المواجهة تبدو حتمية.. هل يشكل تنظيم الدولة تهديدا حقيقيا لطالبان؟

يرى مراقبون أن لدى حركة طالبان فرصة كبيرة في إدارة الصراع والانتصار في مواجهة تنظيم الدولة، إذا اتخذت خطوات جادة لكسب الحاضنة الشعبية، وتقوية الجبهة الداخلية، من خلال توسيع تركيبة الحكومة وتحسين أدائها في الحكم.

مقاتلو حركة طالبان في جلال آباد أحد معاقل تنظيم الدولة شرق أفغانستان (الأوروبية)

كابل- دأبت حركة طالبان -من خلال مسؤوليها والناطقين باسمها- على التقليل من خطر تنظيم الدولة في أفغانستان، مع التأكيد على قدرتها على ضربه وعدم السماح له بتهديد الأمن وتحدي الحكومة التي شكلتها الحركة باسم إمارة أفغانستان الإسلامية.

ولعل ثقة حركة طالبان بنفسها في مواجهة تنظيم الدولة في أفغانستان/ولاية خراسان، تنبثق من انتصارها في المعارك الدامية التي خاضتها ضده منذ عام 2015 في الولايات الشرقية من أفغانستان، والتي أدت في النهاية إلى هزيمة التنظيم وسيطرة طالبان على مناطق كانت تخضع له.

وقد ازدادت ثقة حركة طالبان بقدرتها بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، وسقوط حكومة الرئيس المنصرف محمد أشرف غني، وسيطرتها الكاملة على كافة الأراضي الأفغانية. إلا أن التفجيرات التي وقعت في كابل وجلال آباد، وتبني تنظيم الدولة لها، كانت بمثابة جرس إنذار من عودة التنظيم إلى مواجهة الحركة، وتحدٍ لاختبار قدرتها على السيطرة على الأوضاع وتحقيق الأمن الذي يعتبر أكبر إنجاز لطالبان إثر عودتها للحكم في أفغانستان.

هل تنظيم الدولة خطر؟

وهنا يطرح السؤال: هل يشكل تنظيم الدولة تهديدا حقيقيا لحكم طالبان؟ وهل يستطيع فعلا الوقوف في وجه الحركة التي اكتسحت الولايات الأفغانية واحدة تلو الأخرى خلال فترة لا تزيد على 10 أيام؟

يعتقد محلل سياسي مختص في شؤون الجماعات المسلحة في أفغانستان -فضل عدم الكشف عن هويته- أن تنظيم الدولة في أفغانستان لا يشكل تهديدا كبيرا لحركة طالبان، لأنه يعيش مرحلة ضعف شديد، ولا يملك أرضا يقف عليها، ويفتقر لمراكز وجبهات منظمة في الأراضي الأفغانية.

ويؤكد المحلل أن "ثمة تضخيما إعلاميا متعمدا لقدرات تنظيم الدولة في أفغانستان، كما تُتهم قوى دولية بالتمهيد لفتح فصل جديد من الصراع والحرب في أفغانستان، لتحقيق أهداف في سياق الصراع والتنافس الإستراتيجي بين دول مثل الصين والولايات المتحدة الأميركية، وصراعات إقليمية بين دول مثل الهند وباكستان وإيران". ولعل هذا الرأي يتناغم مع رؤية حركة طالبان وروايتها الرسمية في التعامل مع ملف تنظيم الدولة.

ولا يرى صاحب هذا الرأي أي مستقبل لتنظيم الدولة في أفغانستان، ما دامت حركة طالبان تحكم البلاد وتمسك بزمام الأمور فيها، ولا يستبعد قيام عناصر تنظيم الدولة بهجمات انتحارية وتفجيرات هنا وهناك، "لكن سيتم القضاء عليه بمرور الوقت، لأن تنظيم الدولة لا يتمتع بحماية شعبية من المواطنين الأفغان، لكونه غير منسجم مع النسيج الاجتماعي والمذهبي للمجتمع الأفغاني".

ويستطرد المتحدث بالقول إن "كثيرا من مقاتلي تنظيم الدولة جاؤوا من دول عدة غير أفغانستان، ولديهم نزعة سلفية خلافا لغالبية الشعب الأفغاني الذي يتبع المذهب الحنفي، ولديه حساسية شديدة تجاه السلفية التي يتهمونها باللامذهبية، خاصة علماء الدين التقليديين".

تنظيم الدولة خطر وهذه هي الأسباب:

في المقابل، يعتبر بعض المتابعين للشأن الأفغاني أنه من الخطأ الاستهانة بتنظيم الدولة وقدراته الفعلية والمحتملة في حالة نشوب مواجهة بينه وبين حركة طالبان، ويمكن إجمال حجج هذا الفريق -بحسب تصريحاتهم وكتاباتهم- بالنقاط التالية:

  • ما زال لتنظيم الدولة وجود غير ظاهر في بعض مناطق أفغانستان الشرقية، مثل ولايات ننغرهار وكونر ولغمان ونورستان، وبعض الولايات الشمالية مثل بدخشان وجوزجان وتخار.
  • وجود مدارس ومعاهد دينية للسلفيين في العاصمة كابل وبعض الولايات، حيث تعتبر هذه المدارس والمعاهد أماكن تقليدية لنفوذ تنظيم الدولة بين الطلاب والمدرسين.
  • تضييق حكومة حركة طالبان على السلفيين وملاحقتهم وإغلاق بعض المدارس التابعة لهم، قد يدفع هؤلاء لمعارضة حكم طالبان ويقرّبهم من تنظيم الدولة الذي يتقوى بهم. ويمكن قراءة انعكاسات حادث اغتيال الشيخ أبو عبيد الله المتوكل -أحد رموز السلفية في البلاد- الذي أختطف وقتل بصورة بشعة بعد أيام من سيطرة طالبان على كابل، واختفاء قيادات سلفية أخرى مثل الشيخ محمد معروف راسخ، الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة كابل، خوفا من الاعتقال أو الاغتيال في هذا السياق.
  • احتمال حصول تنظيم الدولة على دعم مالي وعسكري من جهات أجنبية، من مصلحتها بقاء أفغانستان ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية.
  • احتمال حدوث انشقاقات داخل حركة طالبان وانضمام المنشقين إلى تنظيم الدولة، خاصة في حال تقديم حكومة طالبان تنازلات لأجل الحصول على الاعتراف الرسمي من دول كالولايات المتحدة الأميركية.

  • خروج عدد كبير من عناصر وقيادات تنظيم الدولة من سجون الحكومة السابقة أثناء سقوط الولايات والعاصمة بأيدي حركة طالبان، ولا شك أن عودة هؤلاء إلى صفوف التنظيم سيؤدي إلى تقويته، خاصة أن أغلبهم من أصحاب الخبرة والتجربة في صفوفه في أفغانستان.
  • احتمال تقارب حكومة طالبان مع الغرب في مواجهة تنظيم الدولة، وإذا كانت هذه الخطوة من جانب ستؤدي إلى تقوية حكومة طالبان في ضرب التنظيم، فإنها -من جانب آخر- ستوفر غطاء شرعيا للتنظيم في قتاله لحكومة طالبان، بحجة أنها تحالفت مع أميركا والغرب ضد التنظيم الذي يرفع راية الخلافة الإسلامية.
  • استغلال تدهور الأوضاع الاقتصادية في أفغانستان وازدياد الفقر وارتفاع نسبة البطالة، من قبل تنظيم الدولة لتوسيع دائرة نفوذه بين الشباب، خاصة أنه -بحسب تقارير إعلامية وروايات متداولة في أفغانستان- يملك موارد مالية جيدة، وينفق بسخاء على مقاتليه وأعضائه.
  • رهان تنظيم الدولة على احتمال ظهور حركات تمرد ضد حكومة طالبان، مما يؤدي إلى تشتيت القوة العسكرية للحركة وإضعافها نتيجة حرب استنزاف.

حتمية المواجهة

يبدو أن المواجهة المسلحة بين حركة طالبان وتنظيم الدولة ستتطور وتتصاعد تدريجيا، فكل منهما لديه إرادة قوية لضرب الطرف الآخر، فالتفجيرات الدامية الأخيرة التي أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عنها، تعبر بكل وضوح أنه سائر في طريق المواجهة مع حكومة طالبان.

أما الإجراءات التي اتخذتها حكومة حركة طالبان في مواجهة التنظيم من اعتقالات لعناصر متهمة بالعضوية فيه، ومداهمات لمنازل ومدارس يعتقد أنها لأنصاره، تدل على حتمية المواجهة وتصعيدها في مقبل الأيام، وإذا اتجهت الأوضاع نحو المواجهة فسيكون الشعب الأفغاني هو الخاسر الأكبر في صراع لا ناقة له فيه ولا جمل، كما يقول المثل العربي.

ويرى المحلل السياسي المتحدث سابقا أن "لدى حركة طالبان فرصة كبيرة في إدارة الصراع والانتصار في مواجهة تنظيم الدولة، إذا اتخذت خطوات جادة لكسب الحاضنة الشعبية، وتقوية الجبهة الداخلية، من خلال توسيع تركيبة الحكومة وتحسين أدائها".

المصدر : الجزيرة