إندبندنت: أسرار مثيرة جديدة لقصف إسرائيل المفاعل النووي العراقي

العراقيون لم يكونوا على دراية ببعض الإجراءات الوقائية التي يتبعها الفرنسيون في المفاعل

المفاعل النووي العراقي الذي قصفته إسرائيل عام 1981 (الفرنسية)

قبل 4 عقود تسلل سرب من الطائرات المقاتلة الإسرائيلية في مهمة سرّية فوق الأجواء السعودية، وانطلق لتدمير موقع مفاعل نووي عراقي كان يشرف على إنشائه مهندسون فرنسيون وإيطاليون بالقرب من العاصمة بغداد.

ويقول الكاتب بورزو داراغاهي -في تقرير نشرته صحيفة "الإندبندنت" (Independent) البريطانية- إن مؤيدي إسرائيل أشادوا حينذاك بالهجوم المفاجئ والجرأة الإسرائيلية، إذ أظهرت العملية كيف يمكن للتفوق العسكري أن يشكل أداة فعّالة للسيطرة على طموح العراق النووي.

ولكن مجموعة من الوثائق السرّية الأميركية -نشرتها منظمة في واشنطن أمس الاثنين- تشير إلى أن الطموح النووي العراقي تم احتواؤه سرًّا من قبل الأوروبيين الذين كانوا يبنون "مفاعل تموز" (أوزيراك) الذي تم قصفه. وتؤكد الوثائق أن هجوم السابع من يونيو/حزيران 1981 ربما شجع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على تكثيف جهوده للحصول على أسلحة الدمار الشامل.

وأضاف الكاتب أن الوثائق التي حصل عليها أرشيف الأمن القومي في واشنطن -من خلال قانون حرية المعلومات- تشمل برقيات البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية، التي تلخص أبرز التحركات الدبلوماسية والسياسية التي سبقت الهجوم، كذلك تظهر الوثائق محاولات المسؤولين الأميركيين للتعامل مع تداعيات الهجوم الإسرائيلي، الذي أسفر أيضا عن مقتل ما لا يقل عن 10 جنود عراقيين ومدني فرنسي.

وأوضح الكاتب أن الوثائق -التي تم استردادها ونشرها كجزء من مبادرة الدعوة إلى الشفافية التي استضافتها جامعة جورج واشنطن- تصدر في وقت تحاول فيه إسرائيل حشد الدعم الدولي في وجه البرنامج النووي الإيراني.

الوثيقة السرّية تكشف عن أن الفرنسيين كانوا يحيّدون سابقا أي يورانيوم مخصب يرسل إلى العراق (الفرنسية)

مفاعل سلمي

ولطالما أصرّت فرنسا على أن المفاعل النووي الذي كانت تبنيه في العراق لم يكن بالإمكان أن يتحول إلى منشأة لإنتاج مواد انشطارية وصنع قنبلة نووية، ولكن وثيقة شديدة الحساسية تكشف عن أن باريس ذهبت إلى أبعد من ذلك، وتتحدث عن اجتماع في باريس يوم 25 يوليو/تموز 1980 بين دبلوماسيين أميركيين ومسؤول فرنسي رفيع المستوى في مجال حظر الانتشار النووي -أصر على السرية المطلقة- حول شحنات اليورانيوم المتجهة إلى العراق. وقال المسؤول إن المواد تم تعديلها كيميائيا سرا لجعلها عديمة الفائدة في حال استخدامها لتطوير أسلحة نووية.

وتقول برقية وزارة الخارجية "لقد شدد على الاحتياطات التي اتخذوها، والتي سيتخذونها، لكنهم يجدون أنفسهم في مأزق؛ لأنهم غير قادرين على وصف بعض الاحتياطات التي يتخذونها، بالنظر إلى حقيقة أن العراقيين أنفسهم لم يكونوا على دراية ببعض الإجراءات الوقائية التي يتبعها الفرنسيون".

وجاء في الوثيقة أن الخطوة الرئيسية التي اتخذها الفرنسيون كانت القيام مسبقا بتحييد ونزع خطورة أي يورانيوم مخصب سيُرسل إلى العراق؛ مما يجعله "غير صالح للاستخدام في صناعة سلاح نووي".

وتضمنت الاحتياطات الأخرى الأقل إثارة للجدل السماح بدخول شحنة يورانيوم واحدة فقط إلى المفاعل في كل مرة، والحفاظ على الوجود الفرنسي داخله في جميع الأوقات، والتأكد من قيام التقنيين الفرنسيين بمراقبة اليورانيوم المخصب أثناء نقله.

لكن إحدى الوثائق التي اعتُبرت سرية تشير إلى وجود مخاوف من تنافس المتعاقدين الإيطاليين والفرنسيين لبيع أسلحة للعراق. كانت هناك مخاوف من أن تحاول إيطاليا على وجه الخصوص جعل أي اتفاق مغريا من خلال تضمين التكنولوجيا النووية المتقدمة كجزء من عروضها.

وبعد أيام من انطلاق الحرب بين العراق وإيران في سبتمبر/أيلول 1980، توغلت القوات المسلحة العراقية في موقع المفاعل، مما زاد المخاوف بشأن النوايا النهائية لبغداد. وطالبت برقية أرسلتها وزارة الخارجية الأميركية في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1980 إلى باريس بإجابات عما إذا كان المسؤولون الفرنسيون ما زالوا متواجدين في الموقع، وإذا كانت لديهم إمكانية الوصول إلى الوقود النووي هناك، بالإضافة إلى حالته. وتشير وثائق أخرى إلى مخاوف المسؤولين الأميركيين من أن العراق كان يجوب العالم بحثا عن مواد نووية حساسة.

UNDATED: (FILE PHOTO) Former U.S. President Ronald Reagan speaks at a rally for Senator Durenberger February 8, 1982. Reagan turns 92 on February 6, 2003.
ريغان رد بقسوة على الهجوم الإسرائيلي آنذاك وتعاون مع العراق لإدانته من الأمم المتحدة (غيتي)

فجوة في الوثائق

وفي 20 يناير/كانون الثاني 1981، تولت إدارة أميركية جديدة السلطة في عهد الرئيس رونالد ريغان، حيث كانت هناك فجوة في الوثائق تشير على الأغلب إلى أن الإدارة الجديدة فشلت في فهم مدى جديّة الأمر والمخاطر التي ينطوي عليها.

وبيّن الكاتب أن الوثائق تكشف عن مدى قلق المسؤولين الأميركيين في ذلك الوقت تجاه عملية البحث عن الأسلحة العراقية، فضلا عن احتمال تسبّب مهاجمة إسرائيل "لمفاعل تموز" في اندلاع حرب واسعة النطاق. في ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة تمثّل حَكَما محايدا بين إسرائيل والدول العربية أكثر مما هي عليه اليوم. وعبّر مسؤولون سعوديون للأميركيين عن غضبهم من استعمال إسرائيل أجواءها لدخول العراق، حيث كان الطيارون الإسرائيليون يرسلون الإشارات الكاذبة ليعتقد العراقيون أنهم أردنيون.

ووفقا لمحضر اجتماع انعقد بالبيت الأبيض قدّمه أرشيف الأمن القومي، صرّح مسؤول سعودي -لم يتم الكشف عن هويته- لنظيره الأميركي بأن "ذلك كان من أخطر المواقف التي واجهتها السعودية على الإطلاق؛ فهو يمثّل إهانة لها وللولايات المتحدة، ويضع السعوديين في موقف محرج تجاه الدول العربية الأخرى".

ووفقا لوثيقة مجلس الأمن القومي، طالبت واشنطن بإجابات من إسرائيل بشأن معلومات استخباراتية تلقّتها وتفيد بأن العمل في مجال الأسلحة ما زال قائما في "مفاعل تموز"، لكن إسرائيل لم تقدّم سوى أسوأ السيناريوهات الغامضة.

لم يتمكن المسؤولون الأميركيون من العثور على دليل يؤكّد مزاعم الإسرائيليين التي تفيد بوجود "مخبأ سري" تحت المفاعل كان سيستخدم في صناعة الأسلحة. كان رد ريغان على الهجوم قاسيا في البداية، حيث علّق بعض مبيعات الأسلحة لإسرائيل، وتعاون مع العراق لصياغة وثيقة إدانة من الأمم المتحدة، على عكس مسؤولين آخرين.

وفي مذكرة أعدّت للرئيس ريغان من قبل أحد المحافظين الجدد في البيت الأبيض -وهو دوغلاس فيث، الذي ظهر بعد 22 عاما كأحد المنظّمين الرئيسيين للغزو الأميركي للعراق عام 2003- ألقى باللوم على جيمي كارتر -سلف ريغان- في الأزمة، وحث الإدارة على عدم انتقاد رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن.

واضطر العراق -الذي وقّع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية- إلى فتح منشآته النووية لتخضع للتفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن الهجوم الإسرائيلي على المفاعل، إلى جانب الحرب القائمة في ذلك الوقت بين إيران والعراق؛ تسبّبا في إنهاء التعاون العراقي مع الشركات النووية الأوروبية وإيقاف المشروع.

وذكر الكاتب أنه وفقا لتقييم سري أجراه فرع المخابرات بوزارة الخارجية الأميركية، فقد تسبب الهجوم في عرقلة البرنامج النووي العراقي، مما أدى على الأغلب إلى أضرار بالغة، حيث توقّع التقرير بدقة محاولة العراق التي استمرت سنوات في التهرب من المفتشين وصناعة أسلحة الدمار الشامل.

وأفاد تقييم صدر في 17 أغسطس/آب 1981 بأن "القصف أدى إلى انتكاسة مؤقتة لبرنامج الأبحاث النووية العراقي، الذي كان يهدف إلى التركيز على الأسلحة، من خلال تقييد وصوله إلى المساعدات المادية والتكنولوجية. في المقابل، ربما جعلت الغارة العراق أكثر اهتماما بامتلاك أسلحة نووية في نهاية المطاف".

المصدر : إندبندنت