كنيسة مع كل مسجد جديد.. تصريحات السيسي تعيد جدل الأقباط بمصر

blogs كنيسة ومسجد
مسجد بجوار كنيسة مشهد يتكرر في بعض أحياء المدن الكبرى بمصر (رويترز)

القاهرة- يتواصل في مصر الجدل حول تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة بناء كنيسة مع كل مسجد جديد تقيمه الحكومة في المشروعات السكنية الجديدة، وذلك بغض النظر عن أعداد المسيحيين في تلك المناطق.

وجدد حديث السيسي الجدل بشأن المسألة القبطية في مصر، سواء من ناحية الأعداد الحقيقية للمسيحيين وحجم الكنائس الجديدة، فضلا عن الأبعاد السياسية لخطاب السيسي المتكرر تجاه المسيحيين، حيث يراه البعض مغازلة للغرب، فيما يقول مؤيدون إنه خطاب وطني يهتم بالداخل المصري فقط.

وفي الأسبوع الماضي وخلال افتتاحه عددا من مشروعات الإسكان والطرق قاطع السيسي وزير إسكانه عاصم الجزار حينما كان يتحدث عن المشروعات السكنية التي تبنيها الحكومة لمحدودي ومتوسطي الدخل، ووجه السيسي خطابه للجزار مذكرا بتعليمات سابقة بشأن بناء كنيسة مع كل مسجد يتم بناؤه في المدن الجديدة.

وزير الإسكان حاول توضيح الأمر للسيسي بقوله إن ذلك يتم في المشروعات الكبرى، لكن في المشروعات الصغيرة يكون هناك مصلى صغير فقط، نظرا لقلة عدد السكان.

لكن السيسي عقب بالتأكيد على ضرورة بناء كنيسة مع كل مسجد جديد حتى لو كان عدد المسيحيين 150 شخصا فقط، مضيفا "بدلا من أن يقوم أي مواطن بتحويل شقته إلى كنيسة".

تصريحات السيسي أثارت جدلا واسعا بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ما بين مرحب بشدة ومعارض ومستفسر.

فمن جهتهم، قال مؤيدون إن تصريحات السيسي تعتبر من الأمور الجيدة التي لا توجد إلا في مصر، حيث شعب واحد ووطن واحد، مستنكرين السؤال عن نسبة المسيحيين في البلاد.

واعتبر بعضهم أن تصريحات السيسي هي تصحيح للمسار الذي كان سائدا في عهد الرؤساء السابقين جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، حينما كان ممنوعا بناء كنيسة بجوار مسجد، على حد قولهم.

في هذا السياق، أشاد رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر القس أندريه زكي، بتصريحات السيسي، قائلا في تصريحات صحفية "إن بناء دور العبادة في عهد الرئيس، بصمة وطنية لن تنسى في تاريخ مصر الحديث، ونحن أمام قيادة مخلصة ودولة تسعى بشتى الطرق الممكنة لتأصيل الوعي الوطني لدى المواطنين".

بدوره، قال الأنبا باخوم النائب البطريركي لشؤون الإيبارشية البطريركية بالكنيسة الكاثوليكية، إن تصريح السيسي يدل على التطور الكبير في فكر الدولة المصرية، معتبرا في تصريحات صحفية أن بناء الكنائس يؤصل لفكرة المواطنة، وكذلك تخصيص أراض لكل الطوائف المسيحية في الجمهورية الجديدة، يدل على عمق وبُعد رؤية القيادة السياسية.

في المقابل، لاقت تصريحات السيسي انتقادات وتساؤلات من قبل مغردين، استغربوا التصريحات خاصة مع الاختلاف الكبير بين نسبة المسلمين والمسيحيين في مصر.

كما اعتبر آخرون أن تصريحات السيسي بخصوص المسيحيين، تستهدف مغازلة الغرب بشكل رئيسي. وفي هذا السياق، وصفها البرلماني ونائب رئيس حزب الجبهة السابق ثروت نافع، بأنها قد تكون نوعا من المغازلة للغرب.

وأضاف نافع في تصريحات خاصة للجزيرة نت، أن التصريح في حد ذاته شيء جيد، فالمواطنة مبدأ نتمناه جميعا في دولة ديمقراطية عادلة لا تفرق بين أبنائها، أما النية من التصريح فربما يكون القصد منها المغازلة من أجل تخفيف الضغط على ملف الحقوق والحريات، لأن المواطنة أيضا مبدأ أساسي في حقوق الإنسان.

جدل العدد الحقيقي للمسيحيين

تصريحات السيسي لم تثر فقط الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنها أعادت طرح السؤال الصعب والمتكرر دون إجابة متطابقة من الدولة أو الكنيسة، حول العدد الحقيقي للمسيحيين في مصر، ونسبتهم المئوية من عدد السكان، وبالتالي هل يحتاج الأقباط إلى كنيسة بجوار كل مسجد، وفي حال تنفيذ ذلك هل ستجد هذه الكنائس من يصلي فيها؟

وعدد المسيحيين في مصر هو السؤال الذي لم يجد أي إجابة رسمية لعشرات السنين، حيث كانت كل الأرقام الصادرة عن القيادات الكنسية لسنوات طويلة تتحدث عن أن نسبتهم تتراوح ما بين 12- 15%.

غير أن أهم تصريح رسمي عن نسبة الأقباط في مصر صدر عام 2012، حين أعلن اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز القومي للتعبئة والإحصاء (حكومي) في تصريحات صحفية أن النسبة المئوية للأقباط في المجتمع المصري 5.7% وفقا لإحصاء عام 1986، وأنه منذ ذلك التاريخ توقف إحصاء خانة الديانة في التعداد السكاني وفقا لتعليمات الأمم المتحدة، بحسب قوله.

من جهتها، رفضت القيادات الكنسية في ذلك الوقت تصريحات الجندي، وقال الأنبا باخوميوس إن "ما أعلنه رئيس الجهاز بشأن عدد الأقباط غير صحيح في تقديري، ولهذا أطالبه بإعلان إحصائيات عدد الأقباط في كل محافظة، على حده". كما قال الأنبا مرقص، أسقف منطقة شبرا الخيمة بالقاهرة إن عدد الأقباط في مصر يتراوح ما بين 15 إلى 18 مليونا، وفقا لما نقلته الصحف المصرية وقتها.

وتصر الكنيسة على أن عدد الأقباط في مصر لا يقل عن 15% من إجمالي المجتمع، وترفض القيادات الكنسية أي إحصائيات أخرى حتى لو كانت رسمية. وفي لقاء مع قناة "تن" (Ten) الفضائية عام 2018 قال بابا أقباط مصر الحالي إن عدد الأقباط في مصر يصل إلى 15 مليونا.

قريبا من هذا الرقم، ذكر باب الأقباط السابق شنودة الثالث في لقاء مع قناة "أون تي في" (ONTV) عام 2008، أن عدد الأقباط 12 مليونا، ومضيفا أن "الكنيسة تعرف أعداد الأرثوذكس المصريين عن طريق كشوف الافتقاد التي تعد بمثابة تعداد داخلي لكل أسرة مسيحية بالكنيسة.. نستطيع معرفة عدد شعبنا، ولا يهمنا العدد المعلن".

في المقابل، كان المفكر الراحل المستشار طارق البشري (من الكُتّاب المهتمين بتاريخ الأقباط في مصر)، قد أكد في أكثر من دراسة تاريخية أن نسبة الأقباط في مصر خلال الـ120 سنة الأخيرة، كانت تدور حول 6% بأكثر قليلا أو أقل قليلا. كما انتقد -في مقال بصحيفة الشروق– تصريحات الكنيسة حول إجراء تعداد سكاني خاص بها، مشيرا إلى أن القانون يعتبر الإحصاء والتعداد من الأمور التي لا تمارسها إلا السلطة العامة.

هل يحتاج الأقباط لكنائس جديدة؟

وكما أن السؤال عن عدد الأقباط من الأسئلة الصعبة التي تختلف فيها إجابة الكنيسة عن إجابة الدولة، فإن السؤال عن إجمالي عدد الكنائس من الأسئلة المشابهة التي لا تجد إجابة واحدة.

فوفقا لما أورده المذيع عمرو خفاجي عبر برنامجه بقناة "أون تي في" (ONTV) ونسبه للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء قبل 4 سنوات، فإن إجمالي عدد الكنائس بمصر في ذلك الوقت (2018) وصل لنحو 2869 كنيسة.

في حين أن بابا الأقباط أقر في حواره مع الإعلامي عمرو أديب في نفس القناة قبل 5 سنوات، بأن عدد الكنائس في مصر ن ألفي كنيسة.

وبينما وجّه السيسي بإنشاء كنيسة ولو حتى صغيرة بجوار كل مسجد في مشاريع الإسكان الجديدة حتى لو كان العدد 150 شخصا، أجاب تواضروس على سؤال لأديب عن عدد الكنائس الإضافية التي يحتاجها الأقباط، قائلا "لا أستطيع أن أحدد عددا معينا، فلو قرية بها 50 أسرة مسيحية فإنها تحتاج إلى كنيسة، لكن لو قرية فيها 5 أو 6 أسر مسيحية، بجوارها قرى أخرى فيها نفس العدد من الأسر أو أقل، فإن هذه الأعداد الصغيرة يمكن أن يشتركوا جميعا في كنيسة واحدة".

عدد الكنائس في عهد السيسي

جدير بالذكر أن عدد الكنائس التي تم تقنين أوضاعها في عهد السيسي (2014 – 2021) بلغ حوالي 1882 كنيسة، منها 1077 كنيسة و805 مبان كانت تتم فيها الصلاة دون تصريح وتم الترخيص لها وتحولت إلى كنائس، وذلك بموجب القانون رقم 80 لسنة 2016 والخاص بترميم وبناء الكنائس، وفقا لما أعلنته اللجنة الرئيسية لبناء وترميم الكنائس التابعة لمجلس الوزراء المصري ونشرته وسائل إعلام محلية.

أما عن عدد الكنائس الجديدة التي تم بناؤها في عهد السيسي في المدن الجديدة في الفترة (2014 – 2019) فهي نحو 30 كنيسة، وفقا لما أوردته صحيفة الوطن المصرية.

وفي عام 2019، افتتح السيسي كاتدرائية ميلاد السيد المسيح في العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (أكبر كنيسة في الشرق الأوسط وفقا للتصريحات الحكومية).

وخلال الافتتاح، قال شيخ الأزهر أحمد الطيب إن "موقف الإسلام من بناء الكنائس محسوم، حيث يعد الإسلام ضمانة شرعية لبناء كنائس المسيحيين ومعابد اليهود، وهذا حكم شرعي لا جدال فيه".

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي