"أتعبتني يا فضيلة الإمام".. شيخ الأزهر 12 عاما من المعارك الفكرية والسياسية

أستاذ مقاصد الشريعة وصفي أبو زيد يرى أن للطيب مواقفه الجيدة مثل صون التراث الإسلامي ورفضه عدم إقرار الطلاق الشفهي ورفضه تكفير تنظيم الدولة الإسلامية رغم ما جره من ويلات على الأمة

Egyptian grand Imam of al-Azhar, Sheikh Ahmed el-Tayeb gestures during an interview with a journalist of the Agence France Presse (AFP) on June 9, 2015 in Florence. AFP PHOTO / ALBERTO PIZZOLI (Photo credit should read ALBERTO PIZZOLI/AFP via Getty Images)
شيخ الأزهر أحمد الطيب (غيتي)

القاهرة- 12 عاما مرت على تولي شيخ الأزهر أحمد الطيب مهام مسؤوليته في مارس/آذار 2010، وهي الذكرى التي احتفت بها مشيخة الأزهر هذا العام بشكل لافت، ما فتح الباب للوقوف عند هذه الفترة التي كان شيخ الأزهر صاحب حضور لافت فيها وأثار جدلا حتى الآن.

ويرى مراقبون تحدثوا لـ"الجزيرة نت" أن تلك السنوات حظيت بخلاف حول أداء شيخ الأزهر، ما بين إيجابياته ومواقفه الجيدة، ومواقف يراها بعضهم سلبية، مؤكدين أهمية انتظار مواقفه المقبلة للتقييم المنصف.

سنوات حافلة

في هذا السياق، يرى رئيس جامعة الأزهر محمد المحرصاوي في بيان رسمي أن سنوات الطيب الـ12 "سوف يسطرها التاريخ بأحرف من نور"، وفق تعبيره.

ويعتقد المحرصاوي أن مؤسسة الأزهر الشريف -جامعا وجامعة- برئاسة الطيب، شهدت نهضة غير مسبوقة على جميع المستويات محليا وإقليميا ودوليا، وكانت حافلة بالعطاء والإنجازات، التي تؤكد عالمية رسالة الأزهر الشريف وأنه القوة الناعمة لمصر.

كما يرى رئيس لجنة الفتوى الرئيسية بالأزهر ووكيله الأسبق عباس شومان، أن الطيب لم يُبق الأزهر بعيدا عن الواقع. وأشار في تصريحات صحفية إلى أنه أدخل التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية والمؤسسية لمواكبة العصر.

مسك العصا من الثلث

البرلماني السابق والسياسي جمال حشمت، يرى أن شيخ الأزهر أحمد الطيب له مواقف جيدة، لكنها لم تكتمل والإنصاف يقتضي الانتظار، بحسب وصفه للجزيرة نت.

ويقول حشمت "هو أمامي يمسك العصا من الثلث في اتجاه النظام الحاكم، له مواقف جيدة لكنها لم تكتمل، ولم يعلن موقفا حادا تجاه القضايا المصيرية، لذلك فالكلام المنصف لمواقفه الجادة لا يمكن تعميمه، وكذلك النقد لبعض تصرفاته لا يمكن تعميمه".

ويعرب عن ترقبه لما هو قادم لشيخ الأزهر قائلا "أعتقد أنه لو استمر النظام الحالي فسيكون الشيخ هو آخر شيوخ الأزهر المحترمين، لذا عليه أن يكون أكثر وضوحا فيما يحدث في مصر من مظالم وفساد واستبداد، موضحا رأي الإسلام القطعي"، بحسب تعبيره.

ويطالب حشمت شيخ الأزهر بالثبات في مواجهة ما وصفه بالحملة الشرسة ضد كل ما هو قطعي ثبوتي في العقيدة والأخلاق، انطلاقا من دوره في الحفاظ على الدين وثوابته أمام المصريين والمسلمين جميعا.

ويحذر البرلمانيُّ السابق الطيبَ من أن يصمت في هذا المضمار، قائلا "الصمت هنا خيانة، لأنه سيفهم أنه إقرار لكل ما يخالف الدين من شذوذ وأفكار وسلوك، ولعل ما يحدث في رمضان يحتاج منه وقفة أوضح ضد الدراما الفاسدة المفسدة لعقائد الناس وأخلاقهم في هذا الشهر الكريم".

إيجابيات وسلبيات

من جانبه، يرى أستاذ مقاصد الشريعة وصفي أبو زيد، أن للطيب مواقفه الجيدة الطيبة مثل صون التراث الإسلامي ورفضه عدم إقرار الطلاق الشفهي ورفضه تكفير تنظيم الدولة الإسلامية رغم ما جره من ويلات على الأمة، ودفاعه المستمر عن القضية الفلسطينية وفلسطين والذي كان على مستوى الحدث، بالإضافة إلى قطع الحوار مع الفاتيكان وقت التجاوز في حق النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول أبو زيد إن للرجل "مواقف سلبية يجب أن يتبرأ منها وأن يعلن خطأ تقديراته على الأقل، ومنها مشاركته في دعم الانقلاب في 3 يوليو/تموز 2013، وهو الموقف الذي جرّ على مصر خيبات كثيرة، بجانب صمته على اقتحام جامعة الأزهر مع بداية الأزمة السياسية، هذا بجانب أنه كان عضوا في لجنة السياسات في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك قبل أن يغادرها".

جدل ومعارك

وأكمل شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب 12 عاما على كرسي مشيخة الأزهر في 19 مارس/آذار الجاري.

سياسيا، مر الطيب بعدد من الأنظمة، حيث كان عضوا في الحزب الوطني الحاكم تحت قيادة الرئيس الراحل حسني مبارك، وأخذ البعض على الطيب تصريحه الشهير عن الحزب الوطني، عندما سئل عن أيهما أهم بالنسبة إليه، الأزهر أم الحزب الحاكم؟ حيث قال "لا أستطيع أن أقول أيهما أهم، فإن ذلك مثل سؤال: أيهما أهم الشمس أو القمر".

وفي 25 يناير/كانون الثاني 2011، أطاحت ثورة شعبية بمبارك، وتعرض خلالها الطيب لهجوم شديد واتهامات متتالية بسبب بعض تصريحاته المعارضة للثورة وتحريمه للمظاهرات وقتها.

ولكن بعد الإطاحة بمبارك، واصل شيخ الأزهر تحسين مواقفه، وحرص في السنوات الأخيرة على تقديم التهنئة للمسؤولين بثورة "25 يناير" وعيد الشرطة الموافق لنفس اليوم.

وفي أعقاب الثورة، أصدر الأزهر وثيقتين هما "مستقبل مصر" في 19 يونيو/حزيران 2011، ووثيقة "منظومة الحريات الأساسية" في 8 يناير/كانون الثاني 2012، في محاولة اعتبرها البعض استعادة لمرجعية الأزهر المتوازنة في المشهد العام وقتها.

السياسة والدماء

من المحطات السياسية البارزة في مسيرة شيخ الأزهر، مشاركته في إعلان بيان 3 يوليو/تموز 2013 الذي أطاح بأول رئيس مدني منتخب الرئيس الراحل محمد مرسي، وبرر الطيب موقفه باختيار أخف الضررين، وهو ما لم يفلح في تهدئة غضب أنصار مرسي.

لكن الطيب سرعان ما سجل رفضه لسفك الدماء في أحداث الحرس الجمهوري فجر يوم 8 يوليو/تموز 2013، والتي سقط فيها 61 قتيلا وأصيب أكثر من 435 آخرين، وفق إحصائيات غير رسمية، وطالب الطيب بفتح تحقيق وإعلان النتائج أمام الشعب المصري، وتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية، وأنه سيعتكف في منزله ليتحمل كل مسؤول مسؤوليته عن الدماء.

كما سجل موقفه بالرفض عقب "مجزرة رابعة العدوية" التي راح ضحيتها المئات من المتظاهرين من أنصار مرسي، وأكد الطيب في بيان صوتي أذاعه التلفزيون الرسمي أنه لم يكن يعلم بإجراءات فض الاعتصام إلا عبر وسائل الإعلام، وأنه كان على وشك إعداد مبادرة لمحاولة حل الأزمة بين الأطراف المتصارعة.

وكرر الطيب تحذيره من استخدام العنف وإراقة الدماء بين المصريين، مؤكدا أن الحوار وضبط النفس وتغليب صوت العقل هو السبيل الوحيد لتحقيق المصالحة الشاملة، داعيا إلى عدم إقحام الأزهر في الصراع السياسي.

معارك فكرية

وواصل الطيب حضوره وسط جدل في الشأن العام، حتى وصل الأمر إلى السجال مع الرئيس عبد الفتاح السيسي على الهواء مباشرة، حتى قال له السيسي مازحا "تعبتني (أتعبتني) يا فضيلة الإمام".

وجاء الخلاف فيما يتعلق برفض شيخ الأزهر دعوة السيسي بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي، فضلا عن دفاع الطيب عن التراث الإسلامي والسُّنة النبوية، مهاجما ما وصفها بـ"الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها والطعن في رواتها"، كما هاجم الدعوات "المطالبة باستبعاد السُّنة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام والاعتماد فقط على القرآن الكريم".

وهو ما دفع السيسي للقول إن "الإشكالية في عالمنا الإسلامي حاليا ليست في اتباع السنة النبوية من عدمها، فهذه أقوال بعض الناس، لكن المشكلة هي القراءة الخاطئة لأصول ديننا، وهذه المرة الرابعة أو الخامسة التي أتحدث فيها معكم، كإنسان مسلم وليس كحاكم". وتساءل السيسي "من أساء إلى الإسلام أكثر: الدعوة إلى ترك السنة النبوية والاكتفاء بالقرآن فقط، أم الفهم الخاطئ والتطرف الشديد؟ ما هي سمعة المسلمين في العالم الآن؟".

ويتعرض شيخ الأزهر بين الحين والآخر لهجوم كُتّاب وإعلاميين يصفون أنفسهم بالتنويريين، زاعمين أن الطيب يقف عقبة أمام ما يصفونه بتجديد الخطاب الديني، كان آخرها ادعاء بعضهم أن الطيب ليس لديه إشكال في ضرب الزوجات. وهو ما استدعى ردا من صحيفة الأزهر، التي انتقدت محاولات تشويه رأي الطيب، وتجاهل قوله القاطع في تجريم العنف الأسري، واجتزاء السياق لتصدير صورة غير صحيحة عن الأزهر وشيخه.

وشاهد المصريون الطيب العام الماضي وهو يوجه نقدا حادا لرئيس جامعة القاهرة محمد الخشت في سياق الحديث عن تجديد الخطاب الديني، حيث قال الطيب "نشتري الأسلحة ليقتل بعضنا بعضا، نشتري الموت بفلوسنا، ولا نستطيع صنع كاوتش (عجل) سيارة"، راجيا منتقدي التراث البحث عن مشكلة أخرى، وأضاف "كثير مما يقال عن نقد التراث هو مزايدة على التراث".

فلسطين وحوار الأديان

خارجيا، برز الطيب في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وسجل العديد من المواقف لصالحها، وباتت لغة بيانات المشيخة في عهده بحسب مراقبين قوية ضد الاحتلال الإسرائيلي، دعما لتحرر فلسطين ونصرة غزة والقدس.

كما اهتم الطيب بالمسلمين في أفريقيا، وأرسل العديد من البعثات والمنح وفق بيانات رسمية للمشيخة. كما رفض الإسلاموفوبيا في الغرب، داعيا إلى دعم الإخاء الإنساني في العديد من المواقف، وهو ما سجلته وثيقة "الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" التي وقّعها الطيب والبابا فرانشيسكو بابا الكنيسة الكاثوليكية في 4 فبراير/شباط 2019.

وكان الطيب قد أعلن في عام 2011 وقف عمل لجنة حوار الأديان مع الفاتيكان، ردا على تصريحات البابا بنديكت الـ16 بأن المسيحيين يعانون من الاضطهاد في الشرق الأوسط.

ونهاية العام الماضي، قال شيخ الأزهر إن الدعوة لما يسمى "الدين الإبراهيمي" هي دعوة لمصادرة حرية الاعتقاد والإيمان والاختيار، مؤكدا أن اجتماع الناس على دين واحد أو رسالة سماوية واحدة أمر مستحيل، مشيرا إلى الفرق بين احترام عقيدة الآخر والاعتراف بها، وأن ذلك لا يعني إذابة الفوارق بين العقائد والملل والأديان.

ولفت إلى "أننا لم نر حتى هذه اللحظة هذا الوليد الإبراهيمي الجديد، ولا نعرف شيئا عن ملامحه وقَسَماته، وهل المقصود منه تعاون المؤمنين بالأديان على ما بينها من مشتركات وقيم إنسانية نبيلة، أو المقصود صناعة دين جديد لا لون له ولا طعم ولا رائحة".

وعلى العكس من وسائل الإعلام الرسمية، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي قدرا من الاحتفاء بالطيب، ونشرت الصفحة الرسمية للأزهر ملفا تعريفيا متجددا بالطيب، كما أصدرت صحيفة "صوت الأزهر" عددا خاصا عن الطيب، وقال الأمين العام للجنة العليا للأخوة الإنسانية محمد عبد السلام إن أعوام الطيب شهدت تجديدا وتطويرا للمؤسسة الدينية الأبرز في العالم الإسلامي.

وولد شيخ الأزهر أحمد الطيب في منطقة دشنا بمحافظة قنا (جنوب) عام 1946. والتحق بالتعليم الأزهري حتى حصل شهادة الليسانس في العقيدة والفلسفة عام 1969 من جامعة الأزهر، وشهادة الماجستير عام 1971، ودرجة الدكتوراه عام 1977.

وفي سبتمبر/أيلول 2003، تولى الطيب رئاسة جامعة الأزهر، وقبلها منصب الإفتاء للديار المصرية في مارس/آذار 2002. ومنذ 19 مارس/آذار 2010 يتولى الطيب مشيخة الأزهر الشريف.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي