علي القاضي يستذكر حرب 1967: شعور الهزيمة بالنكسة أسقطته "سيف القدس"

ميرفت صادق فلسطين مدينة البيرة 4 حزيران 2021 الفلسطيني علي القاضي هُجر مع عائلته من قرية بيت نوبا في نكسة حزيران 1967
علي القاضي يعمل في بقالته منذ افتتحها بمدينة البيرة وسط الضفة الغربية بعد تهجيره من إحدى قرى اللطرون (الجزيرة)

على أبواب 90 من عمره، ما زال الفلسطيني علي القاضي يعمل في بقالته التي افتتحها بمدينة البيرة وسط الضفة الغربية، بعدما انتهى إليها لاجئا إثر طرده وأسرته من قرية بيت نوبا في حرب 5 يونيو/حزيران 1967 التي عرفت بـ"النكسة".

ولد علي عبد العزيز القاضي (أبو محمد) عام 1932 في بيت نوبا، وهي واحدة من 3 بلدات "بيت نوبا ويالو وعمواس" تُعرف بـ"قرى اللّطرون"، وتقع على طريق دير اللّطرون الرابط بين يافا والقدس المحتلة، دمّرتها إسرائيل وهجّرت نحو 10 آلاف فلسطيني منها في حرب حزيران عام 1967 للسيطرة على المنطقة كاملة.

قال القاضي إن منطقة اللطرون كانت خطًّا من القرى الفلسطينية التي لم يكن يسلكها اليهود، لكن في الخامس من يونيو/حزيران، بعد انسحاب القوة العربية المرابطة على أرضها ليلا، اقتحم الإسرائيليون قراها الثلاث وهاجموا المنازل وطردوا الأهالي.

وأضاف القاضي "وصلت قوة إسرائيلية إلى منزلنا غربي بيت نوبا، وأمرونا بالخروج فورا"، ونزح الأهالي بعد مقاومة خاضها أبناء القرية حتى استشهد عدد منهم. وقال الجنود الإسرائيليون للقاضي وأسرته "هيا اخرجوا إلى الحسين"، يقصدون طردهم إلى "الحسين ملك الأردن".

وعندما حاول بعض أبناء القرية طلب نجدة ما تبقى من القوات العربية، علموا أنهم تلقوا أوامر بالانسحاب، فتناوب قليل من الشبان لا يتجاوز عددهم 20 على حمل البنادق المتوفرة للدفاع عن البلدة، واستشهد في أثناء ذلك عبد الظاهر أحمد ولطفي محمود حساين وغيرهم.

مشى أبناء اللطرون إلى القرى المجاورة في منطقة رام الله وشمال غرب القدس، وقال القاضي "يوم الخامس من يونيو/حزيران حملت أطفالي الخمسة، وآخرهم توأمان بعمر 20 يوما وهربنا إلى قرية عين عريك القريبة"، وفعلوا ذلك بأمل الرجوع بعد أيام إلى قراهم وأراضيهم التي لم ينتهِ فيها حصاد القمح بعد.

عاد النازحون من أهالي قرى اللطرون بعد أيام في محاولة لدخول قراهم لكنهم علموا أن بيوتهم كلها فُخّخت وأنهم  سيعدمون ليلا جميعا، بعد أن سمعوا عن ابن القرية الستيني "محمد علي أبو بكر" الذي رفض مغادرة منزله مع أسر أخرى، وكان مصيرهم أن أُعدِموا أو دُمّرت منازلهم فوق رؤوسهم، وكان بين الشهداء 5 أطفال.

وعلى وقع تفجير بيوتهم وتدمير قراهم، نزح أهالي اللطرون الذين قارب عددهم 10 آلاف، إلى مناطق وسط الضفة الغربية ومحيط القدس، في حين توجّه عدد كبير منهم إلى الأردن.

ذكرى مختلفة

"كانت هزيمة مريرة"، يوضح علي القاضي "لأن الفلسطينيين كانوا ينتظرون من القوات العربية استعادة ما ضاع من فلسطين في النكبة عام 1948 لكنهم فقدوا ما تبقى من بلادهم وهربت الحاميات العربية أمام أعينهم دون أن تخوض حربا فعلية.. بل إنهم جردونا من السلاح أحيانا كي لا نقاوم".

لكن، لأول مرة منذ نزوحه عام 1967، يقول أبو محمد القاضي إنه لم يستعد شعور الهزيمة كما في كل ذكرى لأن "شعور الهزيمة أسقطته غزة هذه المرة عندما قالت مقاومتها نحن فداء للقدس والشيخ جراح".

وأضاف "بينما كنا ننتظر هزيمة أخرى بدخول المستوطنين حاملين أعلام إسرائيل إلى المسجد الأقصى، واجهتهم المقاومة بالصواريخ تنطلق نحو مستعمرات القدس".
" بعد هذا الانتصار"، يتابع القاضي "فهِم العالم أخيرا أن هناك وطنا اسمه فلسطين وفيه شعب مظلوم مقابل قوة احتلال ظالمة ومجرمة".

ويتوافق شعور ابن بيت نوبا المدمرة مع رأي البروفيسور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الذي كتب على صفحته بتويتر إن "الخامس من يونيو/حزيران كان ذكرى الهزيمة والانكسار أما اليوم فتأتي هذه الذكرى معطرة بانتصار المقاومة الفلسطينية لتمنحنا أملا جديدا في مستقبل أفضل"، وأضاف "المقاومة هي الحل".

ويقول الكاتب والشاعر الفلسطيني زكريا محمد إن الفلسطينيين في المعركة التي أسمتها المقاومة "سيف القدس" "انتصروا على ذاتهم. وأحيانا يكون أعظم الانتصارات هو الانتصار على الذات وعلى عفنها لأنه يكون بداية للانتصار الجدّي على العدو.. لقد طهرنا أرواحنا، وهذا ما يؤهلنا للانتصارات القادمة".

ويقول الكاتب والباحث في المركز العربي للدراسات والأبحاث محمود محارب، للجزيرة نت، إن ذكرى النكسة هذا العام تأتي بعد هبّة جماهيرية عمّت فلسطين التاريخية وتجاوزت الحدود التي أقامها الاحتلال بين الأراضي المحتلة عام 1948 وفي نكسة 1967.

وعبّرت هذه الهبة، حسب محارب، عن الرفض الفلسطيني لاستمرار الاحتلال والاستيطان وعن إرادة عملية للتحرر، كما "عبرت عن إخفاق سياسة إسرائيل في عزل فلسطينيي 48 عن باقي شعبهم، الذين انتفضوا بالآلاف ليقولوا إنهم جزء من نحو 7 ملايين فلسطيني لهم حقوقهم على كل أرض فلسطين التاريخية".

وباعتقاد محارب أيضا، فإن الهبة الفلسطينية الأخيرة وثبات المقاومة في غزة برهن على سقوط ما سمي "صفقة القرن" رغم التطبيع العربي مع إسرائيل، واتضح أن القضية الفلسطينية ستبقى حية وأساسية في المنطقة، ونجحت في استعادة الدعم الشعبي العربي وتصدّر قمة أعمال المجتمع الدولي.

ويقول محارب إن الانتصار الفلسطيني في ذكرى النكسة تحقق بإنجازات واقعية أهمها تأجيل أو وقف قرارات طرد الأسر الفلسطينية من بيوتها في القدس وإمكانية إلغائها مع استمرار الضغط الشعبي والسياسي، رغم استمرار الخطر الحقيقي بتكريس اقتحامات المستوطنين اليومية داخل المسجد الأقصى.

ويرى محارب أن المعركة الأخيرة كانت موجة من موجات النضال التي زادت ثقة الفلسطينيين بأن الانتفاض الجماهيري المتواصل الذي يؤثر في الرأي العام العالمي يفرض فلسطين قضية شعب يسعى للتحرر من الاحتلال ونبذ الهزيمة التي التصقت به منذ النكبة ثم النكسة لأن العالم، كما يقول، لم يعد يتضامن أو يساند الضحية الصامتة وإنما يقف مع المدافع عن حقوقه.

المصدر : الجزيرة