمجلس لديهم طموحات وأجندة، وأي إخلال بقوتهم على الأرض يمس طموحاتهم، لذا سيضعون شروطا تعجيزية تضمن نفوذ القوة.

ويضيف -للجزيرة نت- أن الحل قد يتمثل في إعادة تشكيل وتموضع تلك القوات في توقيت متزامن يحفظ نفوذ كل طرف، وما عدا ذلك فإن الأمر سيفجر جولة جديدة من العنف، خصوصا إذا استُخدمت القوة لإعادة توحيد التشكيلات العسكرية.

ويبدو تجاهل وتأجيل هذا الملف -الذي يراه الباحث الأصعب على أجندات المجلس الرئاسي- إلى مرحلة لاحقة، تسبقها جولة من المعارك ضد الحوثيين، هو الحل الأمثل.

ما الذي يضمن بقاء المجلس الرئاسي موحدا بالنظر لتركيبته المتباينة؟

لأن المجلس يضم تركيبة متباينة من الشخصيات العسكرية التي وجدت نفسها على طاولة واحدة، يبدو أن التوافق فيما بينها سيكون مرهونا بقدرة رئيسه رشاد العليمي، الذي أكد في خطابه، على أن المجلس سيمضي بروح الفريق الواحد.

وأبدى العليمي، التزاما "أمام اليمنيين شمالا وجنوبا بالسير على قاعدة الشراكة والتوافق الوطني لمواجهة كافة التحديات".

وكون رئيسه يلقى قبولا من الأطراف السياسية، يبقى أن ضمان بقاء المجلس موحدا وفاعلا مرهون بالسعودية والإمارات، القوتين المؤثرتين على أعضاء المجلس، وفق ما يراه كثيرون.

وتقول ميساء شجاع الدين، الباحثة في مركز صنعاء للدراسات (يمني غير حكومي)، إن نجاح المجلس مرهون بحجم التفاهمات والتنسيق بين الرياض وأبو ظبي، وقدرتهما في الضغط على المجلس، إضافة إلى قدرات رئيسه في تسيير التوازنات.

وترى أن في حالة نجاح المجلس فإنها ستكون لمرحلة مؤقتة جدا قد تمهد لصيغة أفضل من الحكم، خصوصا أن إجراءات العمل السياسي من قبيل تنظيم الانتخابات وعودة عمل الأحزاب غير ممكنة حاليا.

ورغم ذلك، تقول شجاع الدين إن "صيغة تشكيلة المجلس غير قابلة للنجاح، رغم أنها تعبر عن واقع الحال في اليمن إذ عكست الفاعلين المسلحين، بعد فراغ كرسي السلطة منذ 10 أعوام"، في إشارة لفشل وغياب الرئيس السابق.

كيف سيتعامل المجلس الرئاسي مع الحرب أو السلام؟

حظي المجلس الرئاسي بدعم دولي واسع، وخلال مراسم تأدية القسم الدستوري كان المبعوث الأممي إلى البلاد هانس غروندبرغ حاضرا في القاعة وكذلك سفراء دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والدول دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي.

لكن جماعة الحوثيين، وهي الطرف الآخر في معادلة الحرب اليمنية، ومن تسيطر على معظم المحافظات ذات الكثافة السكانية الأكبر، بما في ذلك العاصمة صنعاء، ترفض الاعتراف بشرعية المجلس الرئاسي مما قد يضع تعقيدات أكثر في الطريق إلى السلام.

وفيما يبدو أنه تحول في الموقف، أشار القيادي الحوثي حسين العزي -الذي يشغل منصب نائب وزير الخارجية بحكومة الحوثيين (غير معترف بها)- ضمنيا إلى القبول بالحوار مع المجلس الرئاسي.

وقال في سلسلة تغريدات له، اليوم الأربعاء، إن التفاوض مع (هذا) المجلس سيكون مشروطا بما وصفه "حوار يمني يمني بعيدا عن تدخلات الخارج والاستقواء بالخارج".

وبحسب تقرير نشره مركز الجزيرة للدراسات، للباحث اليمني عبد الناصر المودع، فمن غير المتوقع، في المستقبل المنظور على الأقل، أن تكون هناك مفاوضات جدية لوقف الحرب ومفاوضات سلام في ظل رفض الحوثيين للمجلس.

ويضيف المودع "يمكن التكهن بأن السعودية هدفت من تشكيل المجلس إلى تغيير أسلوب تدخلها المباشر في الحرب، عن طريق توقفها عن استخدام الضربات الجوية، مقابل توقف الحوثيين عن مهاجمتها، مع استمرار الرياض -في الوقت نفسه -في دعم الأطراف المحاربة للحوثيين على الأرض".

غير أن هذا لن ينهي الحرب، وإنما سينقلها من مربعها الحالي إلى مربع آخر، ربما يكون أكثر دموية وفوضوية مما هو عليه الآن، وفق التقرير.

أي ملف سيضمن للمجلس تأييدا وقبولا شعبيين؟

يبرز الملف الاقتصادي والخدمي أولوية عاجلة أمام المجلس الرئاسي، حيث تضرب اليمن أزمة خانقة في انعدام الوقود وارتفاع الأسعار إلى أقصى مستوياتها، في ظل اقتصاد متدهور وموارد شحيحة، تسببت في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

لكن إعلان السعودية والإمارات تقديم 3 مليارات دولار كدعم عاجل للاقتصاد اليمني، منح الريال (العملة المحلية) مؤخرا تحسنا ملحوظا في السوق الموازية، لكن أسعار المواد الغذائية ما تزال مرتفعة وتزداد.

وقال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي، في بيان، اليوم، إنه منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، ارتفعت بعض الأسعار في اليمن 7 أضعاف، وهي ضربة مدمرة للعائلات التي على حافة الهاوية بالفعل.

لكن رئيس المجلس الرئاسي وعد في خطابه أنهم سيعملون على تحسين المعيشة من خلال دفع المرتبات لكل الموظفين، والعمل على استقرار أسعار العملة وزيادة الصادرات وترشيد النفقات والسيطرة على ارتفاع الأسعار وتحسين الخدمات.

وإذا نجح المجلس الرئاسي في تحقيق وعود العليمي فإن تحسين المعيشة وتوفير لقمة العيش هو ما يشغل الملايين من اليمنيين، ويمنح هذا المجلس شرعية وقبولا لدى السكان المتعبين.

المصدر : الجزيرة