هكذا تفرض مافيات الفساد سطوتها في العراق

حكومة الكاظمي أجرت تحقيقات مطولة للكشف عن قتلة المتظاهرين، إلا أنها لم تخرج بنتائج حقيقية حتى الآن.

قوات أمنية عراقية في انتشار سابق لها وسط بغداد (رويترز)

"نعيش اليوم في غابة مليئة بالرعب والفساد"، هكذا ابتدأ محمد العقابي الشاب العشريني حديثه عن الواقع الأمني في العراق، وقال إن معنى الحرية في البلد ليس حقيقيا ولا يستطيع المواطن العادي الحديث بأريحية حتى في الشارع خوفا من أذان العسس، حسب وصفه.

ويضيف العقابي "حتى أن العمل في الشركات الخاصة أصبح بتزكية من شخصيات متنفذة، بعد أن كان هذا الواقع محصورا في التعيينات الحكومية". وعند الاستفسار عن معنى شخصيات متنفذة، اكتفى بإشارة السلاح بيده"، ويشير إلى أن البطالة أسهمت في انخراط العديد من الشباب في العمل مع الجماعات المسلحة والحزبية بعد يأسهم من الحصول على تعيين حكومي أو العمل في القطاع الخاص.

الدكتور محمد العزي
العزي أكد أن قوانين حزب البعث المنحل ما زالت سارية وتستغلها بعض الأحزاب السياسية (الجزيرة)

تأثير على القضاء

يقول المحامي علي الموسوي إن نشاط الفصائل المسلحة في العراق ونفوذها في تزايد مستمر، حيث يتسلم مكتبه القانوني عشرات الدعاوى أسبوعيا بهذا الخصوص، مؤكدا أن مثل هذه الدعاوى لا تجد طريقها بسهولة في المحكمة نتيجة التدخلات الخارجية.

وصرح الرائد في وزارة الداخلية ع. س للجزيرة نت بأنه "تمنعنا الكثير من التدخلات من إداء عملنا، حيث تواجهنا جهات حزبية متنفذة لمنع اعتقال أحد أفرادها وبتهم مختلفة بين المخدرات وإشهار السلاح، وأحيانا تسحب أوامر الاعتقال من المسؤولين في القاطع الأمني، أو نعتقل المتهم ويفرج عنه قبل التحقيق بضغط القوى المسيطرة".

ويعتقد المحامي في وزارة العدل عمار اللامي أن القضاء العراقي بعيد عن الصراعات السياسية، وهو ملتزم بإحقاق العدل، مستدلا في كلامه على أحكام قضائية سابقة طالت العديد من المسؤولين.

ويقول المختص بدراسات العراق السياسية الدكتور محمد العزي إن إصلاح الوضع السياسي في العراق يحتاج مدة طويلة وإدخال قوانين جديدة تواكب التطور السياسي والقانوني، مشيرا إلى أن قوانين مجلس قيادة الثورة وحزب البعث المنحل لا تزال هي المعمول بها حاليًا، وتستغلها بعض الأحزاب السياسية رغم إقرارها في مجلس النواب للإفراج عن عناصرها بحجة عدم الاعتراف بقوانين النظام السابق.

المحامي علي الموسوي
الموسوي: تحدي العرف العشائري للقانون شائع وتصعب السيطرة عليه (الجزيرة)

المافيات العشائرية

وأشارت مصادر خاصة بقيادة عمليات بغداد إلى أن ازدياد الفصول العشائرية مرتبط بنفوذ هذه العشائر داخل أروقة الأحزاب المتنفذة، وهو أمر خرج من سيطرة الدولة، خاصة في ظل الأزمة السياسية الحالية.

ويقول المحامي علي الموسوي بهذا الخصوص إن تحدي العرف العشائري للقانون أمر مفروغ منه، وتستغل هذه العشائر نفوذ أبنائها في صفوف القوات الأمنية لبسط سيطرتها، مشيرًا إلى إن أسباب هذا النفوذ هو التراكمات السياسية للحكومات السابقة.

غير أن للدكتور العزي وجهة نظر أخرى حيث أفاد بأن العراق منذ بداية تأسيسه مدفوع بالتقاليد العشائرية، ولا غريب في محاولة بعض العشائر الحفاظ على سلامة أبنائها الذين قد يواجهون أحكامًا ظالمة نتيجة تأثيرات مختلفة على القضاء، متفقًا مع من يرون أن ضعف بعض القوانين هو السبب في هذه التدخلات.

ويؤكد الموسوي أن حل القضايا عشائريًّا يضعف مفهوم السلطة التشريعية، فليس من الضروري إحلال العدل في بعض الأعراف العشائرية، لذلك تنشب العديد من الصراعات المسلحة بين المتخاصمين في مناطقهم، مؤكدًا إن هذه الظاهرة واحدة من أسباب "السلاح المنفلت".

من جانبه، أشار العزي إلى أن هذا الموضوع حساس جدًّا، خاصة الحديث عن تقاليد لم تستطع الدولة منذ أيام الملكية السيطرة عليها، بل حاولت جميع الحكومات التقرب منهم تجنبًا للمشاكل.

وأشار إلى أن الدولة ندمت في الفترة الأخيرة، وحاولت إصلاح الأمر من خلال إطلاق عمليات عسكرية، كالوعد الصادق، لكن كبر كمية العتاد أفشل العملية خوفًا من انتقالها داخل أزقة المناطق السكنية. وأضاف "لا يمكن لوم الحكومات العراقية على تسليح العشائر التي استولت على المخازن الرئيسية للعتاد بعد الغزو الأميركي.

الحكومة أجرت تحقيقات مطولة للكشف عن قتلة الناشطين من دون نتائج حقيقية (الأناضول)

ناشطو المظاهرات

وكان العراق شهد في أكتوبر/تشرين الأول 2019 مظاهرات واسعة ضد حكومة عادل عبد المهدي في بغداد ومدن أخرى جنوبي البلاد؛ نتيجة الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية، رافقتها عمليات اغتيال لعدد من الناشطين، كالدكتور هشام الهاشمي والناشط أحمد عبد الصمد.

وأجرت حكومة مصطفى الكاظمي تحقيقات مطولة للكشف عن الجناة، كما يقول المحامي علي الموسوي ضمن تصريحاته التي خص بها الجزيرة نت، إلا أنها لم تخرج بنتائج حقيقية حتى الآن.

في حين أكد العزي أن الحكومة تسعى لإعادة الهدوء من خلال هذه التصريحات، معتبرا أن الإعلان عن نتائج التحقيقات سيعكر صفو الوضع الحالي، وقد يؤدي إلى انتكاسات خطيرة تفوق ما حصل في الاحتجاجات.

وأضاف أنه من الطبيعي أن تقوم بعض الأحزاب المتنفذة باتخاذ إجراءات بحق المتظاهرين، بغض النظر عن طبيعتها؛ حفاظًا على مصالحها السياسية، مستندا إلى ما حصل خلال الغزو الأميركي لفيتنام وتصفية الجماعات الموالية للصين في حكومة الفيتكونج للمعارضين السياسيين، حيث تستغل هذه الجهات الصراع الداخلي وانشغال الحكومة بمشاكلها السياسية لبسط نفوذها.

وأجمعت مصادر برلمانية وحكومية في تصريحات مختلفة على صعوبة تشريع قوانين الحد من انتشار السلاح المنفلت لارتباط ذلك بأجندات الأحزاب السياسية، وتعكس هذه التصريحات الواقع الفعلي في البلاد، كما يقول محمد العزي.

المصدر : الجزيرة