إبراهيم شكري ابن الباشوات نصير الفلاحين.. الإنجليز أطلقوا عليه الرصاص وحبسه الملك والسادات ومبارك جمد حزبه

رئيس حزب العمل الراحل إبراهيم شكري (وسط) خلال زيارته معرض الكتاب في القاهرة (مواقع التواصل الاجتماعي)

القاهرة – تمر في الخامس من أغسطس/آب ذكرى وفاة السياسي المصري في عهدي الملكية والجمهورية إبراهيم شكري، والذي أطلق عليه زملاؤه في الجامعة لقب "الشهيد الحي".

ورغم تاريخه النضالي الطويل فإن المصريين يتذكرون شكري برئاسته حزب العمل أشد الأحزاب معارضة في عهدي الرئيسين الراحلين أنور السادات وحسني مبارك.

كما يعرفه المصريون بالانحياز للطبقات الفقيرة والكادحة رغم انتمائه إلى أسرة من كبار الأثرياء، فهو -كما يقول المصريون- "ابن الباشوات" الذي دافع عن الفلاحين، ودعا للإصلاح الزراعي، وسط هيمنة الإقطاع على الحياة الاقتصادية والسياسية في مصر.

ذاك الشبل

ولد إبراهيم شكري في الدرب الأحمر أحد أعرق الأحياء بمصر القديمة يوم 22 سبتمبر/أيلول 1916، والده القاضي محمود شكري المشهور بالنزاهة والشجاعة في عمله، واختاره الملك فؤاد ليتولى رئاسة قسم القضايا بالخاصة الملكية، وعندما أحس محمود شكري بانحراف السراي طلب من الملك إعفاءه من منصبه فأجاب طلبه، ثم عين وزيرا للمواصلات عام 1924، ثم عين بعد خروجه في مجلس الشيوخ.

وساهم والد إبراهيم بماله وجهده أيضا مع "أبو الاقتصاد المصري" طلعت حرب باشا من أجل استقلال مصر الاقتصادي، وحين أنشأ حرب شركة مصر للغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى (شمال غرب القاهرة) وضع كل ثقته في شكري وعينه مديرا لهذه المؤسسة العملاقة ليباشر إنشاءها ثم إدارتها.

الشهيد الحي

مثل نداء الزعيم السياسي أحمد حسين "يا شباب 1933 كونوا كشباب 1919" بداية النضج الوطني لإبراهيم شكري، وكان وقتها طالبا في المرحلة الثانوية، حيث لبى النداء، كما شارك في توزيع طوابع مشروع القرش الذي دعا فيه حسنين إلى تبرع كل مواطن بقرش لإنشاء مصنع مصري لصناعة "الطرابيش" التي كانت جزءا من الزي الرسمي وقتها بدلا من استيرادها من الخارج.

وبعدما التحق شكري بكلية الزراعة شارك بقوة في المظاهرات التي اندلعت عام 1935 ردا على تصريح وزير الخارجية البريطاني صمويل هور بعدم ملاءمة دستوري 1923 و1930 لمصر، وأطلق الإنجليز الرصاص على المتظاهرين فسقط عدد من الطلبة شهداء، وكان بينهم إبراهيم شكري الذي اكتشفوا بعد وصوله المستشفى أنه ما زال حيا، فأطلقوا عليه لقب "الشهيد الحي".

بعد تخرجه في كلية الزراعة عام 1939 أصر -وهو ابن الأسرة الأرستقراطية- على الحياة وسط الفلاحين في قرية شربين التابعة لمحافظة الدقهلية (شمال شرقي القاهرة) مساهما في بناء المدارس والمستوصفات والجمعيات التعاونية لخدمة أهل البلدة الذين أحبوه والتفوا حوله حتى أوصلوه عضوا في برلمان 1950.

برلماني ضد رغبات الملك

تقدم شكري خلال عضويته للبرلمان بقانون تحديد الملكية الزراعية بـ50 فدانا رغم أن عائلته كانت من كبار الملاك، وهو نفس ما طبقته الجمهورية الجديدة بعد يوليو/تموز 1952 وسمته قانون الإصلاح الزراعي، والذي منح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر شرعية شعبية كبيرة.

كما تقدم باقتراح بتعديل الدستور لإلغاء الرتب والألقاب للمساواة بين المصريين، وعارض كافة أوجه البذخ الملكي، معتبرا موافقة نواب البرلمان على اعتماد نحو نصف مليون جنيه -وهو مبلغ كبير جدا وقتها- لترميم يخت الملك خيانة للشعب.

وتحيّن الملك وحاشيته فرصة كتابة شكري مقالا يدافع فيه عن زعيمه أحمد حسين الذي اعتقل وقتها، ووجهوا له تهمة العيب في الذات الملكية، ولكن تم إخلاء سبيله حتى جاء حريق القاهرة الشهير عام 1952، فتم القبض عليه والحكم بحبسه 6 أشهر.

تمويل القتال بفلسطين

شارك إبراهيم شكري في النضال على المستوى العربي، حيث مول من ماله الخاص كتيبة "الشهيد مصطفى الوكيل" التي أرسلها حزب مصر الفتاة للمشاركة في قتال عصابات الصهاينة عام 1948 لتحرير فلسطين.

ثم جاءت حركة الضباط الأحرار التي أطلق عليها ثورة يوليو/تموز 1952، وعزف شكري عن المشاركة في أي من التنظيمات السياسية حتى أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارا في مطلع الستينيات من القرن الماضي بتعيينه أمينا للاتحاد الاشتراكي بمحافظة الدقهلية.

جرأة بعهد الصوت الواحد

في عام 1964 انتخب شكري مرة أخرى عضوا للبرلمان الذي أصبح اسمه مجلس الأمة، ومارس -في ظل هيمنة الصوت الواحد- دوره في المناداة بالحرية، حيث طالب بإلغاء قانون 119 لسنة 1964 المقيد للحريات، والإفراج عن المعتقلين، كما أعلن معارضته إصدار قانون يخول رئيس الجمهورية وضع كل الذين صدرت بحقهم أوامر اعتقال منذ 1952 رهن التحفظ.

وعندما بدأت حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 طلب من أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي -التي أصبح عضوا فيها- الذهاب إلى المحافظات لتحفيز الهمم، وعندما لم يختر أحد الذهاب لمحافظة بورسعيد نظرا لقربها من ميدان المعركة سافر إليها شكري بكل شجاعة، مما جعل السادات يمنحه وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى.

استقالته وتأسيس حزب العمل

اختير شكري محافظا للوادي الجديد ثم وزيرا للزراعة عام 1977، قبل أن يستقيل لرفضه معاهدة السلام التي وقعها السادات مع إسرائيل عام 1979، وطلب منه إعفاءه لخدمة الناس من موقع المعارضة.

العلامة البارزة في حياة شكري التي ما زال المصريون يتذكرونها بقوة هي تأسيس حزب العمل الاشتراكي الذي كان له الدور الأبرز في معارضة السادات أواخر أيامه، حتى تم اعتقاله ضمن أكثر من 1500 من الناشطين والمثقفين والسياسيين في سبتمبر/أيلول 1981، قبل أيام من اغتيال السادات خلال احتفالات ذكرى حرب أكتوبر/تشرين الأول.

تضمن برنامج الحزب الأفكار الرئيسية التي دافع عنها شكري، مثل الدفاع عن الفقراء، وتبنى نهجا إسلاميا معتدلا، والتزم بمكانة مصر العربية، ومعارضة التقارب مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.

ومثلت جريدة الشعب الناطقة باسم حزب العمل صوت المعارضة الأعلى في عهد مبارك، وقادت حملات كبيرة لمكافحة فساد الوزراء والشخصيات السياسية إلى أن شنت حملة شرسة ضد يوسف والي وزير الزراعة ونائب رئيس الوزراء وأمين الحزب الوطني الحاكم وقتها، بسبب ما قالت إنه استخدام للمبيدات المسرطنة في الزراعة، فتم تجميد الحزب وإغلاق الصحيفة.

ويصف قطب العربي الصحفي في الجريدة وقتها وعضو الهيئة العليا بالحزب إبراهيم شكري بالنموذج الفريد الذي يجمع بين البساطة في كل سلوكياته وانتمائه لأسرة ثرية ذات أصول ممتدة، ويمكن نعته بالسهل الممتنع.

بساطة وانحياز للفقراء

وروى العربي في حواره للجزيرة نت كيف كان شكري خدوما ولا يرد من جاء مكتبه قاصدا خدمة، بل ويذهب معه بنفسه إلى الوزارة أو الهيئة التي يريد الخدمة منها، ولا يتركه حتى يحقق له مصلحته، بل إنه كان يصرف مكافآت خاصة لأي عامل بالحزب أو الجريدة إذا رآه يرتدي ملابس بالية ليشتري أخرى جديدة.

ويضيف العربي أن شكري كان بسيطا لدرجة أنه حين سافرت معه بالقطار ذات مرة وذهب للمرحاض وتأخر هناك اكتشفنا أنه حين وجد المرحاض غير نظيف قام بتنظيفه.

وحول السؤال: لماذا لم تتكرر شخصية إبراهيم شكري كمسؤول ومعارض؟ أجاب العربي بأن الرجل ابن عصره الذي كان يزخر بالكثير من الشخصيات الفذة في مختلف المناحي السياسية والثقافية والفكرية والاقتصادية، إضافة إلى تكوينه وثقافته ووفائه لمبادئه وعدم اكتفائه بالأقوال حيث قرنها بالأفعال، وكذلك بساطته التي كان يأسر بها كل من يتعامل معه.

وذكرت أسماء (ابنة إبراهيم شكري) قصة تلخص فلسفة أبيها في الحياة حين طلب منه زوجها أخذ الآلات الزراعية التي تركها للفلاحين مع الأرض التي تركها لهم أيضا، فرد شكري بالقول "إذا أخذتها فكيف سيروي الفلاحون أرضهم؟".

المصدر : الجزيرة