أحد المراسلين بث تقريره من داخل دبابة.. هكذا تعامل الإعلام الإسرائيلي مع العدوان على غزة

إعلام يعمل بشرعنة الاغتيالات وفق قاعدة "من يريد قتلك اقتله" وغيرها..

بدا واضحا خلال أيام العدوان على غزة، حجم "التجند" من مختلف الوسائل الإعلامية الإسرائيلية، المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية، خلف الجيش والحكومة.

وقد وصل الأمر بالبعض من المراسلين إلى بث تقاريره من داخل دبابة، ولم يعد سهلا التفريق بين "المراسل" العسكري و"الناطق" العسكري.

وشملت تأثيرات العدوان على غزة مختلف الجوانب داخل المجتمع الإسرائيلي، السياسية والعسكرية والإعلامية، عبر اصطفاف منقطع النظير خلف المؤسستين العسكرية والسياسية، وغاب فيها الخيط الأبيض عن الخيط الأسود.

ما منطلقات الإعلام الإسرائيلي في تغطية العدوان؟

نظر الإعلام الإسرائيلي للعدوان على غزة من منظار الأمن، واكتفى بما تمليه عليه الحكومة والأمن والجيش من معلومات، مستخدما التضليل، بانتهاج مبادئ أساسية في تغطيته الإخبارية، أهمها:

1- تجاهل انتهاك المستوطنين للمقدسات الإسلامية في القدس والمسجد الأقصى.

2- حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هي المعتدية، وإسرائيل معتدى عليها، والفلسطينيون بدؤوا الحرب، والإسرائيليون يدافعون عن أنفسهم، الجيش يقوم بـ"رد فعل" على "العنف" الفلسطيني، مما يوفر سببا للهجوم عليهم.

3- التزام أسلوب التكرار بنقل خبر معين، حتى تغرس الفكرة في نفوس المتلقين، مثل خبر محاولة اغتيال محمد الضيف عشرات المرات، ومهاجمة "مترو حماس" من الأنفاق.

4- إغراق شبكات التواصل والمدونات وساعات البث المباشر بمشاركة دبلوماسيين ومجموعات ضغط، بسلسلة من "الرسائل" المعدة مسبقا، لتبرير العدوان الإسرائيلي على غزة.

هل أغفل الإعلام الإسرائيلي معاناة الفلسطينيين خلال الحرب؟

دأب الإعلام الإسرائيلي على تكرار "صور نمطية" خلال أيام العدوان الـ11، كي تستقر في ذهن المشاهد، والتأكيد على "معاناة اليهود" من هطول صواريخ غزة، وكأنها هي المشكلة، دون التركيز على معاناة المدنيين في غزة من القصف الإسرائيلي.

وظهر ذلك بإعطاء معالجة مطولة بالصور والفيديوهات للإسرائيليين الخائفين من صواريخ المقاومة، وتأثيرها عليهم، أما معاناة الفلسطينيين، فتم التقليل من قدرها لتصبح مجرد أرقام يتم تبريرها باعتبارها "أضرارا جانبية".

كيف قاتل الإعلام الإسرائيلي لتسويق روايته في الغرب؟

استغل الإعلام الإسرائيلي إطلاق الصواريخ من قبل حماس لتبرير شن العدوان على غزة، كي تحظى بتعاطف الغرب، وحرصت ماكينة الدعاية الإسرائيلية على الظهور بكل مكان، وتوفير الناطقين المتحدثين بالإنجليزية، وشمل ذلك إنكار الحقائق، وإلقاء اللوم على الفلسطينيين، بزعم "أننا لم نفعل هذا، هم جعلونا نفعله".

أين تركز دور الرقابة العسكرية في الأداء الإعلامي الإسرائيلي؟

شكلت الرقابة العسكرية الإسرائيلية حلقة مهمة في ضبط العلاقة بين السلطة والإعلام خلال العدوان على غزة، لإملاء المواقف الأمنية والعسكرية، مما جعل الضباط يتحكمون بأدائها، فارضا نفسه بقوة عليها، بداعي المصلحة الأمنية.

وشهدت الحرب على غزة العديد من النماذج التي اعتبرتها الرقابة العسكرية أسرارا لا يمكن للصحافة التعاطي معها، ومنها قصف المبنى الذي يضم قناة الجزيرة في غزة، وحجم الخسائر البشرية الإسرائيلية، وأماكن سقوط صواريخ المقاومة، فضلا عن التراجع الفوري عن خبر العملية البرية خشية جلب ضغوط دولية.

ليس ذلك فحسب، بل إن الإعلام الإسرائيلي طولب خلال فترة الحرب بعدم بث بعض الأخبار والأحداث بحجة أنها مواد دعائية معادية، مثل خطابات زعماء المقاومة، خاصة "أبو عبيدة" الناطق باسم كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحماس)، لأن هدفها بث الخوف واليأس بين الإسرائيليين، ولأنهم غير معنيين بأن يصل هذا "الملثم" في المساء إلى صالون بيوتهم عبر شاشة التلفاز، بعد أن "زارهم" ظهرا في شوارع سديروت!

 ما "قاموس المصطلحات" الحربية في الإعلام الإسرائيلي؟

اعتمد الإعلام الإسرائيلي خلال العدوان على غزة مصطلحات أصبحت جزءًا من قاموسه اليومي، منها:

1- المخربون والإرهابيون، بدلا من الفدائيين والمقاومين.

2- الفلسطينيون، بدلا من الشعب الفلسطيني.

3- العمليات الوقائية، بدلا من التوغل والاقتحام.

4- المواطنون بدلا من المستوطنين، والبلدات بدلا من المستوطنات.

5- أعمال هندسية، بدلا من تجريف الأراضي الزراعية.

6- خطوات أمنية، بدلا من عمليات انتقام وعقاب.

7- عمليات إحباط موضعية، بدلا من تصفية واغتيال.

هل أسهم الإعلام الإسرائيلي في استمرار العدوان على غزة؟

مارس الإعلام الإسرائيلي دورا تحريضيا على الفلسطينيين بغزة، باعتماده تغطية خاصة تضم معظم صفحات الصحف اليومية، وغالبية ساعات البث التلفزيونية، مع صور للدماء والقتلى والمصابين، للإسرائيليين طبعا، وليس للفلسطينيين.

وغصت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالمقالات والتحليلات التي حثت الحكومة والجيش على بذل المزيد من الجهود لمواصلة حرب غزة، وتم النظر للمقاومة، وتحديدا حماس، على أنها "فيروس قاتل" يحتاج لعلاج مكثف وعنيف، وضرورة التوجه لحل جذري مهما كان مكلفا ودمويا، كالعملية الجراحية التي مهما بلغت خطورتها فلا بد منها، في إشارة واضحة لتنفيذ العملية البرية التي خشي الجيش من الذهاب إليها.

وأضحى المراسلون الإسرائيليون يتنافسون فيما بينهم لإظهار عدائهم للشعب الفلسطيني، ويتجاهلون في تقاريرهم الحديث عن الآثار الإنسانية للقصف الإسرائيلي لغزة، "ولو تعلق الأمر ببعضهم لأطلقت إسرائيل صواريخ برؤوس نووية على غزة وجباليا"، لأنهم مثلوا دورا تحريضيا، وبدا انعطافهم واضحا نحو اليمين، وخلقوا إعلاما متعطشا للدماء لا مثيل له.

لماذا لجأ الإعلام الإسرائيلي لترويج الأكاذيب خلال حرب غزة؟

اعتمد الإعلام الإسرائيلي طوال أيام العدوان على غزة على الكذب والدس والتضليل والتحريف، بما في ذلك تشويه الحقيقة، واختلاق كذبة لتصبح حقيقة بعد تكرارها، وهو أسلوب يؤكد أن "القاتل" لم يجد ملجأ يسوغ ممارساته إلا بالافتراء على "الضحية"، باتهامها أنها سبب الجريمة التي استحقتها.

ومن الأساليب التي انتهجها الإعلام الإسرائيلي لتسويق الأكاذيب وترويجها:

1- استخدام صيغة المبني للمجهول، كما في كلمة "قتل" لإبقاء الفاعل مجهولا، وتقليل مسؤولية الجيش.

2-  اختلاق أكذوبة التوازن الخاطئ، بين المحتل والشعب الواقع تحت الاحتلال، القاتل والمقتول، بين ضدين لا يلتقيان إلا في إطار جدلية الصراع، ومقارعة بعضهما للآخر.

3- تصوير الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين على أنهم "تروس دفاعية حية" بأيدي المقاومة، لأنها كانت على الدوام تجند الأطفال لساحة المعركة.

كيف دافع الإعلام الإسرائيلي عن اغتيالات الفلسطينيين؟

بعد شروع الاحتلال في سياسة اغتيال قيادات المقاومة خلال العدوان على غزة، تكفل الإعلام الإسرائيلي بمهمة تسويغ هذه السياسة وشرعنتها، عبر عدة مراحل:

1 – انتقاء مصطلحات ذات وقع أخف من كلمة الاغتيال، كالقتل المستهدف، الدفاع الإيجابي، التصفية الموضعية، ضربات مختارة، إحباط ناجح.

2 – شرعنة الاغتيالات وفق قاعدة "من يريد قتلك اقتله"، لأن القياديين الفلسطينيين الذين تمت تصفيتهم مسؤولون عن مقتل عشرات الإسرائيليين، ويخططون لعمليات أخرى.

3 ‌- فور الإعلان عن اغتيال ناشط فلسطيني، يتم إلصاق جميع التهم الملفقة المعهودة، مما يشير إلى أن قوائم التهم معدة سلفا، وهذا الإعلام بانتظار الضحية الجديدة ليس إلا!

4 ‌- التهويل من قوة الأمن الإسرائيلي بتنفيذ الاغتيالات، فلجأ الإعلام الإسرائيلي للحرب النفسية المبرمجة، وبات حديث المراسلين عن الاغتيالات، كأنها واحدة من "بطولات" الجيش، وقدرته على الوصول لكل مطلوب.

أين غابت الرواية الفلسطينية في الإعلام الإسرائيلي؟

أثارت متابعة الإعلام الإسرائيلي منذ بداية العدوان على غزة علامات عديدة حول مهنية ومصداقية مراسليه ومحرريه، ليس فقط بما يقولونه، بل بما لا يقولونه، وانتهج بتغطيته للعدوان أسلوبا لترويج الموقف الرسمي، وقامت روايته على النحو التالي:

1- عدم إحضار متحدثين فلسطينيين في البرامج الحوارية، بل إحضار إسرائيليين يتحدثون مع بعضهم بعضا، ويكيلون التهم للفلسطينيين دون أن يدافع عنهم أحد.

2- عدم استخدام المصادر الفلسطينية بصورة عادلة، باستخدام كلمة "يدعي أو يزعم" عند ذكر الفلسطينيين.

3- مصدر المعلومات التي تغطي أحداث العدوان من تزويد الحكومة، ومكتب رئيسها، والناطق العسكري، مما يدفع الإعلاميين الإسرائيليين لقبول خطاب الأمن "حصرا" لفهم أحداث الحرب.

4- عدم نقل معاناة أبناء غزة في أيام الحرب، فمليونا إنسان محاصرون عزلوا تماما عن العالم، لا يستدعي دقائق معدودة من ساعات البث الحربية!

5- اعتبار الضحايا الفلسطينيين "أرقاما"، فرغم زيادة عدد الشهداء على 230 فلسطينيا وأكثر من ألفي جريح، معظمهم من الأطفال، فإن الإعلام الإسرائيلي اكتفى بنشر أعدادهم، دون ذكر أسمائهم وأعمارهم وظروف استشهادهم.

6- تجاهل بث الصور المؤثرة لعمليات انتشال الأطفال من تحت الأنقاض في غزة، وتركيز الصور على مسلحين فلسطينيين يتقدمون الجنازات!

المصدر : الجزيرة