دعوات تهويد المسجد الأقصى.. محور للتنافس بين الأحزاب الإسرائيلية اليمينية قبيل انتخابات الكنيست

مستوطنون يرفعون العلم الإسرائيلي خلال اقتحام لساحات المسجد الأقصى المبارك (مواقع التواصل)

القدس المحتلة- على مرمى حجر من انتخابات الكنيست الـ25، عاد المسجد الأقصى المبارك ليتصدر محور التنافس بين الأحزاب اليمينية لجذب أصوات الناخبين، خاصة أن يوم الاقتراع -الذي يوافق الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل- سيحل بعد موسم أعياد يهودية طويل، استباح فيه المتطرفون ساحات المسجد الأقصى ودنّسوها بتأييد ودعم مباشر من وزراء وحاخامات وأعضاء كنيست متطرفين.

وصرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد قبيل موسم الأعياد أنه لن يحدد عدد المقتحمين للمسجد الأقصى خلال الأعياد اليهودية، وسيسمح للمتطرفين بأداء الصلوات التوراتية الصامتة، مع إمكانية النفخ في البوق بالساحات، وهو ما حصل فعلا.

هذه التصريحات أطلقها لبيد مناكفة لزعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، وعضو الكنيست المتطرف بن غفير، وزعيم حزب "الصهيونية الدينية" المتطرف عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش.

وفي ظل تنافس الأحزاب الإسرائيلية -خاصة اليمينية منها- على أصوات الناخبين مستخدمة "تهويد المسجد الأقصى" وسيلة لكسب أصوات الجمهور، سألت الجزيرة نت الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص عن أهمية وعمق قضية المسجد الأقصى في السياسة الإسرائيلية.

كومبو لنتنياهو ورئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد
رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد (يمين) زايد على زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو في مسألة السماح باقتحام الأقصى (رويترز)

الأقصى.. خط سياسات مركزي ثابت

واستهل الباحث حديثه بالقول إنه لا بد من التوضيح أن استهداف المسجد الأقصى بات خط سياسات مركزيا ثابتا لدى إسرائيل، وليس مسألة طارئة أو مؤقتة، فلأجل تهويده خاض الاحتلال 8 مواجهات تنوعت ما بين هبّات وانتفاضات وحروب، ومع ذلك ما يزال عدوانه على المسجد الأقصى موضوع التوتر المركزي الذي يجره إلى حافة المواجهة مرة بعد مرة، ويبدو الذهاب إلى مواجهة شاملة انطلاقا من المسجد الأقصى مسألة زمن لا أكثر.

ويرى ابحيص أن المتنافسين في الانتخابات يستخدمون مسألة المسجد الأقصى -بتسخين العدوان عليه، وإحاطته بتأييد سياسي- باعتباره موضوعا يجذب ناخبي اليمين، وهم الكتلة الكبرى التي باتت تشكل أكثر من 60% من الناخبين الإسرائيليين، لكن خلافاتها تمنعها من الانفراد بالحكم.

أما من الناحية التاريخية، فأكد الباحث أن العدوان على المسجد الأقصى ارتبط فعليا بصعود اليمين الإسرائيلي، وبالتحول من التفسير القومي العلماني للصهيونية باعتبارها حركة قومية تدعو إلى تحقيق كيان سياسي لليهود كشعب، إلى كونها حركة قومية دينية تسعى إلى تحقيق الكيان السياسي للشعب وفق الرؤية التوراتية لدور هذا الشعب ونبوءاته الخلاصية التوراتية في آخر الزمان.

وتابع: "وهنا تحول المسجد الأقصى إلى موضوع مركزي، باعتبار أن تأسيس الهيكل المزعوم يشكل الجوهر الديني المفقود للصهيونية، وأن هذه الكيانية الصهيونية ناقصة المعنى وفاقدة للجوهر ما لم تتمكن من إقامة الهيكل في مكان المسجد الأقصى".

ولذلك تربط جماعات الهيكل المتطرفة نفسها بهذه الفكرة، وتسمي نفسها بتسميات مثل "هليبا" أي اللب أو الجوهر، واليوم تتصاعد المساحة الدينية في تفسير الصهيونية، فما كان يعتبر تطرفا جسده شارون بالأمس بات يعد من أحزاب المركز، بل أقرب إلى اليسار كحال تسيبي ليفني وريثته.

ويوشك نتنياهو أن يتحول إلى زعيم وسط مع بروز قوى ووجوه سياسية تقف عن يمينه، مثل: أيليت شاكيد، ونفتالي بينيت، ثم بتسلئيل سموتريتش، وبن غفير الذي باتت جماعات الهيكل ترى فيه انحرافا علمانيا رغم كل تطرفه، وتحاول تقديم وجوه بديلة له مثل بنتسي غوبشتاين زعيم منظمة لاهافا المتطرفة.

ومع هذا الميل التدريجي المستمر نحو المزيد من التفسير الديني للصهيونية والمزيد من النبوءات والمقولات الخلاصية، فإن تهويد المسجد الأقصى -بحسب ابحيص- يمسي موضوعا إجماعيا لدى كل قوى اليمين بأنواعها وتشكيلاتها. وبما أن جمهورها هو الكتلة الكبرى من الناخبين، فإن كل الأحزاب السياسية التي تتطلع إلى كسبها ستتنافس في احتضان هذا الهدف السياسي والتعبير عنه والتسابق نحوه.

أجندة تهويد الأقصى حاضرة

وعن الجديد في الانتخابات المقبلة، أكد الباحث أن جماعات الهيكل المتطرفة باتت موجودة على طرفي الانقسام الإسرائيلي، فبعد أن كان انتشارها حتى عام 2020 حكرا على حزبين فقط هما الليكود والبيت اليهودي، أدى انشقاق جدعون ساعر عن الليكود، وتحالف نفتالي بينيت مع يائير لبيد، إلى تحول قطاع من نشطاء جماعات الهيكل إلى معسكر التحالف المضاد لنتنياهو.

وأضاف ابحيص أننا أصبحنا نجد متطرفا مثل زئيف الكين سابعا في قائمة "الوحدة الوطنية" بقيادة الجنرال بيني غانتس، ووزير الأديان السابق ماتان كاهانا -القادم من حزب البيت اليهودي اليميني- تاسعا في القائمة ذاتها، مما يعني أن جماعات الهيكل المتطرفة باتت اليوم على طرفي الاصطفاف الإسرائيلي لأول مرة في تاريخها، وباتت أجندة تهويد المسجد الأقصى مضمونة الحضور في الحكومة الإسرائيلية كائنا ما كانت الكتلة التي ستشكلها.

وختم الباحث ابحيص حديثه للجزيرة نت بالقول إنه لا يمكن اعتبار تهويد المسجد الأقصى موضوعا انتخابيا فحسب في التحليل، والنظر إليه من هذه الزاوية وحدها تسطيح يعيق فهم أهميته وعمقه في السياسة الإسرائيلية، وإن كان عنوانا حاضرا في الانتخابات انطلاقا من كونه خط سياسات مركزيا تحتاج مختلف الكتل السياسية المتنافسة لتقديم مقولات سياسية حوله.

المصدر : الجزيرة