عصابات الجريمة بأميركا اللاتينية.. هاييتي تستغيث العالم والسلفادور تتحرك لاحتوائها

عنصر أمن هاييتي خلال احتجاجات على انعدام الأمن بالعاصمة بورت أوبرانس (الأوروبية)

كان طلب هاييتي مساعدة دولية من خلال إرسال "قوة مسلحة متخصصة" -لمواجهة تغوّل عصابات الجريمة في الجزيرة الواقعة بمنطقة الكاريبي- أوضح مثال للضرر الذي يمكن أن تسببه هذه المنظمات التي تنامى نفوذها في العديد من دول أميركا اللاتينية.

وبينما وجهت هاييتي نداء استغاثة للمجتمع الدولي بمساعدتها أمنيا، وبدا أنها خسرت المعركة، تحقق دول أخرى على غرار السلفادور تقدما نحو احتواء خطر عصابات الجريمة.

ومن المكسيك على حدود الولايات المتحدة مرورا بمنطقة الكاريبي ووصولا إلى كولومبيا والإكوادور والبرازيل، تنوّع عصابات كبيرة منظمة نشاطها بين تجارة المخدرات العابرة للحدود وتهريب البشر، وتجني مليارات الدولارات سنويا عبر غسل الأموال، وفق تقارير دولية، ولا تتورع عن خوض صراعات تستخدم فيها الأساليب الأكثر وحشية في الشوارع وحتى داخل السجون.

والجمعة، اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع قرارا اقترحته الولايات المتحدة والمكسيك يفرض عقوبات على عصابات الجريمة في هايتي، وقالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إن القرار استجابة أولية لطلب المساعدة الذي تقدمت به هذه الدولة الفقيرة الغارقة في أزمات سياسية وأمنية واقتصادية.

وأضافت غرينفيلد أن بلادها تعتزم تقديم مشروع قرار آخر لإرسال قوة مسلحة -غير أممية- إلى هاييتي لمساعدتها على إنهاء الفوضى التي تفاقمت عقب اغتيال الرئيس جوفينيل مويس في يوليو/تموز 2021.

ويفرض القرار عقوبات تشمل تجميد أموال ومنع سفر زعيم تحالف عصابات "جي 9" (G9) جيمي شيريزييه، وهو ضابط سابق في الشرطة، متهم بارتكاب انتهاكات خطيرة تشمل قتل المدنيين، ويشير نص القرار إلى أن تحالف عصابات الجريمة مسؤول عن الأزمة التي تسبب فيها غلق مستودعات الوقود في العاصمة بورت أوبرانس.

Haitians protest against crime and inflation, in Port-au-Prince
مظاهرة سابقة في العاصمة بورت أوبرانس ضد ارتفاع الأسعار وتفشي الجريمة (رويترز)

ضحايا ومهجرون

ووفقا للأمم المتحدة، فإن نحو ألف شخص قتلوا وأصيب وخطف مئات آخرون الفترة بين يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران الماضيين نتيجة العنف المرتبط بالعصابات في هاييتي.

واضطر الآلاف للنزوح من الأحياء الموبوءة بالعنف في العاصمة نحو أماكن لا تتوفر فيها الخدمات الأساسية، كما تأثر مئات الآلاف بالأزمة ليزداد الوضع قتامة في هذا البلد الذي يقارب سكانه 12 مليونا، ويعد الأفقر في الأميركتين.

وفي وقت سابق، اتهمت واشنطن مسؤولين هاييتيين بحماية العصابات وتمويلها. وفي حين وعد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بزيادة دعم الشرطة الهاييتية، استبعد مسؤول أميركي آخر أي وجود أمني لبلاده بالجزيرة.

وكان من مظاهر عجز الحكومة الهاييتية عن التصدي للعصابات، في ظل وجود جهاز أمني ضعيف، سيطرة مجموعات مسلحة منذ منتصف سبتمبر/أيلول على ميناء "فارو" في بورت أوبرانس، وهو أكبر ميناء لاستيراد الوقود، في وقت كانت عصابتا "400 ماووسو" (Mawoso) و"شين شان" (Chen Mechan) تتصارعان للسيطرة على الأحياء الشمالي للعاصمة.

وفي وضع تلاحقت فيه الاضطرابات السياسية واستفحل فيه الفساد، كان حتما أن تظل هاييتي تغرق في مستنقع العنف حتى لجأت لطلب المساعدة الدولية رغم رفض جزء من الرأي العام لهذا الخيار، وهو ما عبرت عنه المظاهرات التي خرجت مؤخرا في بورت أوبرانس.

Bukele Announces Will Seek Re-election Despite Prohibition
بوكيلة أعلن الطوارئ في مارس/آذار الماضي عقب أعمال عنف قتل فيها العشرات (غيتي)

سياسة صارمة

وعلى النقيض من هاييتي، تبدو السلفادور بصدد احتواء عصابات الجريمة رغم أن الطريق نحو كسب المعركة لا يزال طويلا وشاقا.

ويُنسب هذا النجاح النسبي للسياسة الصارمة التي ينتهجها الرئيس نجيب بوكيلة، الذي أعلن في مارس/آذار الماضي حالة الطوارئ من أجل مواجهة العصابات، ومذاك اعتقلت قوات الأمن 55 ألفا يشتبه في أنهم منخرطون في أعمال إجرامية.

وقرر الرئيس -المتحدر من أصل فلسطيني- إعلان الطوارئ عقب موجة عنف خلفت 87 قتيلا أواخر مارس/آذار، وقالت السلطات إن عصابتي "مارا سالفاتروتشا" (M-S13) و"باريو 18″ (Barrio 18) المتنافستين تقفان وراءها، وفي يوليو/تموز أعلن بوكيلة أن حكومته ستبني سجنا يتسع لـ 40 ألفا من المجرمين.

والعصابتان تشكلتا في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي، وحين طُرد آلاف السلفادوريين بمقتضى تشريع وقعه الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، نقلوا إلى بلادهم أنشطتهم الإجرامية لتزدهر هناك.

ورغم أنه يواجه اتهامات بالاستبداد، وانتهاك حقوق الإنسان بسبب سياسته المتشددة إزاء الجريمة، فإن بوكيلة يحظى بشعبية واسعة بفضل الحرب على المخدرات، وهو ما قد يعبد له الطريق لولاية ثانية، إذ أعلن مؤخرا ترشحه لانتخابات 2024 رغم الجدل حول دستورية هذه الخطوة.

وقبل هذا كان سلفه ماوريسيو فونس اعتمد تكتيكا مختلفا، إذ أعلن عام 2012 هدنة مع العصابات لكنها لم تلبث أن انهارت بعد ذلك بعامين، والعام التالي شهدت السلفادور أعلى معدلات جرائم القتل المرتبطة بالجريمة في القسم الغربي من الكرة الأرضية بواقع 105 جرائم لكل 100 ألف ساكن.

حرب مفتوحة

وفي دول أخرى بأميركا اللاتينية، يبدو أن احتواء العصابات ليس بعدُ في متناول الحكومات وسط مواجهة مفتوحة بين الطرفين، بينما تظل تجارة المخدرات باتجاه أميركا الشمالية مزدهرة رغم جهود الحكومات لمكافحتها سواء عبر التشريعات أو التعامل الأمني، خاصة مع الولايات المتحدة.

وفي البرازيل، تقول مجلة إيكونوميست (The Economist) إن عصابة "فيرست كوماند أوف ذي كابيتال" (the Primeiro Comando da Capital) تدير "دولة ظل" في أجزاء من البلاد، رغم أن قيادتها في السجون، في حين تسعى منافستها الأصغر حجما "ريد كوماند" (Comando Vermelho) لتوسيع نشاطها.

وتقول فايننشال تايمز (Financial Times) إن عدد أفراد فيرست كوماند -التي تشكلت قبل نحو 3 عقود- يقدر بنحو 40 ألفا.

وتنقل الصحيفة عن الادعاء العام بمدينة ساو باولو أن هذه العصابة تجني سنويا نصف مليار دولار من نشاطها الإجرامي، وأنها أبرمت اتفاقات مع المزارعين في كولومبيا لتزويدها بعجين الكوكايين، ومع أعضاء سابقين في منظمة فارك الكولومبية بشأن التسليح والتدريب.

ووفقا لتقرير سابق لوكالة رويترز، تنامى نفوذ العصابات شمال شرق البرازيل من خلال نقل الكوكايين من كولومبيا وبيرو عبر نهر الأمازون إلى المحيط الأطلسي، حيث يتم تهريبه نحو أوروبا وأفريقيا.

وبعد وصول الرئيس الحالي جايير بولسونارو للسلطة عام 2016، سعت الحكومة لفرض تدابير مشددة ضد قادة العصابات داخل السجون.

والبرازيل ثالث أكبر بلد في العالم من حيث عدد السجناء، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى وجود نحو 750 ألفا في سجونها.

والعنف القاتل شائع بين عصابات السجون في البرازيل، وكثيرا ما يمتد بسرعة إلى سجون أخرى تخضع عادة لسيطرة عصابات المخدرات، وفي السنوات الأخيرة وقعت عدة مواجهات داخل السجون قتل فيها العشرات بطرق مروعة.

The Cereso number 3 state prison following a fight between imprisoned members of rival gangs
ذوو سجناء ينتظرون أمام سجن بمدينة سيوداد خواريز المكسيكية عقب مواجهات بين النزلاء (رويترز)

مواجهة دامية

وفي المكسيك، تستمر المواجهة الدامية المستمرة منذ عقد من الزمن بين الحكومة وعصابات الجريمة التي تهيمن عليها كل من "سينالوا" (Sinaloa) و"جاليسكو" (Jalisco) ويتركز نشاطها على تهريب المخدرات نحو الولايات المتحدة.

وبينما تمكنت السلطات من اعتقال عدد من قادة العصابات وفي مقدمتهم زعيم عصابة سينالوا "إل تشابو" -الذي تم ترحيله عام 2017 إلى الولايات المتحدة وحكم عليه لاحقا بالسجن المؤبد- لم تتوقف العصابات عن استهداف السياسيين والإعلاميين، وخلال العام الجاري اغتيل 15 صحفيا على الأقل.

وقتل نحو 360 ألف شخص منذ أعلنت الحكومة المكسيكية الحرب على العصابات، والعام الماضي سجل انخفاض طفيف في عدد القتلى جراء العنف المرتبط بالجريمة لكن العدد ظل فوق مستوى 33 ألفا.

ويقول مجلس العلاقات الخارجية الأميركي إن الحرب التي تشنها السلطات المكسيكية على العصابات لم تحقق إلا نجاحات محدودة، ويشير إلى مليارات الدولارات التي قدمتها واشنطن لمساعدة المكسيك في حربها على المخدرات.

وتقول السلطات المكسيكية والأميركية إن هناك استخداما متزايدا للعملات الرقمية من قبل عصابات المخدرات في المكسيك، وتقدر قيمة غسيل الأموال المتأتية من الأنشطة الإجرامية في المكسيك بنحو 25 مليار دولار سنويا، وفقا للحكومة.

وفي كولومبيا، قال مسؤول حكومي مؤخرا إن الحرب بين العصابات تتصاعد، وسجلت الأشهر الماضية عمليات انتقامية بين عصابات فنزويلية وجدت ملاذا لها في هذا البلد قبل أن تنتشر في تشيلي والبرازيل والإكوادور وبيرو.

وفي إطار هذا الصراع، عثر منذ بداية العام الجاري على 23 جثة مقطعة في العاصمة بوغوتا، التي تضم 1.8 مليون مهاجر فنزويلي، ويعتقد أن عصابتي "ترين دي أراغوا" و"لوس ماراكوتشوس" ضالعتان في القتل مع خلية مافيا مرتبطة بمنظمة سينالوا الإجرامية المكسيكية.

وفي مايو/أيار، أعلنت العدل الأميركية ترحيل زعيم عصابة "كلان دل غولفو" داريو أنتونيو أوزوغا -الملقب بـ أوتونييل- من كولومبيا إلى الولايات المتحدة لمحاكمته بتهم تعلق بتصنيع وتجارة الكوكايين. وقالت الوزارة إن نشاط هذه العصابة يقدر بمليارات الدولارات.

أما في تشيلي، التي كانت تعد الدولة الأكثر أمنا واستقرارا بالمنطقة، فقد شهدت السنوات القليلة الماضية تصاعدا للجريمة المنظمة يرتبط -فيما يبدو- بتجارة المخدرات.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، شددت السلطات إجراءات الأمن بعد عمليات سطو استهدفت قطارات تنقل شحنات من النحاس.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الأجنبية + مواقع إلكترونية + وكالات