بعد "جمعة التغيير" في الوفد والمهندسين.. هل تتحرك مياه السياسة بمصر؟

عبد السند يمامة (يمين) وطارق النبراوي (مواقع التواصل الاجتماعي)
عبد السند يمامة (يمين) وطارق النبراوي (مواقع التواصل الاجتماعي)

القاهرة – كان ليوم الجمعة الماضي مذاق مختلف نوعا ما في الحياة السياسية المصرية، حيث وقع حدثان وصفهما كثير من المراقبين بأنهما أشبه بحجر ألقي في مياه سياسية راكدة أو متجمدة.

الحدث الأول جاء مع خسارة وكيل مجلس الشيوخ المستشار بهاء الدين أبو شقة انتخابات الرئاسة لحزب الوفد، أعرق الأحزاب المصرية، أمام مرشح غير معروف في الأوساط السياسية والإعلامية المصرية، وهو عبد السند يمامة، رئيس قسم القانون الدولي الخاص بجامعة المنوفية وعضو الهيئة العليا للوفد.

واشتهر أبو شقة بدعمه الكبير للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رغم أنه رئيس لحزب محسوب على المعارضة منذ سنوات طوال، كما أن نجله محمد أبو شقة مقرب من السيسي، إذ عمل مستشارا قانونيا لحملته الرئاسية عام 2014، وممثلا قانونيا ومتحدثا باسمها في انتخابات 2018.

َفي التوقيت نفسه تقريبا أعلنت اللجنة القضائية المشرفة على انتخابات نقابة المهندسين المصريين خسارة النقيب السابق للمهندسين ووزير النقل السابق هاني ضاحي أمام المهندس طارق النبراوي، الذي ينتمي لتيار الاستقلال النقابي، وهو تيار يدعو لاستقلال النقابات المهنية عن سيطرة الحكومة.

َبارقة أمل

وتفاعل عدد كبير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي مع نتائج انتخابات حزب الوفد ونقابة المهندسين، واعتبرها البعض بارقة أمل في بداية تحريك المشهد السياسي في مصر، ورأى أصحاب هذا الاتجاه أن هناك دلالات كبيرة تقف خلف هذه التغييرات، خاصة أنها تزامنت مع حالة الغضب التي تنتاب قطاعات عريضة من الشعب المصري بفعل الارتفاع الكبير في أسعار السلع الذي ترجعه السلطة للتأثيرات الاقتصادية السلبية لحرب الروسية الأوكرانية، فضلا عن موجات التضخم التي يشهدها العالم خلال الشهور الماضية.

واعتبر مغردون أن الرسالة الأهم في انتخابات الوفد والمهندسين هي أن الشعب المصري قادر على التغيير، وأن "اعتقاد السلطة وأجهزتها الأمنية بأنهم سيطروا على كل شيء اعتقاد واهم"، بحسب وصفهم.

وربط آخرون تزامن تلك النتائج مع بعض الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل لمواطنين يهاجمون الحكومة بسبب غلاء الأسعار، بأنه نوع من صراع الأجهزة، بحسب تعبيرهم.

 

 

 

فرحة كبيرة بسقوط أبو شقة

تفاعل واسع شهدته مواقع التواصل مع خبر فوز طارق النبراوي بمقعد نقيب المهندسين، خاصة وأنه يعد من رموز العمل النقابي ومن أبرز مؤسسي تجمع "مهندسون ضد الحراسة"، الذي تم تأسيسه في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك بهدف السعي لإلغاء تدخل الحكومة لإدارة النقابة آنذاك بدلا من مجلسها المنتخب.

غير أن هذا التفاعل الكبير لم يمنع من تفاعل أوسع في اليوم نفسه مع سقوط أبو شقة ورحيله من رئاسة حزب الوفد.

فحزب الوفد من أقدم الأحزاب المصرية، أسسه الزعيم الراحل سعد زغلول، وحاز على أغلبية البرلمان، وشكّل الحكومة مرات عدة قبل حركة ضباط الجيش عام 1952 التي حملت لاحقا اسم ثورة 23 يوليو/تموز، لكن الحزب تراجع تأثيره في الحياة السياسية المصرية بعد رحيل آخر زعمائه التاريخيين فؤاد سراج الدين عام 2000.

واعتبر مغردون أن رسالة سقوط أبو شقة ذات مغزى سياسي أكبر من رسالة فوز النبراوي بمقعد نقيب المهندسين، بعد تغلبه على الوزير السابق هاني ضاحي، وأن الرسالتين معا لهما دلالات عميقة.

فأبو شقة، وفقا لنشطاء مواقع التواصل، يعد من المقربين للسلطات في مصر، وتم تعيينه عضوا بمجلس الشيوخ بقرار جمهوري، وتم تصعيده لمنصب وكيل المجلس، كما أنه كان يرأس اللجنة التشريعية بمجلس النواب السابق.

وقال الكاتب الصحفي عادل صبري إن هناك ثورة مكتومة في الوفد قادها الشباب وأدارها شيوخ وعائلات تعرضت للفصل والاضطهاد والإساءة لأعمالهم وسمعتهم، تحركوا بالسبل القانونية للحصول على أحكام دعمت مواقفهم وتضافرت جهودهم الحزبية لتحقيق انتصار.

ووصف الناشط الحقوقي وعضو اتحاد شباب الوفد السابق أحمد سميح المستشار بهاء أبو شقة بأنه مرشح الرئيس عبد الفتاح السيسي في انتخابات حزب الوفد، وأن سقوطه يمثل رسالة مهمة للغاية.

وتفاعل المرشح الرئاسي الأسبق وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد سابقا أيمن نور مع حدث خسارة أبو شقة لانتخابات الوفد، وقال إن أبو شقة كان "يتجسس على حزب الوفد بكاميرات سرية وإن أول شيء حدث بسقوطه هو تكسير تلك الكاميرات".

 

أسرار خسارة "مرشحي الدولة"

وقد تحدث العديد من نشطاء مواقع التواصل عن أسباب سقوط من أسموهما "مرشحي الدولة والأجهزة"، إذ سخر الناشط السياسي شادي الغزالي حرب من خسارة هاني ضاحي في نقابة المهندسين، بقوله إنها نتيجة لأنه حظي بدعم الإعلامي المقرب من السلطة المصرية عمرو أديب. وهو ما وافق عليه مغردون آخرون كتبوا المعنى نفسه.

ووفقا لوسائل الإعلام المحلية، فإن سقوط أبو شقة في انتخابات الوفد كان مطلبا لدى الوفديين من أجل التغيير، وقال مصدر وفدي رفض ذكر اسمه إن أغلب الوفديين كانوا يعلمون منذ الأسبوع الماضي أن بهاء الدين أبو شقة لن يكون رئيسا للحزب عند فرز الأصوات، مشيرا إلى أنه كان هناك اتجاه داخل الكتلة التصويتية في الحزب للتغيير عبر الصندوق.

وفي تصريحات لموقع "مصراوي" الإخباري، أضاف المصدر أن الشهور الأخيرة كشفت أن الوفد لا بد أن يتحرك بقيادة جديدة، مشيرا إلى انسحاب المرشح الآخر ياسر قورة قبل أيام من الانتخابات كان هو البداية الحقيقية لتغيير المسار، إذ أعلن قورة دعمه للمرشح عبد السند يمامة ضد أبو شقة.

وقال إن بعض الشخصيات الوفدية كانت تدعم بهاء أبو شقة في الظاهر، لكنها في الحقيقة كانت تدعم يمامة أو قورة، وعقب انسحاب قورة حصل يمامة على هذا الدعم.

في المقابل، قلل نشطاء من شأن التغيير الذي وقع الجمعة الماضية، وقال بعضهم إنه مجرد تغيير يقتصر على حزب الوفد وليس له دلالة متعلقة بالنظام السياسي أو الحياة السياسية بشكل عام.

وأشار هؤلاء إلى أن الرئيس الجديد للحزب عبّر أكثر من مرة عن دعمه للرئيس عبد الفتاح السيسي، بل إنه اقترح تغييرا في الدستور المصري لينص على ذكر اسم السيسي على غرار سعد زغلول وجمال عبد الناصر. كما طالب بحذف الربط في الدستور بين ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 وبين 30 يونيو/حزيران 2013.

المصدر : الجزيرة