التجنيد الإلزامي في العراق.. تحديات اجتماعية وعقبات سياسية

الحاكم المدني الأميركي بول بريمر ألغى في عام 2003 قانون التجنيد الإلزامي وحل بموجبه كافة التشكيلات العسكرية والأمنية واعتمد نظام التطوع في المؤسسات الأمنية والعسكرية.

Iraqi Army soldiers march as part of a parade marking the founding anniversary of the army's artillery section in Baghdad October 1, 2014. REUTERS/Mahmoud Raouf Mahmoud (IRAQ - Tags - Tags: MILITARY ANNIVERSARY)
التجنيد الإلزامي أوقف في العراق منذ العام 2003 (رويترز)

أعلن مجلس الوزراء العراقي أمس الأول إقراره مشروع قانون خدمة العلم الذي طرحه مجلس شورى الدولة، وإحالته إلى مجلس النواب (البرلمان) لدراسته وتصديقه، ولم يتطرق البيان الحكومي لمعلومات إضافية بشأن مضمون القانون.

ويعتقد خبراء في الشأن العراقي أنه يستند إلى مشروع سابق أقره البرلمان عام 2016، إلا أن رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي رفض المصادقة عليه نتيجة لضغوط سياسية.

وكانت سلطة الائتلاف المؤقت قد ألغت قانون التجنيد الإلزامي بقرار من الحاكم المدني الأميركي بول بريمر عام 2003، حلّ بموجبه كافة التشكيلات العسكرية والأمنية، واعتمد نظام التطوع في المؤسسات الأمنية والعسكرية بدلاً من الخدمة الإجبارية.

الخبير العسكري علي عبد الإله
عبد الإله اعتبر أن القانون يهدف لتعزيز المؤسسة العسكرية ودعم جهودها للقضاء على الجماعات المسلحة (الجزيرة نت)

سيطرة الدولة

يقول الباحث في الشؤون العسكرية علي عبد الإله للجزيرة نت إن إقرار القانون في هذا الوقت يهدف إلى تعزيز المؤسسة العسكرية بقوات إضافية تدعم جهودها في القضاء على تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المسلحة، وحماية المناطق المتأزمة.

وأضاف أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يحاول أيضا تحييد المنظومة العسكرية والأمنية من خلال إدخال مختلف أطياف الشعب في هذه المؤسسات لتسهل عملية فرض سيادة الدولة بعد ارتفاع أعداد الجماعات المسلحة التي أضعفت ثقة الشعب في الحكومة وقوّضت السيادة الوطنية.

وبحسب عبد الإله، كان من الممكن إبعاد البلد عن العديد من المشاكل الأمنية والسياسية لو تم إقرار القانون بعد 2003 مباشرة.

تحديات

يؤكد عبد الإله أن الحكومة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار قبيل تنفيذ القانون إمكانية تحويل المجتمع المدني إلى عسكري، إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة لمنع انتشار السلاح وحصره بيد الدولة، وإلا فإن التهديدات الحالية ستتأزم بشكل أكبر مستقبلا.

ويضيف أن تغلغل الجهات الحزبية والعشائرية داخل مؤسسات الدولة ساهم في تصاعد موجة التوترات الأمنية.

دكتور عثمان الموصلي
الموصلي يرى أن على الحكومة القضاء على الظواهر المسلحة أولا ثم إحياء خدمة العلم (الجزيرة نت)

وفي هذا الصدد، يقول الخبير السياسي الدكتور عثمان الموصلي للجزيرة نت إن على الحكومة القضاء على الظواهر المسلحة أولا ثم إحياء خدمة العلم، حيث من الممكن مستقبلا أن تستغل بعض الجماعات الحزبية والمسلحة قانون التجنيد لخدمة مصالحها الخاصة، إذا استطاعت فرض وجودها خلال توزيع المجندين الجدد بما يخدم سياستها المحلية.

واعتبر أن فرض التجنيد غير ممكن في الظروف الحالية جراء سيطرة الكاظمي على معظم قادة القطاع العسكري، وهو ما ينافي توجهات بعض الجهات الحزبية ويدفعها لمعارضة تمرير القانون بحجة عدم مراعاته مصالح الشعب.

وأشار إلى أن الجيش تحوّل بعد عام 2003 إلى بؤرة للنفوذ الحزبي، حيث يتم قبول المتطوعين بحسب تزكيتهم الحزبية وانتماءاتهم العشائرية والفئوية، وهو ما أضر بحيادية الجيش العراقي.

الجيش العراقي
هناك أكثر من مليون عسكري في مختلف صنوف الأجهزة الأمنية إضافة إلى منتسبي الحشد الشعبي (الجزيرة)

استيعاب المجندين الجدد

تفيد مصادر في جامعة الدفاع للدراسات العسكرية العليا للجزيرة نت بأن البلد يعاني من زيادة في أعداد المتطوعين والضباط في الوقت الحالي، حيث هناك أكثر من مليون عسكري في مختلف صنوف الأجهزة الأمنية، إضافة إلى منتسبي الحشد الشعبي.

وانطلاقا من هذه الأعداد، يقول المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه "هناك حاجة ملحة لإعادة هيكلة النظام العسكري وتشريع قوانين وسياقات جديدة له في حال تنفيذ القانون، خاصة وأن البلد يعمل بنظام التطوع حاليا ولا يملك سياقات عصرية للتجنيد الإجباري، مما سيدفعه إلى تنشيط الآليات والضوابط القديمة التي اتبعها النظام السابق في هذا الشأن".

وحول آلية توزيع الجنود، يعتقد المصدر بإمكانية توزيعهم وفق حاجة الفرق العسكرية ومناطق التوترات الأمنية، حيث يشكلون صنف احتياط للقوات الأمنية النشطة.

وفيما يخص القدرة الاستيعابية لمراكز التدريب، يعتقد المصدر أن البلد يملك مساحات ومعسكرات كافية لاحتواء وتهيئة هؤلاء المجندين إذا تمت خصخصة العديد العسكري الحالي.

وأشار إلى ضرورة إقرار قانون شامل يتيح التنسيق المشترك لتوزيع الشباب ضمن المؤسسات المختلفة، ويكون ملزما بحفظ حقوق الجنود الحاليين أو إحالتهم إلى التقاعد بما يكفل حقوقهم ويكافئهم على خدمة البلد.

الجبوري يرى أن الخدمة الإلزامية تهذب الإنسان وتمنحه القوة والثقة في النفس وتعيد التأهيل بشكل صحيح (الجزيرة نت)

اختلاف الآراء

تختلف ردة فعل المجتمع ما بين مؤيد يرى الخدمة الإلزامية ستقضي على المشاكل الاجتماعية، ومعارض لعسكرتها مجتمع يعاني من السلاح المنفلت.

ويرى رئيس مركز الرفد للإعلام والدراسات الإستراتيجية الدكتور عباس الجبوري للجزيرة نت أن الخدمة الإلزامية تهذب الإنسان وشخصيته وتمنحه القوة والثقة في النفس وتعيد تأهيل الشباب تأهيلا صحيحا وتبعدهم عن حياة الشوارع والمقاهي المليئة بالمخدرات والممارسات غير الصحيحة، وتدفعهم للاهتمام بدراستهم خوفا من سوقهم لخدمة العلم في حال فشلهم.

ويرى أنها ستقلل من البطالة التي تعد أحد المغريات التي تستهدف بها الجماعات المسلحة الشباب للانخراط معها.

الباحث الإجتماعي حسام سعد
سعد يرى أن لعودة التجنيد الإلزامي في الوقت الحالي سلبيات أكثر من الإيجابيات (الجزيرة نت)

في حين يرى الباحث الاجتماعي حسام سعد أن قانون التجنيد الإلزامي يحتاج إلى دراسة موسعة وشمولية، "حيث إن سلبياته على المجتمع تفوق إيجابياته في الوقت الحالي".

واعتبر أنه لا يمكن اعتبار هذا القانون حلا لإبعاد الشباب عن الانحرافات والسلوكيات غير المهذبة نظرا لعدم خلو المؤسسة العسكرية من هذه التصرفات وتدني المستوى التعليمي لكثير من منتسبيها الذين يحتاجون أساسا الى إعادة تأهيل اجتماعي.

وأشار سعد إلى أن الفساد الإداري والوضع الاقتصادي والمالي الذي يمر به البلد يجد في هذا القانون حلا مؤقتا لأزمة البطالة ولكن سيؤزمها أكثر مستقبلا، لما سيترتب عليه من صفقات فساد جديدة تهدر المال العام.

وأضاف أن قانون التجنيد الإجباري سيؤدي إلى عسكرة المجتمع المدني ويعيد المضايقات والحواجز الأمنية وبالتالي لا يمكن اعتباره فائدة للمجتمع المدني.

ويرى سعد أن الحل الأنسب لإصلاح الشباب هو إصدار قانون التعليم الإلزامي، والقضاء على المعوقات التربوية لدى شرائح المجتمع الفقيرة، وإنشاء مؤسسات التعليم المهني، إضافة إلى تنشيط القطاعات الخاصة بدلا من الحلول الترقيعية كإعادة قانون خدمة العلم.

المصدر : الجزيرة