سيطرة المستوطنين على "الإدارة المدنية" تهدد المنطقة "ج" ووجود السلطة الفلسطينية

An Israeli man walks past an electoral billboard bearing portraits of Prime Minister Benjamin Netanyahu flanked by extreme right politicians Itamar Ben Gvir, Bezalel Smotrich and Michael Ben Ari, with a caption in Hebrew reading "Kahana Lives" in a reference to a banned ultranationalist party in the 1994, in Jerusalem, on March 29, 2019. Israeli general elections will be held on April 9, 2019. THOMAS COEX / AFP
لوحة انتخابية تحمل صور رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو (الثاني من اليسار) إلى جانب سياسيي اليمين المتطرف (الفرنسية)

رام الله- في محاولة لتجميل صورة الاحتلال، أنشأ وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك أرئيل شارون في 22 سبتمبر/أيلول 1981، إدارة مدنية تختص بشؤون فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعد أقل من شهرين، وتحديدا في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، بدأ تطبيق نظام "الإدارة المدنية".

ونص اتفاقا أوسلو 1 و2 عامي 1993 و1995، على إنهاء دور الإدارة المدنية لصالح السلطة الفلسطينية المنشأة بموجب ذلك الاتفاق.

وفي حين نقلت بعض الملفات مثل الصحة والتعليم وقضايا الأحوال الشخصية إلى السلطة الفلسطينية، لا تزال قضايا التخطيط والتطوير والخدمات والبنية التحتية وخاصة في المنطقة "ج" تحت سيطرة الاحتلال.

كما تتولى الإدارة المدنية مسؤولية التنسيق الأمني والمدني مع السلطة الفلسطينية، وإصدار تصاريح العمل والموافقات لدخول الفلسطينيين إلى إسرائيل ولم الشمل وقضايا اقتصادية وغيرها.

ورغم تراجع دور الإدارة المدنية بعد إقامة السلطة، فإنه لم ينته، بل تغلغل أكثر بعد عام 2000، وخاصة في المنطقة المصنفة "ج" الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وفق اتفاق أوسلو، والتي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة.

الإدارة المدنية في الانتخابات

وفي انتخابات الكنيست الإسرائيلي التي جرت مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عاد ملف الإدارة المدنية، بقوة إلى السطح كبديل للسلطة الفلسطينية، وأداة لتعميق الاستيطان وتهجير الفلسطينيين من المنطقة "ج".

والثلاثاء الماضي، صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية على 3 مشاريع قوانين، أحدها يعرف بقانون "سموتريتش" نسبة لعضو الكنيست المتطرف زعيم حزب "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش، ويمنح الأخير صلاحيات وزير في وزارة الدفاع وتحديدا المسؤولية عن الإدارة المدنية.

وسبق أن توصّل زعيم حزب الليكود، رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو، وزعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف إيتمار بن غفير إلى اتفاق أولي خلال مشاورات تشكيل الحكومة، يتضمن شرعنة عشرات البؤر الاستيطانية، وهذا بات سهلا بسيطرة سموتريتش على الإدارة المدنية كأداة للتنفيذ.

وفي حملته الانتخابية هدد سموتريتش بإلغاء صلاحيات الإدارة المدنية وتفكيكها وتعزيز السيادة الإسرائيلية على الضفة، المصنفة أرضا محتلة وفق قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي.

ووفق تقديرات الأمم المتحدة، يوجد نحو 400 ألف مستوطن في الضفة الغربية، ونحو 218 ألفا في القدس الشرقية.

في حين تشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى وجود 3.19 ملايين فلسطيني في الضفة بما فيها شرقي القدس.

ووفق الإحصاء تستغل إسرائيل 76% من المساحة المصنفة (ج)، والتي ينتشر فيها أكثر من 300 ألف فلسطيني.

Swearing-in ceremony of the new Israeli government the 25th Knesset
زعيم حزب "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش (يمين) مُنح المسؤولية عن الإدارة المدنية برتبة وزير (رويترز)

خطر الوزير المستوطن

ويكمن الخطر الحقيقي من هيمنة سموتريتش على الإدارة المدنية في إمكانية هدم آلاف المنشآت الفلسطينية المخطرة فعلا بالهدم.

ويقول الباحث الميداني في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الحكومية إبراهيم أبو هاشم إن العام الجاري شهد تصعيدا ملحوظا في إخطارات الهدم، مقارنة مع السنوات الخمس التي سبقته، حيث بلغت إخطارات الهدم نحو 1150 إخطارا.

ووفق تقديرات مركز القدس للمساعدة القانونية، فإن أكثر من 150 ألف مواطن فلسطيني يقطنون منازل مهددة بالهدم إما لأنها في تجمعات سكنية أو قرى غير معترف بها من قبل السلطات الإسرائيلية، أو لوجود مخططات محصورة يضطر السكان للبناء خارجها تلبية لاحتياجات التزايد السكاني.

وقال الناشط الحقوقي ومؤسس تجمع "شباب ضد الاستيطان" عيسى عمرو، إن سموتريتش هو مؤسس جمعية "ركافيم" الاستيطانية بالضفة، والتي أخذت على عاتقها الضغط على الإدارة المدنية ومراقبة المنطقة "ج" وطرد المواطنين الفلسطينيين منها.

وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن تلك الجمعية مارست ضغوطا على الإدارة المدنية لهدم منازل فلسطينية وإغلاق طرق، ومنع الوصول إلى أراض زراعية وإغلاق مؤسسات أهلية، بل وذهبت إلى حد إعداد مشاريع قوانين لتحقيق أهدافها.

ورجح عمرو زيادة عمليات الهدم في المنطقة "ج" وتهجير السكان الفلسطينيين منها، والسيطرة على أكبر مساحة من الأرض وخاصة منطقة "إي 1" شرقي القدس، بما ينهي حل الدولتين، ووجود السلطة الفلسطينية خلال عامين، كما هددوا في الدعاية الانتخابية.

جزء من منطقة "إي 1" شرقي القدس والمهددة بالاستيطان (الجزيرة)

شرعنة المستوطنات

أما مدير دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار عبد الله أبو رحمة، فلفت إلى أن سموتريتش مستوطن متطرف، وجمهوره من المستوطنين المتطرفين "وكل همّه بالفعل تنفيذ مخططاته، من خلال الشروط التي فرضها للمشاركة في الائتلاف الحكومي".

وتابع أبو رحمة -في حديثه للجزيرة نت- أن هذا المستوطن يسعى من خلال السيطرة على الإدارة المدنية إلى توسيع المخططات الهيكلية للمستوطنات وملاحقة البناء الفلسطيني.

ولا يستبعد المسؤول الفلسطيني مضي الحكومة القادمة في شرعنة 65 بؤرة استيطانية رعوية تمتد على مساحات واسعة مفتوحة ولا حدود لها كما المستوطنات.

وأشار إلى تنامي ملاحقة الفلسطينيين في المراعي، وإدخال المستوطنين إليها في تفريغ متسارع وبالقوة ينهي حلم إقامة الدولة الفلسطينية.

ويقول المحلل السياسي نعمان عمرو إن توجه الحكومة الإسرائيلية القادمة أكثر تطرفا من أي حكومة سابقة، ما يتطلب موقفا وبرنامج عمل فلسطيني ووحدة وطنية وإنهاء الانقسام.

وقال إن تغير وتطرف الحكومة الإسرائيلية يجب أن يكونا كفيلين "بتحيز الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال والفصل العنصري"، مشيرا إلى أن مجمل الاتفاقيات الموقعة بين الأحزاب المشكلة لحكومة نتنياهو "معادية وعنصرية".

عنصرية إسرائيلية

وأشبع الإعلام العبري ومراكز الدراسات الإسرائيلية موضوع إخضاع الإدارة المدنية لمستوطن متطرف نقاشا من زاوية تأثيره على إسرائيل وعلاقاتها الدولية، بدون الأخذ بعين الاعتبار حقوق الشعب الخاضع للاحتلال.

ويرى الصحفي يارون ديكل -في مقال نشره معهد أبحاث الأمن القومي- أن نقل مسؤولية الإدارة المدنية وتنسيق الأعمال الحكومية في الضفة الغربية من وزير الجيش إلى وزير المستوطنات من حزب "الصهيونية الدينية" سيسرع ضم الأراضي وقد يقوض الوضع الأمني ويجلب تحركا ضد إسرائيل في الساحة الدولية.

وسبق أن لوّح نتنياهو بضم أجزاء من الضفة الغربية في منطقة الأغوار، فيما عرف بـ"خطة الضم" في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلا أنه لم ينفذها بسبب ضغوط دولية.

وتقول صحيفة "هآرتس" إن وضع الإدارة المدنية في يد رئيس الصهيونية الدينية "سيُمكن من توسيع المستوطنات والامتناع عن هدم البؤر الاستيطانية غير القانونية، وسيعمق التمييز ضد الفلسطينيين".

وسابقا نشرت منظمات دولية أبرزها هيومن رايتس ووتش، تقارير وصفت الوضع في الضفة بأنه نظام فصل عنصري "أبرتهايد"، بسبب تمييز إسرائيل لصالح المستوطنين على حساب الفلسطينيين.

ووفق هآرتس نفذت الإدارة المدنية بين مايو/أيار 2019 ونهاية عام 2021 نحو 70% من أوامر الهدم ضد الفلسطينيين و30% فقط من تلك الصادرة للمستوطنين.

المصدر : الجزيرة