تحت أنظار "الشرعية" والحوثيين .. نفط اليمن يستخرجه اللصوص

سرقة نفط اليمن
معدات تستخدم لشفط النفط المسروق قبل نقله بواسطة صهاريج(الجزيرة)

مأرب- تنتشر وسط صحراء اليمن برك سوداء حول أنبوب نفط "صافر"، الذي تكثر فيه الثقوب والفجوات، وتملأ مئات الصهاريج بالنفط الخام يوميا، ثم تختفي في الأسواق الموازية، وتتبخر ملايين الدولارات من موارد الدولة، والفاعل يبقى في خانة المجهول-المعلوم.

يمتد أنبوب نفط صافر مئات الكيلومترات من وسط صحراء اليمن مخترقا الجبال والوديان وصولا إلى سواحل البحر الأحمر، ومثّل هذا الأنبوب شريانا اقتصاديا كبيرا اعتمد عليه اليمن سنوات طويلة من أجل رفد خزينته بالعملة الصعبة، وتوفير التنمية في حدها الأدنى، قبل أن يصبح مصدر ربح وفير للمهربين ومن يقف وراءهم.

في هذا التحقيق -الذي استمر العمل فيه أكثر من 5 أشهر- وثّق معد التحقيق عمليات تخريب ممنهجة لأنبوب النفط الرئيسي في اليمن، الذي ينطلق من منطقة صافر بمحافظة مأرب إلى منطقة رأس عيسى بمحافظة الحديدة، بطول 438 كيلومترا؛ من قبل عصابات تهريب مسلحة تهدف إلى استخراج النفط الخام وبيعه إلى جهات متعددة.

شاحنة وقفت في منطقة قريبة من مناطق سرقة النفط الخام ويتم تعبيتها بالنفط الخام القادم من قبل اللصوص في براميل
صهريج يستخدم لنقل النفط في صحراء صافر (الجزيرة)

يحصل ذلك في ظل غياب تام لدور الشركات النفطية العاملة في اليمن والجهات الأمنية المكلفة بحماية أنبوب النفط ووزارة النفط والمعادن والسلطات المحلية. يختفي النفط من المحطات الرسمية المعترف بها من قبل وزارة النفط والمعادن، لكنه يظهر بشكل كبير في الأسواق الموازية.

وفي عملية رصد قام بها معد التحقيق، فإن هذه الأسواق الموازية تنتشر في عدة مناطق؛ إذ تمتد من داخل مدينة مأرب إلى طريق مأرب-البيضاء، وهي مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، ومنها إلى محافظة البيضاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

يقع السوق الآخر في مناطق الوادي وقبائل عبيدة القريبة من منطقة صافر، وهي مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، أما الكميات الكبيرة فيتم تهريبها عبر خزانات متنقلة إلى حضرموت أو مناطق سيطرة الحوثيين في صنعاء عبر صحراء الجوف وطريق البيضاء.

تخريب ممنهج

في الأول من يناير/كانون الثاني 2020، تعرض أنبوب النفط الرئيسي الناقل للنفط في محافظة مأرب (شرقي اليمن) إلى اعتداء تخريبي، عبر إحداث فجوة بلغ متوسط قطرها 30 سنتيمترا، واستخدمت هذه الفجوة لاحقًا في استخراج النفط من قبل عصابات منظمة تمتهن ذلك.

قام عبد الفتاح أحمد (والاسم هنا مستعار) بمساعدة مجموعة من الأشخاص في منطقة الوادي بمأرب في أحداث خرق في الأنبوب الرئيسي عند الكيلو 16 (عدد الكيلومترات يشير إلى المسافة بين هذه المنطقة ومركز شركة صافر)، كما تولّى إحداث فتحة ولحمها لتفريغ النفط الخام، وربط الفجوات بأنابيب بلاستيكية تسحب النفط الخام من داخل الأنبوب إلى برك خاصة بالمهربين، ثم بيعه إلى أشخاص يقومون بنقله إلى محافظة صنعاء، لإعادة تكريره في مصفاة بمنطقة الحتارش على أطراف العاصمة، ومن ثم بيعه.

سرقة نفط اليمن
المهربون أنشؤوا بركا لتجميع النفط المسروق (الجزيرة)

ليس عبد الفتاح ومجموعته وحدهم من يقومون بتخريب الأنابيب، فهناك عصابات أخرى منظمة تم رصدها من قبل السلطات المحلية وشركات النفط العاملة في اليمن، ووجدوا في تخريب الأنابيب وسرقة النفط الخام تجارة رائجة ومربحة لهم.

وحصل معد التحقيق على نسخة من تقرير خاص صادر عن خلية الاستخبارات في جبهة صرواح (غرب مأرب)، والموجه إلى القيادة العسكرية في مديرية صرواح، ينشر لأول مرة تحت عنوان "الخلية التخريبية في قرية الزور"، وذكر التقرير أسماء وصفات جميع عصابات التخريب في المنطقة.

وأوضح التقرير أن عصابات التهريب أحدثت في منطقة الزور التابعة لمديرية صرواح -التي سيطر عليها الحوثيون مؤخرا- 13 ثقبا، وتم شفط ما يقارب 19 خزانا (صهريجا) متنقلا، بسعة 150 برميلًا من النفط الخام (نحو 159 لترا للبرميل) في المنطقة التي كانت تقع تحت سيطرة قوات الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا.

تقريراستخباراتي يتناول سرقة نفط اليمن
تقرير استخباراتي يتناول سرقة نفط اليمن (الجزيرة)

من حرم شركة صافر، المشغل الرئيسي لحقول النفط في محافظة مأرب، بدأ العمل على هذا التحقيق، وحصلنا على تقرير صادر عن الشركة أوضح أن العمليات التخريبية في أنبوب النفط ممنهجة.

* وتظهر بيانات الشركة -في التقرير الذي ينشر لأول مرة- وتحديدا في القطاع النفطي رقم 18، الذي يشمل قطاع النفط بكامل مأرب؛ أن كمية النفط التي يتم إنتاجها من هذا القطاع تقدر بـ14 ألفا و484 برميلا، يتم نهب نصفها يوميا، أي 7 آلاف و242 برميلا، وفقا للوثائق التي حصلنا عليها، وبقيمة تقدر بـ231 مليون ريال يمني (290 ألف دولار). ووفقا لذلك، يقدر ما ينهب شهريا بنحو 8.7 ملايين دولار (6.96 مليارات ريال)، أي 104 ملايين دولار سنويا (83.5 مليار ريال).

وحسب التقارير السنوية، يبقى الفاقد مستمرا حتى الآن، وذلك رغم توقف التصدير عبر الأنبوب، كونه خارج الخدمة.

وذكر التقرير السنوي لشركة صافر لعام 2018 أن الأنبوب تعرض لأعمال تخريبية متعددة وسرقات متكررة للنفط الخام، خاصة في المنطقة الواقعة بين الكيلو 10 إلى الكيلو 15، وكذلك من الكيلو 41 إلى الكيلو 44 من الخط، ونتج عنها فقدان كمية كبيرة من النفط الخام، في الوقت الذي توقف فيه تصدير النفط عبر الأنبوب منذ عام 2015، وفقا لهذه الوثيقة.

اطلع معد التحقيق على التقارير السنوية لشركة صافر منذ عام 2017 وحتى عام 2019، والتي بينت جميعها تعرض أنبوب النفط لعدة أعمال تخريبية هدفها شفط النفط الموجود داخل الأنبوب، الذي تقدر سعته بما يقارب مليون برميل عند توقف عملية الإنتاج والتصدير عام 2014 مع سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء.

وتلك المناطق المذكورة تخضع جميعها لسيطرة الحكومة الشرعية والجيش الوطني، حيث إن الكيلو 10 تعني أنها تقع على بعد 10 كيلومترات فقط من مركز شركة صافر، ومن المفترض أن اللواء 107 التابع للجيش الوطني هو المسؤول عن حماية هذه المنطقة، ولم يشتبك هذا اللواء مع المخربين الذين ينتمون للقبائل المحيطة بالشركة والأنبوب.

  استخراج النفط في اليمن بدأ عام 1986 لأول مرة في محافظة مأرب في القطاع 18 بمنطقة صافر بـ10 آلاف برميل يوميا، وحتى عام 2010 وصل إنتاج النفط الخام إلى 100 مليون برميل سنويا. وأقيم أنبوب صافر عام 1987 بطول 438 كيلومترا إلى ميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة على الساحل الغربي لليمن بتكلفة بلغت مليار دولار.

خسائر لا تعوض

رغم توقف ضخ النفط الخام عبر أنبوب نفط صافر منذ عام 2014 بعد سيطرة الحوثيين على مأرب، بقي مليون برميل من النفط الخام داخله. وعلى طول الأنبوب بين مناطق الحوثيين ومناطق الحكومة الشرعية استفاد الجميع من قيمة النفط الخام الموجود في الأنبوب، حيث إن نحو 400 ألف برميل كانت تتواجد في القسم التابع للحوثيين، في حين تواجدت 600 ألف برميل في مناطق سيطرة القوات التابعة للحكومة الشرعية.

ومن أجل استخراج هذا النفط أحدثت جماعة الحوثي ثقبين فقط لاستخراج النفط الخام وبيعه للقطاع الزراعي الخاضع لسيطرتها، في حين أحدثت في مناطق الشرعية مئات الفتحات من قبل المخربين والنافذين وبطرق عشوائية لتهريب واستخراج النفط الخام من داخل الأنبوب.

صورة لصالح تحقيق سرقة نفط اليمن-- ضعيفة **للاستخدام الداخلي فقط** ثقب مثلث من فوق الأرض
ثقب مثلث من فوق الأرض لاستخراج النفط من الأنبوب (الجزيرة)

أما أخطر تلك الخروق فتلك التي حصلت داخل حرم شركة صافر الحكومية نفسها، وفقا لوثيقة حصلنا عليها. وتتحدث هذه الوثيقة عن أن نصف كمية النفط المفقودة فُقدت داخل حرم شركة صافر منذ توقف ضخ النفط عبر الأنبوب عام 2014.

* وتقدر قيمة النفط الخام المفقود من الأنابيب داخل الشركة بسبب التهريب والسرقة بـ326 ألف دولار يوميا (260.4 مليون ريال)، وفي هذه الحالة تبلغ قيمة الفاقد الشهري 9.776 ملايين دولار (7.824 مليارات ريال)، أي 117.312 مليون دولار سنويا (93.8 مليار ريال). وما زالت عمليات النهب مستمرة ولو بشكل متقطع حتى اليوم.

في حين تقدر قيمة النفط الخام المنهوب من الأنبوب الرئيسي داخل مناطق الشرعية، والتي تقدر كميتها بـ600 ألف برميل، بحوالي 24 مليون دولار (19.2 مليار ريال يمني)، كما تقدر قيمة النفط المنهوب من الأنبوب ذاته في مناطق سيطرة الحوثيين، والتي تقدر كميته بـ400 ألف برميل، بحوالي 16 مليون دولار (13.8 مليار ريال).

وثيقة تؤكد تهريب نصف كمية الانتاج من النفط
وثيقة تؤكد تهريب نصف كمية الانتاج من النفط (الجزيرة)

ثقوب في كل مكان

وثّق معد التحقيق بالتصوير السري بعض هذه الأعمال التخريبية على طوال الأنبوب، والتي بينت وجود كارثة كبيرة تهدد بقاءه وتشغيله، وأن هناك ثقوبا متتالية على جسد الأنبوب، وإهمالا كبيرا تعرض له من الجهات المعنية.

كما حصل على صور حصرية للثقوب المستحدثة، التي ما زالت حتى اللحظة مرتبطة بأنابيب بلاستيكية يتم من خلالها شفط النفط الخام من داخل الأنبوب إلى برك خاصة بالمهربين في منطقتي وادي مأرب والزور بصرواح.

أجهزة ضخ النفط المسروق في صافر - صورة لصالح تحقيق سرقة نفط اليمن
أجهزة ضخ النفط المسروق في صافر (الجزيرة)

ورصد معد التحقيق 138 ثقبا في منطقة الوادي بمحافظة مأرب، انطلاقا من الكيلو 1 إلى منطقة الكيلو 50 في مديرية الوادي، وحصل أيضًا على وثيقة تؤكد قيام الحوثيين بإحداث خروق في مناطق سيطرتها وقيامها ببيع كميات منه إلى الاتحاد التعاوني الزراعي في محافظة الحديدة.

وثيقة اتفاق الحوثيين على بيع الخام من الانبوب1
وثيقة اتفاق الحوثيين على بيع الخام من الأنبوب 1 (الجزيرة)

مشروع بديل

بدأت الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا العمل على مد أنبوب جديد من حقول صافر النفطية وعبر محافظة شبوة الشرقية إلى بحر العرب، الذي تسيطر عليه الحكومة بالكامل، حيث أكد وزير النفط السابق في الحكومة الشرعية أوس عبد الله -في مقابلة صحفية مع وكالة رويترز- أنهم يخططون لبناء خط أنابيب بديل يمتد إلى بحر العرب لاستئناف عمليات تصدير النفط الخام، وهو ما يفسر الإهمال الحكومي لأنبوب صافر وعدم حمايته من الهجمات المتكررة منذ سنوات.

وعلق وكيل محافظة مأرب رئيس لجنة النفط والغاز عبد ربه مفتاح على كلام وزير النفط بأنه لا توجد أية نية لاستبدال الأنبوب الحالي بأنبوب جديد، بل سيتم إصلاح الأنبوب الحالي، وإعادة تصدير النفط الخام عبره بعد عودة الدولة.

خريطة توضح المشروع البديل لخط صافر-الحديدة (الجزيرة)

وأضاف أن العصابات التخريبية مرتبطة بالحوثيين، وأن تلك العمليات التخريبية مخطط لها من أجل زعزعة الأمن والاستقرار والاقتصاد اليمني، وأن هناك دولا تقف وراء تشجيع العصابات على الاستمرار في عمليات تهريب النفط. وحسب ما قاله فإنه بعد زوال الحوثيين ستتم صيانة الأنبوب ويعود الإنتاج النفطي، وأن اقتصاد اليمن لن ينعم إلا إذا عاد تصدير وإنتاج النفط كما كان عليه.

إفلات من العقاب

وعند سؤاله عن حماية وملاحقة هذه العصابات التخريبية، تساءل: "هل تريد أن نترك الجبهات ونتحول إلى ملاحقة المخربين في أنابيب النفط؟ وهل نسحب الجيوش من الجبهات لملاحقة المخربين؟" مضيفًا أن هذا ما تريده المليشيات الحوثية، وفق تعبيره.

ويؤكد أن "هذه العصابات تحاول جر الجيش إلى ملاحقتها، وترك هدف تحرير البلاد من المليشيات الحوثية، مشيرا إلى أن هناك عصابات تريد إقلاق الأمن والسكينة في مأرب، وهذه الأعمال التخريبية كيدية".

تتنافى الحقائق التي وصلنا لها مع ما قاله الوكيل، حيث إن أنبوب النفط الجديد، والذي يعد بديلا لأنبوب صافر، قد بدأ العمل عليه منذ سنوات كما تثبت الصور، وكذلك تصريحات وزير النفط المستمرة بأن أنبوب النفط الجديد بات جاهزا للتصدير.

أنبوب الغاز المسال الممتد من مأرب إلى شبوة حيث يراهن الحراك على هذه الثروة (الجزيرة نت )
أنبوب النفط البديل من مأرب إلى شبوة أصبح جاهزا (الجزيرة)

وتعليقًا على ذلك، يقول الخبير النفطي والمالي عبد الواحد العوبلي "ما دامت سلطات مأرب غير مهتمة بحماية أنابيب النفط والشركة، فإنهم قد يكونون مهملين، والإهمال جريمة كبيرة، أو أنهم متورطون ولهم مصالح من تدمير الأنبوب، وهو السيناريو الأقرب".

وحسب الخبير النفطي، فإن مأرب تنتج الديزل ومشتقات نفطية أخرى، لكنها لا تتوفر إلا في الأسواق السوداء، مشيرا إلى أنهم إن لم يكونوا متورطين أو مشاركين في تلك العمليات، فهم على الأقل يتساهلون مع المخربين والمهربين، حسب تعبيره.

ويؤكد العوبلي أن هناك رغبة وتعمدا لإخراج الأنبوب عن الخدمة، وأنه فعليا قد أصبح "خارج الخدمة" بعد تعرضه لمئات الخروق، نتيجة الاعتداءات من أجل تهريب النفط الخام من داخله.

نهب النفط
التخريب المتعمد والمنهجي أخرج أنبوب نفط صافر عمليا من الخدمة (الجزيرة)

عدنا إلى شركة صافر، والتقينا هذه المرة "محمد علي" (الاسم هنا مستعار لمسؤول فضل عدم ذكر اسمه في التحقيق لاعتبارات أمنية) حيث أفاد بأن هناك عملية استغلال واضحة تتم من داخل شركة صافر أو القيادات العسكرية في الألوية المكلفة بحماية الأنبوب، وكذلك مشايخ القبائل التي تربطهم علاقات وثيقة بتلك الجهات، إضافة إلى العصابات المجهولة.

ويضيف أن هؤلاء يستغلون الوضع الذي تمر به البلاد، وعدم وجود الدولة المركزية لحماية وصيانة الأنبوب والرقابة على أعمال استخراج النفط وإعادة حقنه لتنفيذ مآربهم.

ما الأنبوب البديل؟

يمتد الأنبوب البديل من جنة هنت في عسيلان بشبوة إلى غرب منطقة عياد ومنطقة العلم جنوب شبوة بطول 84 كيلومترا، ليتم ربطه بالأنبوب الروسي القديم الذي بناه السوفيات في ثمانينيات القرن الماضي بطول 204 كيلومترات حتى ميناء رضوم، وبهذا ستتم إعادة التصدير من قطاع 18 في مأرب وقطاع جنة هنت وقطاع "إس1" (S1) إلى ميناء رضوم بدل رأس عيسى. وتتولى شركة "صينوب" الصينية بناء الأنبوب بإشراف شركة "أو إم في" (OMV) النمساوية، ولم يتم الانتهاء بعد من مده، وكان من المفترض أن يبدأ العمل بداية 2021.

تكاليف إصلاح عالية

حسب "محمد علي"، فإن تكاليف إصلاح الخرق الواحد تتراوح بين 25 و100 ألف دولار حسب نوع التخريب والمسافة التي ستتم تصفيتها من الأتربة والترسبات داخل الأنبوب.

من جهتها، تقدر وحدة صيانة الآبار والأنابيب بشركة صافر تكلفة إصلاح الخرق الواحد بـ20 ألف دولار، وقد تزيد أو تنقص حسب حجم الخرق. وحيث إن عدد الخروق وصل إلى 153، فإن تكلفة إصلاح جميع الخروق ستصل إلى 3 ملايين دولار (ما يعادل 2.7 مليار ريال يمني).

ويضاف إلى ذلك تكاليف تنظيف الأنبوب من الداخل، حيث إنه ممتلئ بالأتربة، واستبدال أجزاء منه تعرضت للصدأ والتآكل، وتعويض الأجزاء التي تم تدميرها، التي قد تصل تكلفتها إلى عشرات ملايين الدولارات.

أنبوب نفط تعرض للتفجير في شبوة تعرض لعمل تخريبي (الجزيرة نت)
تكلفة إنشاء أنبوب جديد ستتجاوز المليار، وستستغرق عدة أعوام (الجزيرة)

أما تكلفة بناء أنبوب جديد، فستكون أضعاف تكلفة إنشاء الأنبوب القديم عام 1987، التي بلغت مليار دولار، كما ستستمر عملية البناء نحو 6 سنوات على الأقل، وقد تدوم فترة أطول وفقا للصعوبات والمتغيرات السياسية والاقتصادية.

موقوفون دون قضايا

توجه معد التحقيق بعد ذلك للنيابة العامة في مأرب لمعرفة عدد المخربين الذين تم القبض عليها وإحالتهم إلى النيابة، والتقينا رئيس نيابة مأرب القاضي عارف المخلافي، الذي أكد لنا أنه حتى اللحظة لم تتم إحالة أي متهم بقضية الاعتداءات على أنبوب النفط لأسباب لا يعلمها أحد، حسب تعبيره.

يضيف المخلافي أنه ليس من اختصاص النيابة المطالبة بالمتهمين لإحالتهم إليها، وأن مهامها تنحصر في استقبال من تتم إحالتهم إليها فقط. وخلال بحثنا حصلنا على وثيقة تثبت أنه تم القبض على عدد من المخربين أثناء قيامهم بسرقة النفط الخام مع خزان كبير.

تمت تعبئة هذا الخزان بالنفط الخام من الأنبوب التابع لشركة "جنة هنت" في مأرب من قبل المخربين بتاريخ 16 ديسمبر/كانون الأول 2019، وقبض عليهم من قبل قائد القطاع، وأرسلوا إلى معسكر 107 في صافر مع خزانهم، ولكن الشركة تفاجأت بإطلاق سراحهم من دون تحويلهم إلى النيابة والقضاء لمحاسبتهم، وأشرف على إخراجهم قائد القطاع العسكري وفقا لوثيقة حصلنا عليها.

وثيقة تؤكد اطلاق سراح مهربي النفط (1)
وثيقة تؤكد إطلاق سراح مهربي النفط (الجزيرة)

وحسب رسالة حصل معد التحقيق عليها تم إرسالها من مدير شركة صافر السابق أحمد كليب إلى رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، قال فيها "إن هناك أعمال سرقة منظمة للنفط الخام، بإشراف من جهات أمنية في الشركة وذلك عبر أحد القادة الأمنيين المكلفين بحماية الشركة".

وفي الرسالة، أضاف كليب أن شركة صافر تتعرض لنهب منظم للنفط الخام من أشخاص يفترض أنهم يحمون الشركة. حاولنا التواصل مع اللواء 107 المكلف بحماية الأنبوب في حرم الشركة والمناطق المجاورة لها إلا أننا لم نتلق أي رد منهم حتى نشر هذا التحقيق.

ومع أن الرسالة التي بُعثت إلى الرئيس هادي كانت عام 2017 فما تزال عمليات التخريب لأنبوب النفط وشفط ما بداخله من نفط خام، وكذلك تهريب النفط من أنابيب شبكة الحقول والآبار؛ من دون تجاوب من رئاسة الجمهورية، أو السلطات المحلية والعسكرية في محافظة مأرب، لتستمر البرك السوداء من نفط اليمنيين الخام في قلب الصحراء اليمنية، في بلد يعيش سكانه أسوأ أزمة إنسانية.

*تم احتساب الأرقام على أساس أن قيمة البرميل الواحد من النفط تساوي 40 دولارا، في حين تم احتساب قيمة الدولار الواحد مقابل 800 ريال يمني بوصفه رقما ثابتا بين 2017 و2020 أثناء عملية الشفط من داخل الأنبوب بمناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وليس في مناطق سيطرة الحوثيين.

__________________

إشراف: أصيل سارية، زهير حمداني

المصدر : الجزيرة