تنويع مصادر التسليح.. تحركات عراقية خجولة نحو المعسكر الشرقي وعين على واشنطن

التحركات باتجاه تنويع مصادر التسليح تبدو أكثر جدية هذه المرة ولاسيما مع ارتباطها بالتمثيل البرلماني الكبير للأحزاب الشيعية وأجنحتها العسكرية

Three Iraqi Air Force F-16
ثلاث طائرات عراقية من طراز F-16 (مواقع التواصل)

يتجه العراق للبحث عن تنويع مصادر التسليح وسط تصاعد تحديات المخاطر الأمنية والسياسية وتعثر ملف الطائرات الحربية الأميركية طراز "إف-16" (F-16)، في حين يؤكد مراقبون أن هناك ضغوطا سياسية تقوم بها بعض الكتل الشيعية لإحياء ملف شراء منظومة الصواريخ الروسية "إس-400" (S-400) للتعبير عن رفضهم للتعامل مع أميركا وبقائها في البلد.

إجلاء شركة لوكهيد مارتن الأميركية متعاقدين يعملون على صيانة مقاتلات "إف-16" بعد الهجمات المتكررة التي شنتها فصائل موالية لإيران على قاعدة بلد الجوية (شمال العاصمة العراقية) التي يعملون فيها، فتح مجددا الباب أمام المطالبات المستمرة بتوسيع آفاق التسليح نحو المعسكر الشرقي.

لكن الانقسام حول تلك الدعوات ما زال قائما بين عدم تجاوز أميركا واعتمادها مصدرا أبرز للتسليح وبين قوى سياسية تلوح دائما بمطلب التوجه نحو المعسكر الشرقي لتعويض ما يرافق التسليح الأميركي من معرقلات ومحددات تفرضها واشنطن، وهو ما يعرقل عقود التسليح في كل مرة.

رئيس لجنة الامن ووالدفاع النيابية محمد رضا ال حيدر المصدر الجزيرة
آل حيدر يرى أن عدد المقاتلات الأميركية إف-16 قليل بالقياس إلى حجم العمليات العسكرية ضد بقايا تنظيم الدولة (الجزيرة)

خطوة برلمانية

لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي سارعت وعقب حادثة انسحاب شركة لوكهيد مارتن إلى التأكيد على انطلاق تفاهمات مكتوبة مع فرنسا لاستيراد الطائرات والرادارات منها.

ويقول رئيس اللجنة النائب محمد رضا آل حيدر إن "العراق لديه طـائرات إف-16 متطورة لكنها قليلة العدد بالقياس إلى حجم العمليات التي ينفذها الجيش العراقي ضد بقايا تنظيم الدولة الإسلامية"، مبينا أن "العراق متجه حاليا إلى فرنسا بعد الاتفاق مع قنصلها في بغداد، وينتظر زيارة وشيكة من رئيسة لجنة الأمن والدفاع الفرنسية إلى بغداد يوم الأحد المقبل، وسيتم طرح هذا الموضوع، وهناك تفاهمات أولية مكتوبة تتضمن استيراد طائرات فرنسية مع تعزيز رادارات قيادة الدفاع الجوي وتعزيز قدراتها".

وأشار آل حيدر إلى أن "هناك توجها أيضا إلى المقاتلات الروسية مع الاستمرار بالتسليح الأميركي، والبحث عن زيادة التعاقد على طائرات إف-16 خاصة الموديلات المتطورة منها"، مشيرا إلى أن "شركة لوكهيد الأميركية غادرت لمدة 4 أشهر بسبب تعرض منتسبيها إلى قصف في قاعدة بلد الجوية، وحاول الضباط المهندسون والفنيون العراقيون صيانة طائرات إف-16، لكن الصيانة ليست بكفاءة الشركة الأم. لكن هل سيمر تسليح العراق مع دول مثل روسيا في ظل نفوذ الحليف الأميركي وقواعده الموجودة في العراق؟".

ايات المظفر
آيات المظفر: الحكومة تتعرض إلى ضغوطات من قوى سياسية للتعاقد على صفقات أسلحة مع دول معينة (الجزيرة)

صراع معسكرين

ووفق مراقبين فإن ورقة التسليح والتلويح بالتوجه إلى المعسكر الشرقي تدخل ضمن أوراق الصراع الإقليمي والسياسي الساعي للضغط على الوجود الأميركي في العراق، وهي نوايا قائمة منذ سنوات لدى القوى السياسية الشيعية وبالأخص القريبة من إيران في تحويل مصادر التسليح من المعسكر الغربي إلى المعسكر الشرقي، كما يؤكد الخبير الأمني عدنان الكعبي.

ويشير الكعبي إلى وجود صراع بين الرغبات تدفع باتجاه شراء منظومة الدفاع الجوي من روسيا أو التعاقد مع الصين لشراء طائرات أو مقاتلات أو صواريخ باليستية، لكن الجانب الأميركي والتحالف الدولي يخشيان من أن تقع هذه الأسلحة التي ستجلب من تلك التعاقدات في يد الفصائل الموالية لإيران وتستخدم ضدهم.

وتشير لجنة الدفاع إلى العزم على تسليح سلاح الجو العراقي ودعمه بمقاتلات فرنسية وروسية إلى جانب استمرار التسليح الأميركي وزيادة عدد طائراته.

في المقابل، ترى قوى سياسية ومنها ائتلاف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي أن تنويع مصادر التسليح لا ينصاع لمزاجيات وأهواء جهات سياسية فضلا عن المخاوف من تكرار فساد عقود التسليح السابقة، كما توضح المتحدثة باسم الائتلاف آيات المظفر، قائلة إن "هناك بعض الضغوطات التي تتبعها بعض القوى السياسية التي تربطها علاقات مع دول معينة، وهي لذلك تضغط على الحكومة من أجل التعاقد على صفقات أسلحة مع هذه الدول حصرا".

وألمحت آيات إلى ما رافق عقود تسليح سابقة جرت مع دول المعسكر الشرقي وانتهت بشبهات فساد وهدر للأموال دون مردود إيجابي على واقع القوات الأمنية وتسليحها، مشيرة في هذا الصدد إلى جانب مهم في المعادلة هو الفساد وأن هناك بعض المافيات مختصة بمراقبة تلك العقود وإبرامها وكذلك تعمل للضغط باتجاه بأن يكون هناك عقود لأسلحة يشوبها بعض جوانب الفساد.

تحسين الخفاجي
الخفاجي نفى وجود أي ضغوطات سياسية في صفقات السلاح (الجزيرة)

شبهات فساد

ووقّع العراق خلال ولايتي رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2008-2014) عقودا بقيمة 100 مليار دولار مع دول آسيوية وأوروبية شرقية شهدت تأشير شبهات فساد حولها، بينما يشكك مختصون عسكريون في صلاحية بعضها للخدمة، وانتهت أغلبها بمصير أوقفت فيه تلك الصفقات أو انتهت بشبهات فساد.

ومع تصاعد الصراع الإقليمي وتصاعد وتيرة استهداف الفصائل المسلحة الموالية لإيران للقواعد الأميركية في العراق، تتصاعد الدعوات السياسية الشيعية القريبة من الفصائل كتحالف الفتح بزعامة هادي العامري بضرورة الاستعانة في عمليات التسليح بالروس والصينيين وبدائل أخرى إلى جانب التسليح الأميركي.

ولم يصدر أي رد حكومي حول الأمر حتى الآن، لكن اللواء المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة والناطق السابق باسم وزرا ة الدفاع تحسين الخفاجي نفى وجود أي ضغوطات سياسية، مؤكدا أن محدودية التخصيصات المالية تؤدي إلى محدودية عقود التسليح.

وأشار الخفاجي إلى أن الظروف الحالية الصحية والاقتصادية الصعبة حدّت وستحد من إبرام تلك العقود خلال هذه الفترة، معتبرا أن المعطيات العسكرية والمهنية هي التي تحدد مصير هذه الصفقات وليس الضغوط.

دبابة T90 في احدى المعسكرات العراقية المصدر وزارة الدفاع
دبابة روسية في أحد المعسكرات العراقية ( الجزيرة)

وأكد أن العراق جلب سابقا طائرات "إم آي28" (Mi28) ودبابات "تي90" (T90) الروسية، واعتمد مصادر مختلفة في عملية التسليح، مشيرا إلى أن 38 طائرة إف-16 تم استيرادها من أميركا تحطمت منها طائرتان خلال التدريب، لكن المشكلة أن تلك الطائرات متطورة وتحتاج إلى توفير البنية التحتية والتدريب والصيانة، وهو ما كلف البلد 4 سنوات للتحضير وجلب الطائرات لكن خروج شركة "لوكهيد" تسبب بالتأثير على استخدامها.

التحركات باتجاه تنويع مصادر التسليح تبدو أكثر جدية هذه المرة ولاسيما مع ارتباطها بالتمثيل البرلماني الكبير للفصائل المسلحة وربما يتم المضي قدما في تنويع مصادر السلاح وتوقيع عقود فعلية مع المعسكر الشرقي في حال تصدرت الكتل السياسية الشيعية نتائج الانتخابات المقبلة.

المصدر : الجزيرة