ترشيح رنا عبد الحميد.. هل يقلب تمثيل الحزب الديمقراطي التقليدي في نيويورك؟

تواجه رنا انقساما في تأييد الجالية المصرية لها، فمن جهة يرى البعض فيها أملا بزيادة الانخراط السياسي للمصريين بالولايات المتحدة، ومن جهة أخرى يمتنع البعض عن دعمها قبل التأكد من توجهاتها السياسية، ليس بشأن أميركا ولكن حول الأوضاع في مصر، ويلفت آخرون إلى حجابها، متسائلين: هل هي إخوانية؟

رنا عبد الحميد قد تصبح أول عضوة كونغرس من أصل مصري (مواقع التواصل الاجتماعي)

نيويورك- ماهر عبد القادر مهندس من أصل فلسطيني يعيش في نيويورك، وهو ناشط بارز في الجاليتين العربية والإسلامية، منذ 3 سنوات ترك عمله وبيته، وذهب لمساندة المرشحة رشيدة طليب خلال حملتها الانتخابية للكونغرس بولاية ميشيغان، لم تكن المهمة سهلة، ولكن كان هناك إصرار على المحاولة، لتحقق رشيدة فوزا صعبا بفارق عدة مئات من الأصوات.

الآن يرى عبد القادر نموذجا آخر لمرشحة تمتلك القدرة على تحقيق تلك المفاجأة في نيويورك هي رنا عبد الحميد (28 عاما)، وهي من أسرة مصرية، وكما يقول "تمتلك الذكاء والكاريزما والقدرة على التواصل مع الناس، مما يزيد فرصها".

كان مجرد ترشيحها مغامرة وجرأة كبيرتين، خاصة في المقاطعة الـ12 التي تمثلها كارولين مالوني، وهي واحدة من أقوى أعضاء الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، وترأس لجانا مهمة، وتحظى بعلاقات قوية داخل الحزب ومع الرئيس جو بايدن شخصيا، ولا ينقصها الدعم المالي من الأثرياء والشركات الكبرى.

لكن رنا عبد الحميد قالت للجزيرة نت إنها منخرطة في العمل السياسي والتطوعي منذ صغرها، وإن مالوني موجودة في الكونغرس منذ 28 سنة، ولم تتمكن من مواجهة مشاكل المنطقة المتزايدة، كالبطالة والتعليم والرعاية الصحية والعدالة الاجتماعية، وهو ما دعاها لترشيح نفسها.

أنشأت رنا قبل سنوات منظمة غير ربحية لدعم المرأة، بداية من فنون الدفاع عن النفس إلى اكتساب الثقة ومواجهة المشاكل التي تتعرض لها.

وتفرعت المنظمة في مناطق ودول عديدة، وجاء تأسيسها بعد هجوم تعرضت له رنا شخصيا من رجل ضخم حاول نزع حجابها فبادرت برد الهجوم والدفاع عن نفسها، وهي التي تحمل الحزام الأسود في الكاراتيه، ومن هنا فكرت في توفير أدوات الحماية للجميع، ومن تلك المنظمة كونت شبكة علاقات قوية في منطقتها.

أسست رنا عبد الحميد منظمة للدفاع عن النفس كونت من خلالها علاقات واسعة بمنطقتها (الصحافة الأميركية)

اتساع التيار التقدمي

لكن، هناك ما هو أكثر من القدرات الخاصة لرنا ليدعم فرصها للفوز، فقد شهدت الأعوام الماضية توسع التيار الليبرالي التقدمي داخل الحزب الديمقراطي الذي حقق انتصارات ضد أعضاء بارزين.

وساعد على ذلك الإحباط لدى القاعدة الديمقراطية، أولا: بسبب هزيمة المرشح اليساري بيرني ساندرز أمام هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية للرئاسة عن الحزب عام 2016، ثم هزيمة هيلاري بعدها في الانتخابات العامة أمام المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

وأعطت سياسات ترامب اليمينية المتشددة في قضايا الهجرة والأقليات والضرائب خاصة حافزا قويا لتنشيط هذه القاعدة الليبرالية للديمقراطيين.

ومنذ 3 سنوات تشكلت منظمة تقدمية تدعى "ديمقراطيون من أجل العدالة"، واستطاعت خلال فترة قصيرة تحقيق مفاجآت كبرى، أبرزها مساندة امرأة شابة غير معروفة وقتها (ألكساندرا أوكازيو كورتيز) لهزيمة جوزيف كراولي النائب القوي في المقاطعة التاسعة بمدينة نيويورك في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي.

وتوالت انتصارات الكتلة التقدمية، من ضمنها فوز غير مسبوق لسيدتين مسلمتين هما رشيدة طليب وإلهان عمر بمقعدين في الكونغرس الأميركي، وكذلك فوز جمال بومان على العضو البارز إليوت إنجل رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب في انتخابات الحزب التمهيدية، والآن، تتجه أنظار التيار إلى هدف جديد للإطاحة بكارولين مالوني من مقعدها الراسخ في نيويورك.

استطاعت رنا عبد الحميد جمع تبرعات واسعة لحملتها في وقت قصير (مواقع التواصل الاجتماعي)

تبرعات غير مسبوقة

وتأكدت جدية ترشيح رنا عبد الحميد بعد أن تمكنت من جمع رقم قياسي من التبرعات وصل إلى 410 آلاف دولار خلال الربع الثاني من هذا العام فقط، والأهم أن هذا الرقم تحقق من عدد كبير من المتبرعين بمبالغ صغيرة، بخلاف اعتماد مالوني على نحو 500 شخص فقط لتحصيل ملايين الدولارات من التبرعات على مدار حملتها الانتخابية.

لكن، هل يمكن أن يستمر الاندفاع نحو اليسار التقدمي لدى القاعدة الديمقراطية مع وجود رئيس ديمقراطي في البيت الأبيض؟

هناك اختبار تم مؤخرا في منطقة كليفلاند بولاية أوهايو، وفازت فيه مرشحة مؤسسة الحزب شونتل براون ضد التقدمية نينا تيرنر، مما يشير إلى أن افتقاد الخصم الواضح في شخص ترامب قد يعود بالأمور إلى سيرتها الأولى.

لكن حالة رنا عبد الحميد تظل أول اختبار حقيقي في منطقة نيويورك الأكثر ميلا للتيار التقدمي، وسيكون من المثير متابعة ما إذا كانت ستعدل أفكارها وحديثها بشأن بعض القضايا، فهي مثلا دعت إلى وقف تمويل الشرطة كوسيلة للإصلاح، وهي لغة كانت تجد تجاوبا كبيرا منذ عام بعد مقتل جورج فلويد مخنوقا أثناء اعتقاله.

لكن المزاج العام تغير مؤخرا، حتى أن الديمقراطيين أنفسهم رشحوا إريك آدامز كحاكم لمدينة نيويورك، وهو ضابط سابق معتدل ركزت حملته على مواجهة الجريمة.

انقسام الجالية المصرية

من جهة أخرى، يعتبر رجل الأعمال علاء المهداوي -وهو أحد الداعمين لحملة رنا عبد الحميد- أن فوزها سيكون نقطة تحول مهمة للجالية المصرية التي لم تقدم مرشحين أو شخصيات سياسية رغم حجمها الكبير في منطقة نيوجيرسي.

ويضيف المهداوي -وهو مصري هاجر إلى الولايات المتحدة منذ 30 سنة- أن دعم الجالية لرنا بالمال والجهد والتصويت سيكون حاسما في ترجيح كفتها.

لكن مصطفى الشيخ -وهو ناشط سياسي من أصل مصري- نظم لقاء لدعم كارولين مالوني بمنطقة أستوريا التي تضم عددا كبيرا من المصريين.

ويقول الشيخ إن مالوني هي من أطلقت على منطقة أستوريا لقب "مصر الصغيرة"، وتدعم أبناء الجالية في قضايا العمل والهجرة، مستفيدة من خبرتها الطويلة ونفوذها القوي بالكونغرس، كما أنها تصدت لحملات الإساءة ضد العرب والمسلمين بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول.

وقال إنه معجب برنا عبد الحميد وبتقدمها، لكنه نبه إلى أن مالوني مستمرة في مقعدها الحالي لعام ونصف، وفرصتها كبيرة في الحفاظ عليه بالانتخابات القادمة، وليس من الحكمة إفساد العلاقة القوية معها.

لكن ماهر عبد القادر يذكّر بموقف مالوني أثناء الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة، حيث دعمت بقوة إسرائيل "وحقها في الدفاع عن النفس" دون مراعاة للحقوق الفلسطينية.

غير أن الانشقاق الأكبر داخل الجالية بشأن رنا لا يرتبط بمنافستها، ولكن بالانقسامات السياسية العميقة بين المصريين في نيويورك، حتى أن عددا كبيرا منهم امتنعوا عن دعمها قبل التأكد من توجهاتها السياسية، ليس بشأن أميركا ولكن حول الأوضاع في مصر، كما لفت البعض النظر إلى حجابها، وتساءل: هل هي إخوانية؟

رنا عبد الحميد (وسط) واحدة من الناشطات البارزات في أوساط الجاليتين المصرية والعربية بنيويورك (مواقع التواصل الاجتماعي)

مزيد من الانخراط السياسي

لكن رنا لا تقف طويلا عند تلك الانقسامات، وتقول إنها تركز على القضايا التي تمس حياة ومصالح أبناء المقاطعة بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية والدينية والعرقية، وتتحدث مع كل الجاليات حول ارتفاع إيجارات السكن، وتعرض أفكارها لتحسين أوضاع المدارس العامة، وتدعو إلى توسيع الرعاية الصحية لتشمل الجميع، والمطالبة بمزيد من الأموال للخدمات العامة، والتركيز على قضية العدالة وإصلاح الشرطة.

وتدرك حملة رنا عبد الحميد حجم التحدي الكبير في مواجهة مالوني، لكن علاء المهداوي يؤكد على فرصة رنا الكبيرة، ويضيف أنه حتى لو لم تكلل بالنجاح فهي لا تعني الفشل، فمن الممكن تكرار المحاولة.

والمهم -كما يقول- بناء شبكة العلاقات التنظيمية والسياسية والمالية ليكون لنا صوت أقوى، ويؤيده ماهر عبد القادر، مشيرا إلى أن "رشيدة طليب ساعدت في تشجيع الجالية الفلسطينية على المزيد من الانخراط السياسي، وأملنا أن تنجح رنا عبد الحميد في إحداث هذا التحول لدى الجالية المصرية".

المصدر : الجزيرة