صواريخ ستينغر وجافلين.. حرب أوكرانيا تغير موقفا ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية

Government Crisis Team Meets As Russia Attacks Ukraine
الموقف الألماني شهد تحولا تاريخيا من التحفظ إلى دعم أوكرانيا بالسلاح في مواجهة حرب روسيا عليها (غيتي)

لندن – قرار تاريخي وغير مسبوق وقعت عليه ألمانيا، تمثل في تخليها عن موقفها بعدم إعطاء السلاح لأي دولة في منطقة نزاع، لتعلن تزويد أوكرانيا بالأسلحة والآليات العسكرية، وهي المرة الأولى التي تقدم فيها السلطات الألمانية على خطوة مماثلة منذ الحرب العالمية الثانية.

وبدا واضحا أن ألمانيا تقدم على تغيير جذري في موقفها من الحرب في أوكرانيا، من موقف محتشم جر عليها انتقادات غربية صريحة، إلى استلام زمام المبادرة من جديد والإعلان عن حزمة مساعدات عسكرية، وتنسيق الجهود التي أدت لإخراج مؤسسات مالية روسية من نظام "سويفت" (SWIFT).

دخول ألمانيا على خط تزويد أوكرانيا بالصواريخ رافقه قرار أميركي بالإعلان عن رفع الدعم العسكري الموجه لأوكرانيا، وقرار بريطاني بإرسال المزيد من الصواريخ. فما سبب تغير الموقف الألماني بشكل جذري؟ وهل للصواريخ الغربية التي تصل أوكرانيا قدرة على تغيير المعادلة على الأرض؟

قرار تاريخي

قبل أسبوع واحد من الحرب الروسية على أوكرانيا، رفضت ألمانيا طلبا من إستونيا السماح لها بإرسال أسلحة ألمانية إلى أوكرانيا، وبرر المستشار الألماني أولاف شولتز هذا الموقف بأن عقيدة بلاده المتجذرة هي عدم تزويد أي بلد في منطقة نزع بالسلاح، "وهذا الأمر استمر لعقود ولن يتغير".

وتحملت ألمانيا الكثير من الضغوط الغربية التي وصلت حد الانتقاد العلني من بعضها، كما فعلت وزيرة الخارجية البريطانية عندما انتقدت الاعتماد الألماني الشديد على الغاز الروسي، إذ تستورد ألمانيا 55% من حاجياتها من الغاز من روسيا، وظلت تدافع عن خط "نورد ستريم 2" (Nord Stream 2) للغاز حتى آخر لحظة قبل أن تقرر تعليق العمل به.

بيد أن مشاهد القصف على العاصمة كييف ومدن أوكرانية أخرى أحرجت الألمان، وهو ما عبر عنه المستشار الألماني بأنها "نقطة تحول"، وبالفعل فقد انتقلت ألمانيا للصفوف الأمامية في دعم أوكرانيا عسكريا، وتشديد العقوبات الاقتصادية على روسيا.

ألمانيا وسجن الغاز الروسي

في صورة معبرة وضعت صحيفة "تلغراف" (Telegraph) البريطانية صورة للمستشارين الألمان الذين حكموا البلاد منذ عقدين من الزمان (شرودر وميركل وشولتز) في قفص أمام صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للدلالة على أن ألمانيا هي حبيسة الغاز الروسي.

فالمستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر أمضى الأشهر الأخيرة الماضية يدافع وبشراسة على خط "نورد ستريم"، بل انتقد أوكرانيا صراحة وطالبها بالتوقف عن "استعراض العضلات" قبل أن يتبين أنه انضم لمجلس إدارة شركة "غاز بروم" (Gazprom) الروسية.

أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فظلت تحاول ولسنوات إبقاء أبواب التفاوض مفتوحة مع روسيا، ومحاولة استمالتها بالعلاقات الاقتصادية لتغيير الكثير من مواقفها، وسبق أن حذرت الخارجية الألمانية الأوروبيين خلال التدخل الروسي في جورجيا من أن فرض عقوبات شديدة على روسيا "سيغلق أي نافذة للتواصل مع روسيا".

وليس الغاز وحده من يتحكم في هذا النهج المتساهل مع روسيا والقائم على محاولة تحويل روسيا لصديق للغرب، ففي مقال مطول لكبير الباحثين في الشأن الروسي في معهد "تشاتام هاوس" (chathamhouse)، يقول جون لوف إن هناك شبكة من العلاقات التجارية والسياسية وحتى الثقافية بين روسيا وألمانيا، لكنه يشير إلى لعب الرئيس الروسي بوتين على حبل الشعور التاريخي لألمانيا بالذنب منذ الحرب العالمية الثانية وما زال يستعمل الأمر ورقة إلى الآن.

لغة الصواريخ

اختارت ألمانيا افتتاح دعمها لأوكرانيا بصواريخ "ستينغر" (Stinger) وهي صواريخ دفاع جوية محمولة على الكتف، وتعمل كصاروخ أرض جو بالأشعة تحت الحمراء، ويمكن تكييف هذا الصاروخ للإطلاق من مركبات أرضية، أو حتى من طائرات مروحية عسكرية، وهي صواريخ "ستينغر جو جو".

ويصل مدى هذا الصاروخ 4800 متر، ويمكن أن يصيب هدفا على علو منخفض في حدود 3800 متر، وهو ما سيجبر الطائرات الحربية على تجنب الطلعات الجوية المنخفضة التي يقوم بها أحيانا في سماء كييف.

تتوفر عليه 29 دولة في العالم، وهو أميركي الصنع، إلا أن إنتاجه يتم في ألمانيا وتركيا، وقد قررت ألمانيا تسليم هذه الصواريخ من خزينة الجيش لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.

وانضمت ألمانيا بذلك للولايات المتحدة وبريطانيا في تزويد أوكرانيا بصواريخ الدفاع الجوية، التي حصلت أوكرانيا على الآلاف منها، وتقول التقديرات العسكرية الأميركية إن الجيش الأوكراني استخدمها بشكل فاجأ القادة العسكريين الأميركيين أنفسهم.

صائد الدبابات

من بين المساعدات العسكرية التي أعلنت الولايات المتحدة إرسالها لأوكرانيا صواريخ "جافلين" (FGM-148 Javelin)، التي تعتبر من أغلى المنظومات الدفاعية وأكثرها تطورا، ولهذا يطلق عليها "صائد الدبابات".

ويعتبر هذا الصاروخ المضاد للدروع والدبابات من أكثر الأسلحة دقة، ويمكن حمله على الكتف، والأكثر فعالية يوجد لدى الجيش الأمريكي، هذا الأخير يعتبر أن هذا الصاروخ من الجواهر داخل منظومته، ولهذا فإن منحه لأي دولة يعد عملية سياسية وأمنية جد معقدة.

يشتغل هذا الصاروخ بالأشعة تحت الحمراء، مع إمكانيات كبيرة لتكبير نطاق الرؤية قبل الإطلاق نحو الهدف، وعند إطلاقه يرتفع بحوالي 160 مترا حتى يضرب المدرعة أو الدبابة من أعلى.

يبلغ سعر الصاروخ الواحد 78 ألف دولار، ويبلغ مداه 2.5 كيلومتر ووزنه 23 كيلومترا، وهو قادر على اختراق أجسام مدرعة بسمك 800 ميلمتر، وبالنظر لتطوير دروع الدبابات الحديثة فإن الصاروخ يستهدف الجزء العلوي للدبابة لإعطابها.

المصدر : الجزيرة