مخاوف من الانزلاق للعنف.. السودان أمام سيناريوهات عدة بعد استقالة حمدوك

الاحتجاجات مستمرة في الشارع السوداني منذ أكثر من شهرين (الأوروبية)

الخرطوم- رغم توقعاتهم سلفا بأن يقدم رئيس مجلس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك استقالته، يحذر مراقبون من قتامة المشهد السياسي واحتمالات الانزلاق للعنف من بين سيناريوهات متعددة في السودان، بعد إعلان حمدوك تنحيه رسميا في خطاب للأمة عبر التلفزيون الرسمي مساء أمس الأحد.

وحسم حمدوك أمر استقالته من رئاسة مجلس الوزراء بعد أكثر من شهرين من توقيعه اتفاقا سياسيا مع رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعدما كان الأخير قد أطاح بحكومته وجمد بعض بنود الوثيقة الدستورية في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وأطل حمدوك بعد طول غياب، عبر شاشة تلفزيون السودان القومي، ليقدم خطابه الأخير للشعب السوداني.

وبعد أن سرد -خلال الدقائق التي استغرقها الخطاب- جملة من الإنجازات في أثناء فترة توليه رئاسة الوزراء قبل قرارات 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتحدث عن المصاعب التي واجهت حكومته، وأوضح أنه كان يتطلع لإجماع وطني يدعم رؤاه لتكملة الفترة الانتقالية بعد توقيعه على اتفاقه مع البرهان، أعلن حمدوك تقديم استقالته وتسليم الأمانة للشعب بعد فشله في تحقيق ذلك الإجماع، بعد أن سمى -صراحة- ما حدث في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي "انقلابا".

الموقف الأميركي

الخارجية الأميركية استبقت إعلان حمدوك استقالته ببيان صادر عن وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بمناسبة احتفال السودان بمرور 66 عاما على استقلاله، جاء فيه أن استيلاء الجيش على السلطة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي والعنف ضد المتظاهرين السلميين "ألقيا بظلال من الشك على مستقبل سودان ديمقراطي".

وأكد البيان استعداد واشنطن للرد على "أولئك الذين يسعون إلى إعاقة تطلعات الشعب السوداني إلى حكومة ديمقراطية بقيادة مدنية، والذين يقفون في طريق المساءلة والعدالة والسلام".

وقال بلينكن -في ما فسره مراقبون باطلاعه سلفا على فحوى خطاب حمدوك- إن هناك طريقا للمضي قدما، مطالبا قادة السودان بإحراز تقدم سريع في تشكيل حكومة ذات مصداقية وإنشاء مجلس تشريعي وهيئات قضائية وانتخابية ونقل قيادة مجلس السيادة للمدنيين.

حيرة وتشاؤم

وبدا السودانيون أكثر حيرة بعد أن ألقى الرجل حمل مسؤولية رئاسة الحكومة عن كاهله وتركها على قارعة الطريق، بعد انشقاق الشارع السياسي حول جدوى استقالته ومحاذيرها عندما كانت مجرد مشروع للضغط من أجل الوصول إلى توافق وطني يدعم رؤاه لإكمال الفترة الانتقالية.

وكان السؤال الأبرز على منصات التواصل الاجتماعي عقب إعلان الاستقالة، "ماذا بعد؟"، الذي يحمل في طياته كثيرا من التشاؤم حول سيناريوهات الفترة المقبلة.

من جهته، قال الشفيع خضر القيادي الشيوعي السابق والمقرب من حمدوك -في حديث للجزيرة نت- إن الخلاف القائم لن تحله استقالة حمدوك، متوقعا تفاقم الأزمة السياسية واستمرار المظاهرات التي انتظمت في البلاد منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ورأى خضر أن الموقف الآن يتطلب تداعي الجميع للوصول إلى حل يوفر مخرجا آمنا، مشيرا إلى أن مطلب الشارع بذهاب العسكر لن يتحقق إلا بتوحد المدنيين. ودعا للبحث عن سيناريو يعالج صيغة الشراكة التي فشلت خلال الفترة الماضية.

من جانب آخر، قال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي -في منشور على فيسبوك- إن استقالة حمدوك واحدة من تجليات الأزمة السياسية والاجتماعية المتراكمة التي لم تفهمها القوى السياسية التي ورثت البلاد في زمن غفلة أغلب الشعب، وفق تعبيره، مشيرا إلى أن حمدوك ذكر في خطابه أن الأسباب وراء استقالته عدم وجود توافق سياسي.

وأضاف مناوي "ما زال المشوار طويلا. لا بديل للحوار والاعتراف بالبعض".

سيناريوهات متعددة

ورأى المحلل السياسي عثمان فضل الله أن بيان الخارجية الأميركية كان مؤشرا لاستقالة حمدوك. وقال إن السيناريو الأقرب لما بعد الاستقالة هو بسط العسكريين سلطتهم والتحول إلى حكم عسكري، ولو لفترة قصيرة، بعد أن فشلت المبادرة السعودية الأخيرة في الضغط على المكون العسكري للتنازل، مما سيضع البلاد أمام تقديم المزيد من الدماء، وفق توقعاته.

وقال -في حديثه للجزيرة نت- إن سيناريو الانتخابات يبدو واردا، ولكنه سيكون بدون إجماع وطني مما سيفاقم من الأزمة السياسية القائمة وسيطيل من أمدها.

ولكنه حذر من السيناريو الأسوأ وهو الحرب الأهلية، مشيرا إلى أن القوى المسلحة الموجودة في الساحة الآن ليست على قلب رجل واحد، مما يجعل الانفجار والصدام بينها مسألة وقت.

من جهته، توقع الكاتب الصحفي شوقي عبد العظيم مواجهة عنيفة بين الشارع والجيش ينتج عنها عدم استقرار سياسي واقتصادي.

وقال للجزيرة نت إن المعادلة الآن هي ذهاب رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو حميدتي بعد أن توحد الجيش وقوات الدعم السريع، وهو ما سيجعل المواجهة مختلفة عما كانت عليه في العاشر من أبريل/نيسان 2019 قبل يوم من الإطاحة بالرئيس عمر البشير.

ورجح شوقي أن يكون المجتمع الدولي في وضع حرج بعد استقالة حمدوك، مما سيربك علاقته مع أي حكومة قادمة، وأضاف أن المعارضة المدنية أيضا ستجد نفسها في موقف حرج ولن تتوافق مع العسكر في هذه المرحلة.

وقد ضغط المجتمع الدولي من أجل عودة حمدوك لقيادة الحكومة المدنية بعد إعلان قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حالة الطوارئ في البلاد وحل مجلسي السيادة والوزراء، قبل أن يعيد حمدوك رئيسا للحكومة بعد توقيع الاتفاق السياسي بينهما في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ليستقيل الأخير قبل اكتمال الشهر الثالث من عودته.

المصدر : الجزيرة