ملايين رغم دعوات الترشيد.. إعلانات الهيئات الحكومية تثير الغضب في مصر

عمرو دياب و البريد المصري
جدل حول تكلفة ظهور المغني عمرو دياب في إعلان البريد المصري (مواقع التواصل)

القاهرة- قبل شهر رمضان تحدث أكثر من مسؤول مصري -في مقدمتهم الرئيس عبد الفتاح السيسي- عن الظروف الصعبة التي تعيشها مصر نتيجة التداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي، كما طلب السيسي عبر مداخلة تلفزيونية من الشعب أن يدعو الله بأن "يفرجها على مصر".

كما انتقد السيسي أكثر من مرة المطالبات الغربية بشأن تحسين ظروف حقوق الإنسان في مصر، مؤكدا أن الأولوية لتحسين الظروف الاقتصادية الصعبة للمصريين، خاصة أنه كممثل للحكومة لا يجد ما يكفي لتعليم المصريين وعلاجهم أو حتى إطعامهم.

تلك المفردات الغاضبة التي تحدث بها السيسي عن الحالة المصرية، وحديثه المتكرر عن العوز الذي تعيشه مصر، تمت ترجمتها بصورة مغايرة أو بالأحرى معاكسة خلال الحملات الإعلانية الضخمة التي قامت بها بعض الهيئات والمؤسسات الحكومية منذ بداية شهر رمضان، ومنها هيئة البريد المصري والشركة المصرية للاتصالات وبنكا مصر والقاهرة الحكوميان.

وفي حين تقول تلك المؤسسات إن ميزانية الإعلانات ليس مبالغا فيها كما أنها تحقق مردودا اقتصاديا؛ يقول منتقدون على الجانب الآخر إن تلك الإعلانات تمثل إسرافا وإهدارا للمال العام، فضلا عما تمثله من استفزاز لمشاعر السواد الأعظم من المصريين الذين يعانون من أزمات اقتصادية متلاحقة.

غضب وسخرية

الأخبار المتداولة عن تكلفة الحملات الإعلانية للمؤسسات الحكومية تسبب حالة من الجدل الممزوج بالسخرية والغضب بين نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي، خاصة مع استعانة المؤسسات الحكومية بمشاهير الوسط الفني المصري، والمعروف عنهم تقاضي ملايين الجنيهات مقابل الظهور الإعلاني.

وتداول مغردون معلومات غير رسمية تفيد بأن المغني المصري الشهير عمرو دياب حصل على ما يقرب من 16 مليون جنيه (الدولار يساوي 18.44 جنيها) مقابل ظهوره في إعلان البريد المصري، ومعلومات أخرى مشابهة تفيد بأن الممثلة ياسمين عبد العزيز حصلت على ملايين الجنيهات مقابل الظهور في إعلان الشركة المصرية للاتصالات، الذي شاركها في بطولته ممثل آخر هو كريم محمود عبد العزيز.

وتساءل نشطاء مواقع التواصل: "كيف لدولة تقترض مليارات وتتحدث حكومتها ورئيسها عن العوز والفقر، ثم تنفق الملايين على إعلانات المؤسسات الحكومية؟" وسخر آخرون من سوء الخدمات التي يقدمها البريد المصري والشركة المصرية للاتصالات، وعدم وجود مقاعد للعملاء في عدد كبير من فروع هيئة البريد، وتعطل نظام التشغيل فترات طويلة.

واتهم رواد مواقع التواصل رئيس هيئة البريد بإهدار المال العام، وإنفاق ملايين الجنيهات على إعلان لن يعود بالنفع على المواطن، مشيرين إلى أنه كان من الأولى والأجدر أن يتم إنفاق تلك الأموال -التي اقتربت من 20 مليون جنيه- على تطوير مقرات البريد المصري.

 

في المقابل، دافع آخرون عن تلك الإعلانات، ورأى بعضهم أن هيئة البريد تحقق أرباحا تتجاوز 3 مليارات جنيه سنويا، وأنها تريد أن تخبر الجماهير أن البريد المصري تطوّر كثيرا وأصبحت لديه خدمات حديثة ومهمة للغاية.

ورأى بعضهم أنه لا يوجد أفضل ولا أشهر من عمرو دياب لكي يقدم إعلانا عن البريد المصري.

غضب برلماني ومطالبات بالمحاسبة

لم تقف حالة الغضب والسخرية عند نشطاء العالم الافتراضي فقط، إذ انتقل الغضب للبرلمان المصري، وقدم عضو مجلس النواب هاني خضر طلب إحاطة لرئيس المجلس، يتهم فيه هيئة البريد بإهدار المال العام.

وقال النائب خلال طلب الإحاطة إنه بعد مشاهدته الإعلان الذي من المفترض أنه دعاية للبريد المصري اكتشف أنه لا يقدم أي شيء بخصوص البريد، وأضاف "هذا يدفعنا للتساؤل: هل يوجد منافس للبريد المصري يجبره على دفع كل هذه الملايين لهذا الإعلان؟ وهل زادت أرباح البريد المصري بعد عمل هذا الإعلان الذي تكلف ملايين الجنيهات؟"

بدوره، وصف النائب محمود قاسم البيان الإعلامي الذي قامت هيئة البريد بنشره في مختلف وسائل الإعلام حول إنجازات البريد محليا وإقليميا؛ بأنه محاولة فاشلة للتغطية على إهدار ملايين الجنيهات في الحملة الإعلانية التي أطلقتها خلال شهر رمضان.

وطالب قاسم -في طلب إحاطة قدمه لرئيس مجلس النواب لتوجيهه إلى وزير الاتصالات عمرو طلعت- بضرورة القضاء على جميع المشكلات والأزمات داخل هيئة البريد، وفي مقدمتها القضاء على ظاهرة تكدس المواطنين، خاصة كبار السن من أصحاب المعاشات داخل وأمام مكاتب البريد لصرف معاشاتهم.

كما طالب وزير الاتصالات بموافاته بجميع المبالغ التي صرفتها هيئة البريد في حملاتها الإعلانية والعائد من وراء هذه الإعلانات، خاصة أن هيئة البريد ليست في حاجة إلى هذه الإعلانات للترويج لخدماتها، مطالبا بمحاسبة ومحاكمة القيادات والمسؤولين بهيئة البريد عن إهدار تلك الأموال.

كما طالب النائب رئيسَ مجلس الوزراء مصطفى مدبولي بإصدار قرارات فورية بإنشاء عدد من مكاتب البريد بجميع القرى، مع فتح باب التعيين للخريجين الجدد، خاصة مع وجود عجز كبير في عدد مكاتب البريد على مستوى الجمهورية.

التبرع لصندوق "تحيا مصر"

في هذا السياق، يرى الإعلامي المتخصص في الشأن الاقتصادي عماد صديق أن أي شركة أو هيئة في القطاع الحكومي -مثل قطاع البريد- ليست في حاجة إلى الدعاية، لأن أغلب الناس ملزمة بالتعامل معها سواء للحصول على المعاشات أو إيداع الأموال عبر الوعاء الادخاري المعروف "بدفاتر التوفير".

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف صديق أنه في حال وجود دعايات أو إعلانات يجب أن تكون في حدود المعقول، وأن تكون محسوبة بدقة حتى لا يحدث استفزاز للمواطن المصري.

ودعا الإعلامي المصري المغني عمرو دياب للتبرع بأجره من هذا الإعلان لصالح صندوق "تحيا مصر"، الذي أطلقه السيسي رسميا عام 2015 لتلقي إسهامات المصريين في الداخل والخارج لصالح الإنفاق على الفئات الأكثر احتياجا في البلاد، والمساهمة في تنمية المجتمع، على حد قوله.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة