سائق بدرجة مهندس.. نهاية لحوادث القطارات بمصر أم بداية لأزمات جديدة؟

حوادث القطارات لا تتوقف في مصر (رويترز)

الاستعانة بالمهندسين لقيادة القطارات، هذه أحدث محاولات وزارة النقل في مصر لمواجهة حوادث القطارات المتكررة في الآونة الأخيرة، والتي أدت إلى قتلى وجرحى بالعشرات، وسط غضب شعبي ووعود حكومية بحل الأزمة.

ووقع آخر حادثين كبيرين في شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان الماضيين؛ لكن الفترة اللاحقة لم تخل من حوادث، وإن كانت صغيرة، كان آخرها أمس الأربعاء عندما تعطلت حركة القطارات قرب محطة مدينة بنها الواقعة على بعد نحو 60 كيلومترا شمال القاهرة، وذلك بسبب خروج عجلة أحد القطارات عن القضبان، قبل أن يتمكن السائق من إيقاف القطار والسيطرة على الموقف بدون وقوع إصابات.

وأول أمس الثلاثاء، تعطلت الحركة جزئيا بالقرب من سوهاج (أقصى جنوب مصر)؛ بسبب سقوط عربة أحد القطارات نتيجة تلف مفاجئ بإحدى عجلاتها أثناء السير، بدون وقوع إصابات بشرية.

ودفع تكرار الحوادث خبراء ومواطنين إلى التساؤل عما إذا كانت الخطوة، التي تحدث عنها وزير النقل، كامل الوزير، يمكن أن تنهي أو تقلل من حوادث القطارات، فضلا عن تساؤلات أخرى تتعلق بالفارق بين السائق والمهندس خريج الكليات الهندسية في هذا الأمر، وما مصير السائقين غير خريجي هذه الكليات؟ وهل يقبل خريجو كليات الهندسة التكنولوجية العمل كسائقي قطارات؟

وكان الوزير تحدث أواخر الشهر الماضي عن اعتزامه تعيين مهندسين من خريجي الكليات التكنولوجية، لقيادة قطارات السكك الحديدية، وذلك بعد التدريب واجتياز الدورات اللازمة، وهو ما اعتبره الإعلام المقرب من السلطة خطوة جادة لتقليل حوادث القطارات.

ونقل موقع "اليوم السابع" عن مصادر بهيئة السكك الحديدية مصر أنه تم الاتفاق خلال اجتماع للوزير مع قيادات الهيئة على تعيين 200 مهندس بشكل أولي للعمل سائقي قطارات، و250 مهندس تخصص كهرباء للعمل كمراقبي أبراج وتحكم مركزي بمسير القطارات.

دهشة السائقين

وفي سياق القرار، الذي أثار جدلا بين مؤيد ومعارض ومتساءل؛ أبدى محمد علي -سائق قطار يعمل بهيئة السكك الحديدية منذ 30 عاما- دهشته من تصريحات الوزير، قائلا إن السائق على السكك الحديدية يحتاج سنوات طويلة من العمل كي يكون مؤهلا لوظيفة سائق.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح محمد علي أن سائق القطار يصل إلى وظيفته بعد قضاء 10 سنوات في العمل كمساعد سائق أو ما يعرف باسم "عطشجي"، ثم 5 سنوات على الأقل كسائق قطارات تحمل بضائع فقط لا ركاب، ثم سائق تحت الطلب لمدة مماثلة.

وتساءل سائق القطار؛ هل سيقبل المهندس بكل هذه السنوات للتدريب؟ وهل سيبدأ سائقا أم مساعد سائق؟ وإذا عمل سائقا كيف سيقبل مساعد السائق، الذي قضى سنوات أن يصبح رئيسه شخص قدم للسكة الحديد من فترة قصيرة، وقد قضى هو كل هذه السنوات التي لا تقل عن 10 سنوات في هذه الوظيفة؟.

وأضاف أن هناك لوائح وتعليمات ومهارات تكتسب بمرور الوقت، ومعاناة السير على القضبان لسنوات كثيرة يحفظ خلالها السائق الطريق وظروف المزلقانات المختلفة، وأماكن التهدئة، والتعامل مع حالات طوارئ، مما لا يستطيع المهندس استيعابه إلا في سنوات مماثلة.

الوزير سبب الحوادث الأخيرة

من جهته، فقد حمل سائق قطار آخر -فضّل الاكتفاء بالرمز إلى اسمه بـ(م.م)- بشدة على قيادات وزارة النقل، وقال إن المشكلة الأكبر تكمن في وجود خلل في أسلوبهم معتبرا أن الحوادث الأخيرة كانت نتيجة تراكم سنوات من الإهمال للقطاع؛ ولكن تم تحميل كل ذلك للعامل البشري.

وفي حديثه للجزيرة نت، أشار السائق إلى أن حادثي سوهاج وطوخ الكبيرين تحديدا كانا نتيجة لتعليمات وزير النقل نفسه بفصل جهاز "إيه تي سي" (ATC) في محاولة منه لحل أزمة تأخر مواعيد القطارات، بعد أن أخبره السائقون أن التأخير يكون بسبب اتباع تعليمات الجهاز.

ويتحكم هذا الجهاز في مسير القطارات آليا، ويخفض سرعة القطارات ربما لـ8 كيلو مترات في الساعة في الملفات الأرضية، أو تعطل أجهزة الإشارات لأي سبب، وفي حال وجود عارض يوقف القطار آليا، وفي حال تشغيله لا يمكن حدوث تصادم قطارين؛ لأن الجهاز يوقف حركة القطار آليا.

وقد أشار الوزير على قيادات السائقين -خلال اجتماع- بضرورة فصل الجهاز وتسيير القطارات طبقا لخبراتهم بسرعات أكبر مع الحرص، وكانت نتيجته ما رأينا، حسبما قال السائق.

يذكر أن وزير النقل عاد وطلب عدم فصل أجهزة التحكم الآلي في القطارات، وذلك بعد تكرار الحوادث، وطالب المصريين بتحمل تأخر القطارات لفترة حتى يتم الانتهاء من إصلاح وتطوير السكك الحديدية والقطارات والمزلقانات.

أكباش فداء

كيف تلومون سائقا لم تزد مكافآته منذ 20 عاما للمسافة الكيلومترية عن 5 قروش (الجنيه 100 قرش والجنيه أقل من 16 دولارا)؟ هكذا قال ناظر إحدى محطات القطار للجزيرة نت، مطالبا بمراعاة ظروف السائقين، بدلا من جعلهم أكباش فداء لأخطاء القيادات الكبيرة.

وشرح ناظر المحطة، الذي فضل عدم ذكر اسمه، ماهية المكافآت الكيلومترية للسائقين، حيث تمنح هيئة السكك الحديدية للسائقين مكافآت إضافية على الراتب الأساسي قدرها 5 قروش عن كل كيلو متر يقطعه سائق القطار خلال رحلته.

وأضاف أن عدد رحلات القطارات اليومية في ربوع مصر تتخطى 2400 رحلة، متسائلا كيف سيغطي العدد الذي أعلنه الوزير (250 مهندسا) هذه الرحلات، أم كيف سيوزعهم على الرحلات لتفادي حوادث القطارات كما يعتقد؟

وأكد أن تصريحات الوزير ليست إلا نوعا من "الشو"، وتفتقد للمنطق، وربما تكون لتخفيف الضغوط عليه بعد مطالبات المواطنين بضرورة إقالته بسبب الحوادث الأخيرة، على حد قوله.

سخرية وترحيب المهندسين

على الطرف الآخر، أكد إيهاب عادل، الطالب بقسم هندسة قوة ميكانيكية بكلية الهندسة والتكنولوجيا جامعة حلوان، أن تصريحات وزير النقل خلقت حالة من الجدل بين زملائه بالكلية، حيث سخر البعض من فكرة عمله كسائق قطارات.

وقال بعضهم هل أتفوق في دراستي بالثانوية العامة وأدخل إحدى كليات القمة، كي أعمل في النهاية سائقا لقطار مثلي مثل خريجي المدارس الثانوية الفنية، وربما مثل آخرين لم يحصلوا على مؤهل دراسي؟، حسبما قال عادل للجزيرة نت.

وأوضح أن بعض زملائه رأى في تلك الخطوة فتح باب عمل يوسع من اختيارات خريجي كليات الهندسة، خاصة إذا قامت الهيئة بتقدير الخريجين ماديا ومعنويا عند التعيين.

ويعتقد عادل أن تصريحات الوزير تعتبر فرصة لخريجي كليات التكنولوجيا المختلفة وكليات التعليم الصناعي نظام 5 سنوات، حيث لن يستنكف الخريجون العمل كسائقي قطارات، وذلك على العكس من خريجي كليات الهندسة.

حوادث واتهامات

وشهدت مصر مؤخرا عدة حوادث كارثية للقطارات راح ضحيتها عشرات القتلى، ومئات المصابين، أشهرها حادث سوهاج، الذي شهد تصادم قطارين أحدهما كان متوقفا نهاية مارس/آذار الماضي، وبعده بأيام حادث قطار طوخ، الذي خرج عن القضبان في أبريل/نيسان الماضي مخلفا قتلى ومصابين.

وقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بغضب عارم للمصريين طالبوا خلالها بضرورة إقالة وزير النقل، الذي فشل في إدارة وزارة النقل على حد قولهم؛ لكن الوزير ألقى المسؤولية كلها على السائقين وبعض العمال بالسكك الحديدية.

وتحدث الوزير أمام البرلمان عن وجود موظفين في هيئة السكك الحديدية من جماعة الإخوان المسلمين، متهما إياهم بالتسبب في عرقلة العمل، وطالب بتشريعات تتيح له فصل المنتمين للجماعة، ما جلب له فاصلا من النقد والسخرية على مواقع التواصل.

وعرض النائب والصحفي المقرب من الأجهزة الأمنية، قائمة بأسماء موظفين في الهيئة قال إنهم ينتمون للإخوان ولحركات إثارية، وفق الوصف الأمني الوارد في القائمة، وهو المصطلح المستخدم أمنيا في وصف النشطاء السياسيين وأعضاء الحركات الشبابية والثورية.

وقبل 4 أيام، وافقت اللجنة التشريعية بمجلس النواب من حيث المبدأ على قانون يتيح للحكومة فصل الموظفين المنتمين لجماعة الإخوان.

المصدر : الجزيرة