باشاغا والدبيبة يسببان انقساما في مجلس الدولة.. هل يتكرر "سيناريو الحكومتين" بليبيا؟

دافع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في البداية عن قرارات مجلس النواب، قبل أن يشكك في بعض القرارات بعد معارضة عدد من أعضاء مجلس الدولة ويعود في البيان الأخير ويعتبر إصدار البرلمان قرار تكليف رئيس للحكومة قبل البت في هذا الشأن من المجلس "إجراء غير سليم لا يساعد في بناء جسور الثقة بين المجلسين"

رئيس الحكومة الليبية الحالية عبد الحميد الدبيبة ورئيس الحكومة المكلف من قبل البرلمان فتحي باشاغا - المصدر: (الفرنسية-رويترز)
رئيس الحكومة الليبية الحالية عبد الحميد الدبيبة (يمين) ورئيس الحكومة المكلف من قبل البرلمان فتحي باشاغا (وكالات)

طرابلس- أثار الانقسام في المجلس الأعلى للدولة في طرابلس بشأن خارطة الطريق المعتمدة من مجلس النواب لتشكيل حكومة جديدة والاتفاق على المسار الدستوري جدلا بين أعضاء المجلس حول حل الأزمة الليبية.

وانقسم أعضاء مجلس الدولة بشأن اختيار فتحي باشاغا لتشكيل الحكومة الجديدة بتكليف من مجلس النواب، حيث صوت حوالي 74 عضوا من أعضاء المجلس لصالح إجراءات مجلس النواب، فيما صوت 54 عضوا لصالح استمرار رئيس حكومة الوحدة في ليبيا عبد الحميد الدبيبة، معتبرين أن إجراءات مجلس النواب بسحب الثقة منه باطلة.

 

 

ودافع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في البداية عن قرارات مجلس النواب، قبل أن يشكك في بعض القرارات بعد معارضة عدد من أعضاء مجلس الدولة ويعود في البيان الأخير ويعتبر إصدار البرلمان قرار تكليف رئيس للحكومة قبل البت في هذا الشأن من المجلس "إجراء غير سليم لا يساعد في بناء جسور الثقة بين المجلسين".

وكثفت رئاسة مجلسي النواب والدولة والمستشارة الأممية إلى ليبيا ستيفاني وليامز الاجتماعات مع الأطراف المختلفة، لنزع فتيل الأزمة والحفاظ على استقرار طرابلس والتأسيس لمصالحة وطنية شاملة للوصول إلى الانتخابات الوطنية.

وخرجت مظاهرات أمام مجلس الدولة ومقر بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لرفض قرارات البرلمان اتهم المشري حكومة الدبيبة بالتحريض عليها لشن "حملة موجهة ضد مجلسي النواب والأعلى للدولة".

 

 

رؤية مختلفة

بدوره، اعتبر رئيس اللجنة القانونية في مجلس الدولة فتح الله السريري أن رؤية أعضاء المجلس للأوضاع السياسية مختلفة، إذ إنهم ليسوا من طيف سياسي واحد، وهو اختلاف وليس انقساما كأي مؤسسة تشريعية سياسية أخرى.

وأضاف السريري "ليس أساس هذا الاختلاف اصطفاف شخصي، بل محاولة بناء ذلك على أسس موضوعية تخدم البلاد وتقدم حلا يرتب استقرارا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا دون عنف بين أبناء الوطن".

وأفاد السريري للجزيرة نت بأن البعض يرى ضرورة التمسك بخارطة طريق جنيف وإجراء انتخابات تشريعية على الأقل في يونيو/حزيران القادم، بحيث تتولى السلطة التشريعية الجديدة النظر في مشروع الدستور وتشكيل حكومة جديدة تعمل تحت رقابتها وتحقق الانتقال إلى وضع دائم لإنهاء المرحلة الانتقالية وتمديد عمل الهياكل الموجودة.

وأضاف أن "هذا الطيف من أعضاء مجلس الدولة يرون أنه لا داعي في هذه الفترة القصيرة لتغيير حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة واستبدال شخص بآخر فقط، ولا سيما أن مجلس الدولة قد صوت على قاعدة دستورية منبثقة من مشروع الدستور وقوانين انتخابات تشريعية ورئاسية، وهذا يمثل رأي 54 عضوا وقعوا على البيان الأخير للمجلس".

وصرح السريري بأن هناك أعضاء في مجلس الدولة يرون ضرورة تغيير الحكومة الحالية والتوافق مع مجلس النواب على خارطة طريق تمدد لمجلسي النواب والدولة وتشكل لجنة لمراجعة مشروع الدستور.

وأوضح أن رئيس المجلس خالد المشري واقع تحت ضغوط متعددة، وهو في موقف لا يحسد عليه، ولا يملك الفصل في موقف المجلس الأعلى للدولة دون التصويت في جلسة عامة على اتخاذ قرار للأغلبية.

ويرى السريري أن نجاح المستشارة الأممية ستيفاني وليامز في احتواء الخلاف يتوقف على الظروف الداخلية والإقليمية والدولية المحيطة بالملف الليبي.

خلاف سياسي

من جهته، اعتبر عضو المجلس الأعلى للدولة أحمد لنقي أن الخلاف في الرأي مهما كان نوعه سياسيا أو حزبيا هو ظاهرة صحية ما دام الخلاف لا يحيطه عنف أو تشدد، خاصة داخل الأجسام التشريعية.

وقال لنقي للجزيرة نت "الآراء متعددة داخل مجلس الدولة بين مؤيد للدبيبة وآخر مؤيد لباشاغا، وهذا خلاف طبيعي، وعلى الأقلية التسليم بالقرار النهائي في أي موضوع يتم التصويت عليه داخل مجلس الدولة، ويستطيع كل عضو التعبير عن رأيه وفقا لما يخدم المصلحة العامة".

وأشار إلى أن رئيس مجلس الدولة لن يخرج عن القرارات النهائية للمجلس حسب العرف البرلماني، وسيعمل على إيجاد أرضية توافقية للخروج من الصراع الذي وصلت إلى قبة المجلس.

واستبعد لنقي وجود حكومتين في ليبيا تتنازعان السلطة كما كان الحال في الماضي بين حكومة فايز السراج وحكومة عبد الله الثني، بسبب التوافقات بين الدول الإقليمية المتدخلة في الشأن السياسي الليبي، والتي أصبحت مقتنعة اليوم بأن الحل يكمن في توافق المتصدرين للمشهد السياسي.

وأضاف أن "جميع الدول المهتمة بليبيا تعلم اليوم أنه لا مجال أبدا للحل العسكري، والمصالح الأمنية والاقتصادية في ليبيا متوقفة على استقرار البلاد على المستوى المؤسساتي والاقتصادي والعسكري".

وأشار لنقي إلى أن المجتمع الدولي -بمن فيه المستشارة الأممية الخاصة لدى ليبيا ستيفاني وليامز- لن يخرج عن التوافق المحلي بين مجلسي النواب والدولة والتفاهمات الإقليمية، خاصة بين مصر وتركيا.

وأوضح أن التحشيد العسكري في طرابلس وما جاورها هو من باب إرسال رسائل بإثبات الوجود وعدم الإقصاء، مشيرا إلى أن المظاهرات هي من الحقوق المكتسبة لليبيين منذ ثورة 17 فبراير.

Political factions in western Libya refuse to hold elections with "unlawful" arrangements
عوامل دولية حاسمة ينتظر أن تعمل على احتواء حدوث الخلاف داخل المجلس الأعلى للدولة بشأن تشكيل الحكومة (الأناضول)

حالة تخبط

بدوره، أكد المحلل السياسي موسى تيهوساي أن مجلس الدولة يمر بحالة تخبط واسعة بشأن الحكومة الجديدة وصلت إلى حد التراشق بالبيانات المعارضة والمؤيدة في التعامل مع حكومة الدبيبة.

وأضاف أنه "من اللافت أن المشري نفسه أصبح مرتبكا في تصريحاته، حيث وافق على قرارات البرلمان ثم شكك وتراجع في آخر بيان فيما كان يؤيد تشكيل حكومة باشاغا، وهذا ما يجعل كل الاحتمالات واردة، بما في ذلك العودة إلى وجود حكومتين والانقسام حولهما".

واعتبر تيهوساي -في تصريحه للجزيرة نت- أن عوامل دولية حاسمة قد تحول دون العودة لمربع الصفر، منها الدور التركي لدى جميع الأطراف، وقد تدعو أنقرة الدبيبة وباشاغا إلى إيجاد مخرج لهذا الوضع لتنازل أحدهما لصالح الآخر.

ويرى أن تركيا يمكن أن تعلب دورا مهما في منع تشكيل حكومتين باعتبارها الجهة شبه الوحيدة التي تستطيع ذلك، خصوصا أن باشاغا والدبيبة من المنطقة الغربية ولديهما علاقات جيدة بالرئاسة التركية.

وأشار تيهوساي إلى أن دور الأمم المتحدة ضعيف جدا الآن في ليبيا بسبب الخلافات العميقة في مجلس الأمن الدولي حول تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا.

المصدر : الجزيرة