تداعيات اعتقال قائد في الحشد وتجدد الاحتجاجات بالعراق.. هل يواجه الكاظمي مصير عبدالمهدي؟

محللون يشبهون ما يحدث الآن بسيناريو استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي تحت ضغوط احتجاجات عام 2019

الجيش العراقي نشر قواته في شوارع بغداد ردا على استعراض الحشد قوته بمحيط المنطقة الخضراء (الأناضول)

أحداث لافتة متسارعة شهدها العراق على مدار اليومين الماضيين، أبرزها تجدّد الاحتجاجات الشعبية وسط العاصمة بغداد واعتقال قائد عمليات الحشد الشعبي في الأنبار قاسم مصلح تبعه انتشار مسلح لعناصر الحشد بمحيط المنطقة الخضراء وسط بغداد، رد عليه الجيش العراقي بنشر دبابات ومدرعات لتأمين العاصمة العراقية.

ويثير كل ذلك التساؤل، هل ما يحدث هو فعلاً سيناريو معدّ للإطاحة برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي؟ وهل هناك أي تشابه بين ما يحدث الآن وسيناريو استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي تحت ضغوط احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول عام 2019؟

المحلل السياسي علي البيدر الجزيرة 1
البيدر يرى أن هناك عدة جهات تسعى لشيطنة الكاظمي وإسقاطه شعبيا وسياسيا (الجزيرة)

مواجهة الحشد

اعتقال مصلح بمذكرة قبض قضائية وفق المادة الرابعة من قانون الإرهاب العراقي بناء على شكاوى بحقه، وضع الكاظمي في مواجهة مباشرة مع الحشد، حيث ذكرت أنباء أن قوات من الحشد الشعبي حاصرت الأربعاء لبعض الوقت منزل رئيس الوزراء ومواقع أخرى في المنطقة الخضراء وسط العاصمة، حيث توجد منازل مسؤولين ومقار المؤسسات الحكومية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية، ليأتي رد القوات العراقية بنشرها دبابات ومدرعات في بعض شوارع بغداد، وشوهدت تعزيزات عسكرية كبيرة في محيط المنطقة الخضراء.

وعلق الكاظمي على هذه الأحداث بالقول إن التحركات التي قامت بها مجموعات مسلحة في بغداد تعد انتهاكا خطيرا، ليس فقط للنظام والقانون، بل وللدستور العراقي.

ويواجه الكاظمي سيناريو لشيطنته وإسقاطه شعبيا وسياسيا تعدّه أكثر من جهة مسلحة لجعله خارج الحسابات في الدورة الانتخابية المقبلة -حسب المحلل السياسي علي البيدر- ويعزو السبب في ذلك إلى اختلاف الرؤى بالإضافة إلى رغبة الكاظمي لتحجيم دور هذه الجماعات وتقويض إمكانياتها، إذ تستغل أبسط المناسبات للتعامل معه بطريقة حادة.

ويرى البيدر أن خطوات الكاظمي الأخيرة لا تنسجم مع مصالح بعض الأطراف والجماعات المسلحة المؤثرة في الساحة العراقية وتؤثر على مصالحها الحالية والمستقبلية، وهذا ما دفعها إلى استخدام كافة قدراتها لحرق ورقته سياسيا وجماهيريا، بالإضافة إلى المستويين الدولي والإقليمي.

وبالرغم من أن البيدر ينحاز إلى الكاظمي في مواجهته للفصائل المسلحة، فإنه ينتقده بشدة لاختياره شخصية مثل أحمد أبو رغيف لرئاسة مكافحة الفساد كونه عمل في مؤسسات الدولة بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وشهدت تلك الفترة شبهات فساد كبيرة، ويدعوه إلى إعادة النظر بذلك واختيار شخصية بديلة، ولا سيما أن اللجنة تتعامل بانتقائية وتراجعت عن ملاحقة حيتان الفساد الكبيرة.

والأحداث الأخيرة وما سبقتها جعلت الكاظمي في حيرة من أمره، فهو يريد الإصلاح ويسعى لمكافحة الفساد والقضاء على الإرهاب إلا أنه لا يستطيع تنفيذ ذلك لوجود العديد من المعرقلات التي تُحجم خطواته، وهذا ما جعله محرجا للغاية وفي عداد الخاسرين وأحرقت ورقته شعبيا، كما يقول البيدر للجزيرة نت.

اعتقال مصلح أحدث زلزالا أمنيا في بغداد (مواقع التواصل)

تدخلات أميركية بريطانية

إلا أن المحلل السياسي هاشم الكندي يخالف البيدر ويرى أن ما حدث خلال اليومين الماضيين لا يطابق مع ما حدث مع عبدالمهدي بل ما جرى جاء لتثبيت الكاظمي في حكومة الطوارئ بتخطيط تشترك فيه بعض الأطراف القريبة من رئيس الحكومة، قاصدا بذلك على وجه الخصوص مجموعة من مستشاريه.

ويرى الكندي أيضا أن هذا الأمر يصب في رغبة ومصلحة بعض الكتل السياسية التي تريد أن تبقى لفترةٍ أطول مع تأجيل الانتخابات، ويعزو السبب في ذلك لانتفاعها من حكومة الطوارئ التي يُديرها الكاظمي وهي من تدير رئيس الحكومة.

وتعقيبا على اعتقال القيادي في الحشد الشعبي قاسم مصلح، يقول الكندي إن الولايات المتحدة وبريطانيا سعتا وما زالتا تسعيان بشتى الطرق لإطلاق التهم ضد الحشد وقياداته لعزله وإبعاده، وقد أعلنت واشنطن أكثر من مرة رغبتها في تذويب الحشد وإبعاده كليا من المشهد العراقي.

واستغلت أميركا المظاهرات واستهداف الناشطين ووجدت فيهما فرصة لتنفيذ أهدافها ليتزامن ذلك كله مع حادثة "اختطاف" أو اعتقال مصلح كما يقول الكندي، والذي يعدّه من أبرز المعرقلين لمخططات أميركا في الأنبار ونشطا في محاربة الإرهاب، بالإضافة إلى رفضه أكثر من مرة دخول القافلات الأميركية إلى المدينة.

والأحداث الأخيرة تأتي -حسب حديث الكندي للجزيرة نت- ضمن مخطط لإدامة حكومة الكاظمي من خلال ما يسمى بـ"حكومة الطوارئ" وهي ترتقي مع مصالح بعض الأطراف السياسية وما تُخطط له السفارتان الأميركية والبريطانية في البلاد.

الصحفي سوران علي الجزيرة 2
علي: الكاظمي قادر على إدارة الأزمة مهما كانت الضغوط (الجزيرة)

استعراض عضلات

في المقابل، يعد الصحفي سوران علي ما شهدته العاصمة بغداد ومدن أخرى من توتر أمني جراء اعتقال قيادي في الحشد حلقة من سلسلة طويلة ستتكرر كلما اقترب موعد الانتخابات المبكرة، ويشير إلى أن الهدف من الاستعراضات العسكرية للحشد في العاصمة هو ممارسة المزيد من الضغط على الكاظمي والتعبير عن رفض سياسته.

ويرى أن مثل هذه الأحداث ستشكل ضغطا إضافيا على الكاظمي وإن كان قد أعلن عدم مشاركته في الانتخابات، إلا أنها لن تثنيه عن المضي في الطريق الذي أوضحه مرارًا وتكرارًا بأنه يمثل مرحلة انتقالية إلى حكومة منتخبة في عملية ديمقراطية بعيدة عن التزوير وبإشراف دولي، مضيفا أن الكاظمي قادر على إدارة الأزمة على أحسن وجه بحكم خبرته السابقة في سلك الاستخبارات ومقبوليته لدى معظم الأطراف السياسية الشيعية منها قبل السنية والكردية.

ويتوقع علي في حديثه للجزيرة نت أن يزيد نجاح الكاظمي في هذا التحدي ويمنحه فرص إعادة انتخابه لولاية ثانية كونه الشخصية الأبرز المتفق عليها في الوقت الحالي، ولا تريد الأطراف السياسية خصوصًا الشيعية الخوض مجددًا في معركة تنافسية لاختيار شخصية أخرى ربما تزيد الخلافات بينها بدلا من إنهائها.

الصحفي محمد الخفاجي الجزيرة
الخفاجي اعتبر أن الكاظمي لم يعالج الأسباب التي خرج المحتجون من أجلها (الجزيرة)

من جانبه، يلتقي الصحفي محمد الخفاجي مع البيدر عند زاوية وجود تحركات لبعض الأحزاب المعارضة للإطاحة بالكاظمي ومنع التجديد له بعد الانتخابات، لكنه يرى في الوقت ذاته أن التقارب الأخير بين الكاظمي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أثار تساؤلات جمة، أبرزها إعطاء الضوء الأخضر لتكليف الكاظمي مرة أخرى بتشكيل الحكومة، والعدول عن قرار تقديم مرشح من التيار الصدري لرئاسة الوزراء، مما أدى تخوف من قبل بعض القوى السياسية.

ولا يرى الخفاجي أيّ اختلاف بين المظاهرات الجديدة واحتجاجات عام 2019، ويعزو السبب في ذلك إلى أن الكاظمي لم يعالج الأسباب التي خرج المحتجون من أجلها، وأبرزها السلاح المنفلت ومحاسبة قوى اللا دولة، مستشهدا بحادثة مقتل وإصابة العشرات في المظاهرات التي خرجت الثلاثاء للاحتجاج على اغتيال منسق الاحتجاجات في كربلاء إيهاب الوزني.

الناشط د. ليث حسين الجزيرة 2
حسين نفى وجود أي سيناريو للإطاحة بالكاظمي (الجزيرة)

من القاتل؟

لكن رئيس اتحاد طلبة بغداد والناشط في ساحات الاحتجاج الدكتور ليث حسين يخالف البيدر والخفاجي وينفي وجود أي سيناريو للإطاحة بالكاظمي، ويقول إذا كانت احتجاجات 2019 قد عرّت السلطات فإن الاحتجاجات الجديدة قد قبّحتها.

ويضيف أن حالات القتل والإصابات التي وقعت في المظاهرات الأخيرة أثبتت أن القاتل هو السلطة، مشبها الأمر بحكومة عبدالمهدي التي كانت سمتها الرئيسية أنها عاجزة عن حماية المحتجين.

ولا تستهدف الاحتجاجات الأخيرة رأس الحكومة حصرا، وإنما رئاسات الجمهورية والوزراء والبرلمان المكونة للنظام السياسي العاجز والرافض لإحداث أي تغيير داخل كيان النظام نفسه، وهذا ما يؤكد أن الكاظمي لم يكُ هو المستهدف، وإنما من أجل إنهاء حالات إفلات قتلة المتظاهرين من العقاب.

ويخلص حسين إلى أنه بات واضحا أن القاتل يكون أحيانا في السلطة وأحيانا أُخر في ميليشات تدعى أنها جزء من السلطة وتستخدم سلاح الدولة لتهديد الدولة نفسها وكذلك المواطنين.

ويشدّد في ختام حديثه على ضرورة إجراء تغيير جذري شامل في العملية السياسية، أبرز ما فيه إجراء تعديلات دستورية وإجراء الانتخابات في ظل أجواء آمنة ونزيهة، توفر العدالة في المنافسة الانتخابية.

المصدر : الجزيرة