"رجال قبل أوانهم".. مشروع تركي لدعم التعليم في القدس

وفقا لتقارير رسمية فلسطينية، فإن الاحتلال الإسرائيلي يضع قطاع التعليم في قلب الخطة الخمسية (2018-2022) لأسرلة التعليم عبر تحريف محتوى المنهاج الفلسطيني، وصولاً إلى استبداله بالمنهاج الإسرائيلي بنسبة 90% مع انتهاء العام 2022.

تركيا - خليل مبروك - معلم في القدس يستخدم لوحا من مشروع الألواح الذكية كجزء من مشروع دعم التعليم الذي ينفذه وقف الأمة في القدس - مصدر الصورة وقف الأمة
معلم في القدس يستخدم لوحة من مشروع اللوحات الذكية ضمن مشروع دعم التعليم الذي ينفذه وقف الأمة في القدس (الجزيرة نت)

إسطنبول- تبذل منظمات تركية جهودا خاصة لإنقاذ القطاع التعليمي في مدينة القدس المحتلة الذي يعيش ظرفا استثنائيا يواجه فيه التهميش والحصار من جانب، والتهويد والأسرلة من جانب آخر.

ومشروع دعم التعليم في القدس الذي أطلقه "وقف الأمة" تحت عنوان "رجال قبل أوانهم" يسعى إلى تقديم حلول لمشكلة التسرب من المدارس، حيث تقول الإحصاءات إن نسبة المتسربين تجاوزت الـ30% من عدد الطلاب الذين يتوزعون على 85 مدرسة فلسطينية و125 روضة أطفال.

ويعتبر الوقف التركي -المتخصص في دعم الشؤون المقدسية- دعم قطاع التعليم في القدس أولوية لما له من دور فعال وتأثير ملموس على مفهوم التغيير والتطوير في المجتمعات، ولتنشئة جيل يحفظ أرضه وهويته من خلال دعم القطاع التعليمي في أركانه الأربعة (الطالب والمعلم والمدرسة والمنهاج).

تركيا - خليل مبروك - معصوم يون رئيس مجلس إدارة وقف الأمة التركي داخل مكتبه في اسطنبول- مصدر الصورة وقف الأمة
معصوم يون: القطاع التعليمي في القدس يشكل حالة نوعية من الصمود بالنظر إلى سعي الاحتلال لإضعافه وتدجينه (الجزيرة نت)

وتتوزع مجالات المشروع على دعم الحقيبة المدرسية، وتوفير أقساط الطلبة للمدارس والجامعات، وتعزيز البنية التحتية في مدارس القدس ودعم المنهاج والمعلم المقدسي.

فقد قام الوقف عبر المشروع المنفذ عام 2021 بدعم مشاريع تعليمية في مختلف مدارس المدينة -شملت دعم الطلاب المقدسيين المغتربين وطلاب مدارس القدس وجامعاتها- بحزمة من المنح الشاملة والجزئية، كما نفذ مشروعا لكفالة الطلاب الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة.

ودعم الوقف مجموعة من المشاريع خارج المنهج الدراسي تعزز من قدرات الطالب المقدسي على الجمع بين المعرفة والمهارة واكتساب الخبرة واكتشاف القدرات وترفع الوعي بالمحيط المقدسي ومتطلباته، مثل مشروع القيادات الشابة، ومشروع التعليم المفتوح، وزيادة الوعي الحقوقي، والتوجيه المهني والأكاديمي للطلاب.

ونفذ الوقف مشاريع برامج التنمية البشرية المتنوعة من خلال الرحلات والدروس والمخيمات ومشاريع المبادرات الشبابية الهادفة للخدمة المجتمعية للطلبة في مدارس القدس الفلسطينية.

وفي مساق تطوير العملية التعلمية ودعم المعلمين، قام الوقف بدعم جملة من المشاريع النوعية مثل مشروع "تأهيل المعلمين" ومشروع "بالمعلم نرتقي"، ومشاريع إيجاد فرص عمل لائقة ودائمة عن طريق تنفيذ مشاريع البرامج اللامنهجية المتنوعة في المدارس.

وفي الإطار ذاته، قام الوقف بدعم مشاريع البنية التحتية مثل مشروع "التعليم المساند" الذي شمل تأثيث المدارس وتأهيل الغرف الصفية وتجهيزها بأدوات تكنولوجيا التعليم، إضافة إلى مساعدة المدارس المقدسية على افتتاح مكتبات وملاعب وغرف صفية جديدة للتخفيف من وطأة الاكتظاظ المرهق للعملية التعليمية.

التعليم المقدسي

وبحسب رئيس مجلس إدارة "وقف الأمة" معصوم يون، فإن القطاع التعليمي في مدينة القدس يشكل حالة نوعية من حالات الصمود والثبات بالنظر إلى حجم الميزانيات الفلكية التي ينفقها الاحتلال لإلحاق هذا القطاع بمنظومته التعليمية أو إضعافه، حتى تكون مخرجاته عديمة الأثر والجدوى في تعزيز صمود المجتمع المقدسي والحيلولة دون استقلاله بمنظومة تعليمية فعالة.

ويقول يون -للجزيرة نت- إن الاحتلال يعمل على تدجين المدارس العربية واحتوائها، بالسيطرة على أكثر من 60% من مجموع مدارس القدس، في الوقت الذي تعاني فيه باقي المدارس التابعة للأوقاف والأونروا والمدارس الخاصة نقصا حادا في التمويل وضعفا كبيرا في البنية التحتية.

ويشير المسؤول التركي إلى أن 38% من المدارس المقدسية تقع في أبنية مستأجرة تفتقر إلى المواصفات المطلوبة لسلامة العملية التعليمية، مع حاجتها الملحة إلى زيادة الغرف الصفية، موضحا أن مدارس القدس الفلسطينية تعاني عجزا قدره 2548 غرفة صفية.

وفقا لتقارير رسمية فلسطينية، فإن الاحتلال الإسرائيلي يضع قطاع التعليم في قلب الخطة الخمسية (2018-2022) التي رصد لها أكثر من 2 مليار و100 مليون شيكل، خصص منها 445 مليون شيكل لأسرلة التعليم عبر تحريف محتوى المنهاج الفلسطيني، وصولا إلى استبداله بالمنهاج الإسرائيلي "البجروت" بنسبة 90% مع انتهاء عام 2022.

كما يرتكب الاحتلال انتهاكات عديدة بحق القطاع التعليمي، منها إقامة الحواجز العسكرية في طريق الطلاب والاعتداء على المدارس وإلقاء قنابل الغاز والصوت فيها أو بالقرب منها، وحرمان المدارس العربية في القدس من الميزانيات الكافية، مما يجعل الصفوف تعاني الاكتظاظ والضغط.

وبحسب بيانات المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديموقراطية (مفتاح)، فإن 40 ألف طالب وطالبة يشكلون نحو 50% من تعداد الطلبة الفلسطينيين في القدس يدرسون في مدارس المعارف والبلدية الإسرائيلية التي تدرّس إما منهاجا فلسطينيا محرفا أو منهاجا إسرائيليا (بجروت) يخالف ثقافتهم الوطنية وبيئتهم الاجتماعية.

وتشير بيانات نشرها المنتدى التربوي المقدسي إلى أن عدد المدارس التي تدرس المنهاج الإسرائيلي كليا أو جزئيا في العام الدراسي 2017/2018 كان 12 مدرسة يدرس بها 5800 طالب فلسطيني، وارتفع العدد في العام التالي إلى 41 مدرسة يدرس بها 7300 طالب، ثم ارتفع عام 2019\2020 إلى 50 مدرسة تضم 8300 طالب فلسطيني، من بينها 12 مدرسة تدرس المنهاج الإسرائيلي الكامل و38 تدرسه بشكل جزئي.

تركيا - خليل مبروك - شاب مقدسي يعمل في تجهيز الحقائب ضمن مشروع الحقيبة المدرسية لدعم التعليم الذي ينفذه وقف الأمة في القدس - مصدر الصورة وقف الأمة
شاب مقدسي يعمل في تجهيز الحقائب ضمن مشروع الحقيبة المدرسية الذي ينفذه وقف الأمة في القدس (الجزيرة نت)

أطفال رجال

ويرى القائمون على وقف الأمة أن الاحتلال يعتبر ملف التعليم في القدس أحد ساحات استهداف المقدسيين لطمس ثقافتهم وتاريخهم، تارة بمنع تدريس المناهج، وتارة بالاعتقال الإداري للطلاب والمدرسين، وتارة بمحاصرة البنى التعليمية ماليا.

ويقول رئيس مجلس إدارة "وقف الأمة" معصوم يون إن الاحتلال يعمل على تعطيل العملية التعليمية في القدس من خلال استهداف مكوناتها الأساسية، ليجد الطفل المقدسي نفسه في بيئة تعليمية طاردة وبوضع اقتصادي صعب جراء سياسات الاحتلال التي تضطره في نهاية الأمر إلى ترك التعليم والتوجه إلى سوق العمل لتخفيف العبء المادي عن عائلته.

وتعتقد إدارة الوقف التركي أن الاحتلال اتبع إستراتيجية مدروسة لوضع اليد على مقدرات قطاع التعليم المقدسي، إدراكا منه لدور هذا القطاع في تحقيق الأمن الثقافي والمجتمعي وتلبية الاحتياجات المعرفية للمقدسيين، وللحيلولة دون تمكينهم من الاستقلال بمنظومة تعليمية خاصة تحافظ على هويتهم وتحفظهم من الاندماج أو الإلحاق بمنظومة التعليم اليهودية.

ويوضح يون أن هروب الأطفال من هذه البيئة الطاردة يحرمهم حقوق طفولتهم ليصبحوا "رجالا قبل أوانهم"؛ فيتم استهدافهم من قبل الاحتلال من جانب ويسعون للمشاركة في تحمل مسؤولية إعالة عائلاتهم من جانب آخر.

المصدر : الجزيرة