6 أسئلة لفهم المفاوضات النووية في فيينا

تُجمع معظم الأطراف المشاركة على أن المفاوضات حققت بعض التقدم لكنه غير كاف، وقد تباينت نسبيا تقييمات الجولة الثالثة بين من نزع نحو التفاؤل وبين من كان للحذر والتوجس أقرب.

Iran Nuclear Talks Continue In Vienna
المفاوضات النووية استؤنفت في فيينا بعد تصعيد إيراني بزيادة تخصيب اليورانيوم (غيتي)

يعود المتفاوضون بشأن النووي الإيراني إلى طاولة المفاوضات في فيينا في جولة رابعة دون أن يكون بالإمكان التكهن بشكل قطعي بنتيجتها، فالجولة الثالثة انتهت على وقع تقييمات اختلط فيها التفاؤل بالتوجس والحذر، ولكل أسبابه.

في هذا المقال نلخّص مسار هذه المفاوضات، وما حققته من نتائج وما تواجهه من صعوبات وأسباب التفاؤل والتوجس التي تحيط بها.

  • علام يتم التفاوض؟

في عام 2015 تم التوصل إلى اتفاق بشأن النووي الإيراني بين إيران والدول الكبرى، وتم توقيعه من قبل كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا وإيران.

ويقضي هذا الاتفاق بإخضاع برنامج إيران النووي لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بغية ضمان سلميته، والحيلولة دون تحويله إلى برنامج عسكري يسمح بصناعة قنبلة نووية، وتضمنت أهم بنود هذا الاتفاق؛ التزام إيران بعدم تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تتجاوز 3.67% لمدة 15 عاما، وألا يتجاوز مخزونها من اليورانيوم خلال هذه المدة 300 كيلوغرام فقط، وأن يتم التخصيب فقط في مفاعل نطنز وليس في مفاعل فوردو الذي بني تحت الأرض والمحصن ضد الهجمات، وأن تفتح مفاعلاتها النووية للتفتيش الفجائي لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

JCPOA Iran Nuclear Talks Resume In Vienna
مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية ورئيس الوفد الايراني المفاوض عباس عراقجي يصل لمقر المحادثات (غيتي)

وفي مقابل ذلك، تُرفع العقوبات الأميركية والأوروبية على إيران، مع تعهد من قبل واشنطن والاتحاد الأوروبي بعدم فرض أي عقوبات جديدة.

مع وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرئاسة، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية، وأعادت فرض العقوبات على إيران، بل وأضافت عقوبات جديدة تتعلق بالصواريخ الباليستية وبنشاط إيران في الشرق الأوسط وبحقوق الإنسان وبالإرهاب. وعادت الأزمة إلى مربعها الأول.

إيران لم تخرج من الاتفاق لكنها قررت التنصل تدريجيا من التزاماتها في الاتفاق من خلال خطوات متدرجة بالتصعيد وصلت في يناير/كانون الثاني 2021 إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 20٪؜ عوضا عن 3.67% التي ينص عليها الاتفاق، وزادت النسبة عقب تعرض مفاعل نطنز لعملية تفجير إلى 60%.

تداعت الدول الأخرى في الاتفاق وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي؛ لمحاولة "إنقاذ" الاتفاق النووي بدون جدوى. وكان على الجميع انتظار الانتخابات الأميركية ومغادرة دونالد ترامب الرئاسة لتبدأ المحاولات الجدية لإنقاذ هذا الاتفاق، ومن ثم استؤنفت محادثات فيينا على أسس جديدة هذه المرة.

  • أين وصلت المفاوضات؟

تُجمع معظم الأطراف المشاركة على أن المفاوضات حققت بعض التقدم، لكنه غير كاف، وقد تباينت نسبيا تقييمات الجولة الثالثة بين من نزع نحو التفاؤل وبين من كان للحذر والتوجس أقرب.

واشنطن اعتبرت أن المفاوضات توجد في "مكان غير واضح"، بينما لخّصت مصادر أوروبية الوضع بالقول "إن الاتفاق غير مضمون لكنه غير مستحيل".

أما الموقف الروسي فقد جاء ممسكا بالعصا من الوسط من خلال عبارة "التفاؤل الحذر" الأثيرة لدى المندوب الروسي ميخائيل أوليانوف. بينما جاء التقييم الإيراني وفيا لموقف يجمع التفاؤل بالوعيد، حيث أوضح كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي أنه تم التوافق على رفع بعض العقوبات "القطاعية" المتعلقة بالموانئ والبنوك والتجارة الدولية والنفط وأخرى متعلقة ببعض الشخصيات والهيئات، لكنه أكد أن الخلافات ما زالت مستمرة، ملخصا الموقف الإيراني بالقول "إذا تمت الاستجابة لمطالبنا سنتوصل إلى اتفاق وإلا فلا اتفاق".

Meeting of the JCPOA Joint Commission, in Vienna
الممثل الدائم لروسيا ميخائيل أوليانوف بعد حضوره جلسة اجتماع خطة العمل الشاملة المشتركة للمحادثات (رويترز)
  • ما هي أهم نقاط التقدم الذي تحقق؟

باستجلاء مختلف المواقف السائدة عن الأطراف كلها يمكن تلخيص التقدم الحاصل في النقاط التالية:

  1. توافقت كل الأطراف المعنية بالاتفاق النووي على دفن تركة الإدارة الأميركية السابقة وعلى ضرورة إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، مع اختلاف في التفاصيل.
  2. تشكيل 3 لجان من الخبراء تشتغل على القضايا التفصيلية، وهي لجنة العقوبات ومهمتها دراسة العقوبات الأميركية التي يجب رفعها، ولجنة القضايا النووية ومهمتها دراسة الالتزامات النووية لكل طرف، ولجنة القضايا التنفيذية وتركز ضمن عملها على قضايا التحقق من التزام كل طرف بتعهداته، لأن طهران تقول إن تجربتها السابقة تجعلها لا تثق بالتزامات الإدارة الأميركية وتطالب بإجراءات للتحقق من التزاماتها.
  3. بدء لجنتي رفع العقوبات والقضايا النووية في صياغة المسودات الأولية للاتفاق النهائي المحتمل.
  4. توافق أولي على رفع العقوبات المتعلقة بالعقوبات النووية (لكن دون غيرها) التي أعاد دونالد ترامب فرضها.

  • ما هي نقاط الخلاف الرئيسية؟

تتمثل نقاط الخلاف الرئيسية في مسألة العقوبات الأميركية التي يجب رفعها، والالتزامات الإيرانية التي تقابلها، ناهيك عن قضايا أخرى تريد الولايات المتحدة إدراجها ضمن نص الاتفاق النهائي تتعلق بالنشاط الصاروخي الإيراني، وقضايا حقوق الإنسان.

العقوبات الأميركية؛ يتضمن العرض الأميركي الذي نقله الروس إلى الإيرانيين 3 قوائم من العقوبات؛ قائمة عقوبات لا يمانع الأميركيون في رفعها وهي تلك المرتبطة بالاتفاق النووي، وقائمة عقوبات تريد الولايات المتحدة الإبقاء عليها وهي المرتبطة بقضايا أخرى مثل الصواريخ الباليستية الإيرانية أو نفوذ إيران في الشرق الأوسط الذي يوصف غربيا بأنه مزعزع للاستقرار في المنطقة، وقائمة ثالثة تخضع للتفاوض تريد الإدارة الأميركية تعليقها وليس رفعها مع تحديث القرار كل 3 أو 6 أشهر.

هذا العرض لم يرق للإيرانيين الذين يلخصون موقفهم بالمعادلة التالية؛ رفع كل العقوبات التي أعاد الرئيس السابق دونالد ترامب فرضها عقب الانسحاب من الاتفاق النووي دون أي تجزيء أو تقسيط مقابل عودة طهران للالتزام بالاتفاق كاملا.

Iran nuclear deal talks continue in Vienna
وانغ كون (الثاني من اليسار) مبعوث الصين إلى محادثات فيينا بعد مشاركته في إحدى الجلسات (الأناضول)

أما قضية "الخطوة الأولى"، فتمثل هذه عنصر تعقيد آخر في هذه المفاوضات، وهي ترتبط بالجواب عن هذا السؤال؛ من عليه أن يبدأ بالخطوة الأولى؟

إيران ترفع شعار "من أشعل الأزمة عليه أن ينهيها ومن خرج أولا يعود أولا"، أما الولايات المتحدة -ومعها الأوربيون- فتقول إن خطوات إيران التصعيدية لا تساعد على تحقيق تقدم ويطالبونها بخطوات "في الاتجاه الصحيح"، على حد وصفهم.

الصينيون والروس من جانبهم يتبنون الموقف الإيراني، فالمندوب الصيني اعتبر أن الأمر يتعلق بـ "المنطق" على حد وصفه، وقال إن الأزمة النووية الإيرانية الحالية سببها الحكومة الأميرية السابقة التي انسحبت من جانب واحد من خطة العمل الشاملة المشتركة، ومارست ضغوطا شديدة على إيران، لذلك يجب على الولايات المتحدة أولا إزالة جميع العقوبات غير القانونية أحادية الجانب على إيران والأطراف الثالثة.

والمندوب الروسي لم يختلف موقفه، إذ دعا الولايات المتحدة إلى إجراءات تساعد على تخفيف الاحتقان من قبيل الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة من مبيعاتها من النفط في عدد من الدول مثل كوريا الجنوبية واليابان وغيرها.

قضايا خلافية أخرى؛ تريد الولايات المتحدة إدراجها في أي اتفاق جديد وترفض إيران أي حديث بشأنها، وهي المتعلقة بالصواريخ الباليستية ونفوذ طهران وقضايا حقوق الإنسان. وكبير المفاوضين الايرانيين عباس عراقجي رفع ما يمكن وصفها باللاءات الثلاث في وجه هذه المفاوضات؛ لا للحل المؤقت الذي يقضي بتعليق العقوبات عوض رفعها بالكامل، لا لمبدأ الخطوة بالخطوة الذي يقضي بالتدرج؛ خطوة من إيران مقابل خطوة من الولايات المتحدة، لا لخلط الملفات؛ أي فتح الملف النووي الإيراني على قضايا أخرى تفرض بسببها الولايات المتحدة عقوبات على إيران.

  • ما هي أسباب للتفاؤل؟

بين التقدم الذي تحقق والصعوبات التي تواجه هذه المفاوضات يمكن إيجاد أسباب للتفاؤل وأخرى للحذر والتوجس.
ويمكن تلخيص أسباب التفاؤل في النقاط التالية:

-رغبة كل الأطراف في التوصل إلى اتفاق، ولكل سببه؛ فالإيرانيون أرهقتهم العقوبات الأميركية التي تمسك بشريان الاقتصاد الإيراني وهم يرغبون في التوصل إلى اتفاق في أقرب وقت، وحبذا لو تم ذلك بالنسبة للرئاسة والحكومة الإيرانيتين قبل الانتخابات المقبلة لأن ذلك سيصب في رصيد الإصلاحيين.

والأميركيون على عهد الإدارة الجديدة مقتنعون بأن الاتفاق مع إيران خير من عدمه، ففي زمن الديمقراطيين تم توقيع الاتفاق عام 2015، وهم مقتنعون إلى جانب الأوربيين أن الطريقة الأمثل لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي تتمثل في اتفاق يخضع إيران للمراقبة الدولية، خاصة أن التقديرات تقول إنه في غياب اتفاق فإن إيران سيكون بإمكانها التوصل إلى صناعة القنبلة الذرية في مدة تتراوح بين عام و3 أعوام.

هذا ناهيك عن أن غياب الاتفاق قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي في الخليج (نتذكر مساعي السعودية في هذا الاتجاه)، والاضطراب مستمر في منطقة جيوسياسية مهمة لبقية العالم.

-غياب البديل عن الاتفاق النووي؛ حيث تدرك كل الأطراف أنه لا يوجد بديل عن الاتفاق، فسياسة "الضغوط القصوى" التي مارسها دونالد ترامب على إيران فشلت في تحقيق نتيجة كبيرة عدا إنهاك الاقتصاد الإيراني الذي يبدو رغم ذلك قادرا على التحمل وإيجاد منافذ خارج الرقابة الأميركية، ثم إن فشل المفاوضات يعني تلقائيا أن إيران ستتنصل من بقية التزاماتها، وقد بدأت بالفعل بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% وهي نسبة غير بعيدة عن تلك التي تسمح لها بصناعة سلاح نووي وهي 90%.

وكلما اقتربت إيران من نسبة 90% كلما ارتفع احتمال نشوب حرب في المنطقة، لأن امتلاك السلاح النووي يمثل خطا أحمر بالنسبة لكل الدول الغربية وإسرائيل.

-اختلاط حسابات السياسة والاقتصاد؛ فكثيرون يتطلعون لما بعد توقيع الاتفاق، الأوربيون والروس والصينيون. وإن رفع العقوبات الأميركية يعني أن سوقا كبيرة ستفتح أبوابها في طهران وسيستفيد منها أكثر أولئك الذين دعموا موقف طهران في السنوات العصيبة.

Iran Nuclear Talks Continue In Vienna
العقوبات الأميركية تمثل أحد نقاط الخلاف الرئيسية في المفاوضات (غيتي)
  • ما هي أسباب التوجس؟

لكن أسباب التفاؤل هذه لا تجعل التوصل إلى اتفاق مضمونا أبدا، بل ولا تجعله على مرمى بصر، وهذا موقف تُجمع عليه الأطراف كلها، فأسباب التوجس والحذر كثيرة، والمخاض يبدو عسيرا وهو لم يسفر بعد عن شكل مولوده.

  1. تشابك الملف وتعقيده: العقوبات الأميركية المفروضة على إيران تتشكل من نحو 1600 عقوبة، تشمل قطاعات وهيئات وأشخاص وبعضها مرتبط بموضوع السلاح النووي، فيما البعض الآخر متعلق بقضايا النفوذ والتسلح وغيرها. ووفقا لمصادر دبلوماسية فإن إدارة الرئيس دونالد ترامب عندما أعادت فرض العقوبات تعمدت إضافة عقوبات جديدة غير مرتبطة بالاتفاق النووي وخلطت بين كثير من العقوبات لتعقد مهمة العودة للاتفاق في حال عاد الديمقراطيون إلى الرئاسة.
  2. انعدام الثقة بين الولايات المتحدة وإيران: علاوة على الصراع المستحكم بين البلدين، فإن تجربة الاتفاق السابق تدفع إيران إلى التوجس من الموقف الأميركي بغض النظر عما يصلها من رسائل غير مباشرة منه. وهي في ذلك تطرح سؤالا؛ ماذا لو غيرت الإدارة الأميركية موقفها بعد توقيع الاتفاق؟ أو ماذا لو جاءت إدارة أخرى ونقضت ما اتفقت عليه هذه الإدارة؟ ولذلك تطالب إيران بالضمانات أو ما يشبه "الشروط الجزائية" في حال عدم الالتزام بالاتفاق. وهناك خلاف كبير على هذا المستوى. في المقابل تصنف الإدارة الأميركية إيران ضمن لائحة الدول غير الموثوقة؛ لذلك وإن كانت تريد أن تتوصل إلى اتفاق معها فهي ترغب في أن يضمن هذا الاتفاق تضييق الخناق أشد ما يمكن على طهران.
  3. الحسابات الداخلية لدى كل طرف: ثمة جمهوريون نافذون في الولايات المتحدة لا يريدون لهذا الاتفاق أن يرى النور. ويعتبرونه تنازلا لإيران سيساعدها على المضي قدما في تعزيز نفوذها في المنطقة. وثمة محافظون في إيران لا يريدون لهذا الاتفاق أن يصل إلى منتهاه، لأنه يتضمن بالنسبة لهم تنازلات كبيرة، وإذا أخذنا السياق الانتخابي بعين الاعتبار فإن الاستقطاب يزيد حدة. فبعض المحافظين يرون ان التوصل إلى اتفاق قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 يونيو/حزيران المقبل إنما يصب -من الناحية الانتخابية- في مصلحة الإصلاحيين.
  4. حسابات أطراف خارجية لا تزيد لهذا الاتفاق أن ينجح: والمقصود بها إسرائيل وبعض الدول العربية، وإذا كانت مخاوف بعض دول الخليج ليست هي التي ستملي على الإدارة الأميركية توجهاتها فإن الأمر مختلف بشأن إسرائيل التي ترفض هذا الاتفاق وترغب -إذا كان الأمر ضروريا- في اتفاق جديد يشمل كل قضايا التسلح والنفوذ والمجموعات المسلحة المرتبطة بإيران وغيرها، والأميركيون لم يستجيبوا للمطالب الإسرائيلية بشكل كلي، لكن التأثير الإسرائيلي واضح في إبطاء دوران عجلة المفاوضات وربما عرقلتها.

في المجمل، يمكن استعارة مقولة مصادر أوروبية "الاتفاق ليس مستحيلا لكنه ليس مضمونا".

المصدر : الجزيرة