قصص مؤلمة وانتظار عدالة لم تأت.. شهادات جديدة من ذوي ضحايا أقبية التعذيب للنظام السوري

برلين – كأن صفة القسري باتت عنوانًا لمأساة الشعب السوري، فهناك التهجير القسري، والاختفاء القسري ، وقبل هذا وذاك الحكم القسري.

تمخّضت الأحداث الدامية في سوريا عن مآس لم يشهد التاريخ لها مثيلًا، ومنها مأساة تصفية آلاف من معتقلي الرأي والحراك السلمي تحت التعذيب، وثمة أسر تنتظر غائبًا لن يعود، ولا يدري أحد كيف تمت التصفية؟ وأين دفن؟

جاءت تسريبات صور قيصر كما تعرف إعلاميًا نسبة لقانون قيصر الذي أقرته الولايات المتحدة الأميركية بمحاسبة النظام السوري، فمن سرّب الصور اختار هذا الاسم، وهذه التسريبات كانت في مطلع 2014 حيث تم تسريب 55 ألف صورة لـ11 ألف ضحية، وقد تعرّفت بعض أسر الضحايا على أبنائها، وتداعى عدد من ذوي القتلى لتأسيس رابطة عوائل قيصر في فبراير/شباط 2018 في برلين.

قصص مؤلمة

الجزيرة نت التقت بعدد من ذوي القتلى في ألمانيا، وكل قصة تروى تجعل الشخص يخال أن ما يسمع كان في عهد محاكم التفتيش وليس في هذا العصر، والأعجب من كل هذا أن المجرم ما زال طليقًا، وأن الفاعلين مستمرون في جرائمهم، فما تسرّب هو جزء من جرائم كبرى ارتكبت في "مسالخ النظام"، وتبعتها جرائم أكثر في السنوات التي تلت تسريب تلك الصور.

خرجتُ مقعدًا وأخي سُرّبت صوره قتيلا

المعتقل السابق جمال معتوق شقيق القتيل نزار تحدّث للجزيرة نت عن مأساته ومأساة أسرته بتصفية شقيقه واختفاء عمه مع ولديه، وبدأ بقصة اعتقاله 3 مرات، أولاها كانت يوم 22 أبريل/نيسان 2011 و"مورس علي تعذيب لا يتصوره عقل إنسان وخرجت مقعدًا عاجزًا من السجن! وبقيت عامين مقعدًا".

وبعد أن بدأت باستخدام الكرسي المتحرك -يتابع معتوق- قُصفت معضمية الشام بالسلاح الكيميائي يوم 12 أغسطس/آب 2013 في الخامسة فجرًا، وكنت من بين نحو 13 ألفا محاصرين بالمنطقة، ثم أخرجنا بعد حصار خانق يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016 إلى إدلب، ومنها إلى تركيا وبعد ذلك اليونان حيث بقيت مدة، ومن ثم إلى ألمانيا يوم 24 مارس/آذار 2017، ومازلت أتلقى العلاج.

وعن اعتقال وتصفية شقيقه نزار، يقول معتوق إن أخاه -وهو من مواليد 1963- اعتقل يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2011، وكان لديه 8 أبناء، 4 ذكور و4 بنات، ووصلت صور مسربة عن تصفيته في 2015 وتعرفت عليه، وقد شُرّد أولاده كما تشرّد ملايين السوريين.

بعد رؤية صور أخي وابن أخي توفيت والدتي

وبدوره يروي طلعت الحمود أن 3 من أشقائه وابن شقيقه قضوا على يد قوات النظام، وتم التعرف على اثنين منهم من صور قيصر.

وأوضح للجزيرة نت أن شقيقه أحمد اعتقل عند حاجز هرابش في سبتمبر/أيلول 2012 أثناء نزوح عائلتهم باتجاه مدينة موحسن بعد اقتحام جيش النظام محافظة دير الزور وارتكابها مجزرة الجورة والقصور، ولم نعلم عنه شيئا إلا بعد التعرف عليه ضمن صور قيصر المسربة.

ويتابع الحمود أن ابن أخيه عبد الرحمن فكرت -وهو من مواليد 1991- اعتقل عند حاجز برادات الحافظ في دمشق، وتم التعرف عليه كذلك من خلال الصور المسرّبة، وأول من تعرّف على أخي أحمد كانت والدتي النازحة إلى تركيا، وقد سبق ذلك أن فقدت اثنين من أشقائي في قصف النظام، فلم يطل بها المقام طويلا حتى توفيت بعد ذلك بستة أشهر.

الآن أستطيع النوم فابني شهيد ولم يعد يُجلد

أما علا غفير فقد روت للجزيرة نت قصة اعتقال أخيها محمد طه غفير، وهو من مواليد عام 1978 بمحافظة إدلب، وكان أحد المشاركين في الحراك السلمي في الثورة السورية عند تفجرها، مشيرة إلى أن حاجزا استوقفه قرب بيته، وطلبوا هويته الشخصية، وانتهى الأمر بسجنه بعد إقراره بتهمة تحت التعذيب، و"تعرفنا على صورته ضمن صور عائلات قيصر المسرّبة عام 2015، كانت صوره صادمة بكل ما فيها من تفاصيل مرعبة".

وتضيف علا أن صورة رفات شقيقها كانت عبارة عن هيكل عظمي "لكن تأكدنا في النهاية أنها صورته وأنه استشهد تحت التعذيب، وقالت أمي جملتها التي لن أنساها: الحمد لله ابني شهيد ولم يعد يجلد في سجون النظام، الآن أستطيع النوم. في حين لم يحتمل والدي الصدمة فتعرض لجلطة دماغية أدّت لفقدانه الذاكرة وتوفي بعدها بسنة".

رابطة عوائل قيصر

وعن تشكيل رابطة عوائل قيصر، قال طلعت الحمود للجزيرة نت إنه بعد تسرّب صور قيصر اجتمع في برلين مع 11 فردا يمثلون عائلات وجدت صور أبنائها المفقودين بين تلك الصور، كان ذلك في فبراير/شباط 2018 برعاية المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وتم وضع الأهداف التالية من قبل العائلات المؤسسة للرابطة:

  •  تسليم رفات الضحايا، وإعادة الدفن بشكل لائق يحترم الكرامة الإنسانية ومشاعر أهالي الضحايا، ووفق شعائرهم الخاصة.
  •  تأمين الدعم النفسي والقانوني لعائلات الضحايا، ومساعدتهم على تجاوز آثار الجريمة.
  •  ضمان حقوق الضحايا وعائلاتهم، وتخليد ذكرى الضحايا بشكل لائق وإعادة الكرامة لهم.
  • المساهمة في إطلاق سراح المعتقلين والمخفيين قسريًا والمختطفين، وكشف مصير المفقودين.
  • ضمان عدم الإفلات من العقاب، وإنشاء محكمة خاصة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

دعم مسار العدالة الانتقالية

وفي أغسطس/آب 2019 تم تسجيل الرابطة رسميا في برلين، وفي لقاء حضره الكثير من المهتمين والإعلاميين تم إشهار "رابطة عائلات قيصر"، وقد بدأنا بالتوسع ودعم أعضائنا نفسيا وقانونيا، وتمكينهم بالقوانين الدولية وآليات الأمم المتحدة لمعرفة كيف يحصّلون على حقوق قتلاهم، وتمكينهم لرواية قصص أحبتهم، وتخليد ذكراهم وكيف تتم مناصرة قضيتهم، وأولى الخطوات كانت إنشاء مكتب توثيق الشهداء، وفق تعبير الحمود.

قسم التوثيق في رابطة عائلات قيصر

قائدة فريق التوثيق في رابطة عائلات قيصر السيدة منال أبا زيد، قالت للجزيرة نت إن القسم يعمل على جمع المعلومات والتوثيقات من أجل مساعدة عائلات ضحايا الاختفاء القسري في سوريا، إذ يبحث القسم عن صور المختفين ضمن صور ضحايا قيصر لأن الكثير من العائلات لا تستطيع البحث بنفسها ضمن الصور بسبب قساوتها.

وعن آلية البحث، قالت إنه كان يتم سابقا بشكل يدوي، ولكن الرابطة اليوم تعتمد على تطبيق جديد يمكنه من مطابقة الصور وإيجاد الصور الشبيهة، ويتم عرضها على الأهالي لاحقا لتأكيد هوية الضحية.

كما يقوم القسم، إذا لم يكن المختفي ضمن ضحايا صور قيصر، بإحالة العائلات إلى الجهات الشريكة التي يمكن أن تساعد العائلات في بحثها، وبعد ذلك يأتي الجانب القانوني، إذ يجري القسم مقابلات مع عائلات الضحايا لتقديم شكاوى فردية للفريق العامل المعني في الاختفاء القسري في الأمم المتحدة.

وعن الصعوبات التي تواجه فريق التوثيق والحلول التي توصلوا إليها في معرفة المفقودين، قالت منال إن القسم طوّر تطبيقا مع شركاء الرابطة بالتعاون مع شركائنا حتى يتمكن من مقارنة الوجوه بين صور المعتقل قبل اختفائه والصور التي تم تسريبها.

وتتم هذه العملية خلال ثوان وتنتج منها مجموعة صور تحدد نسب التشابه، ويقوم الفريق لاحقا بمقارنة بشرية حتى نستطيع عرض أقل عدد من الصور على العائلة، وأكدت منال أن عرض الصور ليس سهلا، فنحن نقوم بتهيئة العائلة لهذه العملية الصعبة حتى يتم التعامل مع أي صدمة لاحقة لها.

جرائم تنتهك مواثيق حقوق الإنسان

عن هذه الجرائم وعن قانون قيصر الذي أقرته الولايات المتحدة لمحاسبة النظام السوري ومعاقبة كل من يمد له يد المساعدة، قال المحامي ومدير منظمة تواصل لحقوق الإنسان مصطفى غندور: إن قانون قيصر رغم استبشار السوريين به، فإنّه لم يحقق مطلبهم بالعدالة لا سيما أن ما حدث جرائم إبادة بشرية وجرائم تنتهك القوانين الدولية خاصة جرائم التعذيب والقتل خارج إطار القضاء والقانون، حيث توجد علامات واضحة للتعذيب في الصور المسرّبة.

المصدر : الجزيرة