ذاكرة النكبة.. شاب يوثق بالصور مئات القرى الفلسطينية المهجّرة
أحصى معطان قرابة 535 قرية مهجرة جرّاء العمليات العسكرية الصهيونية إبّان النكبة الفلسطينية، وقام بتصوير ما تبقى من مبانيها العتيقة كالبيوت والمدارس والمساجد التي تتهالك مع الزمن.
أخذ التواصل مع الشاب الفلسطيني محمود معطان وقتا طويلا، فقد تبين أنه كان محتجزا لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي بسبب دخوله مدينة القدس المحتلة دون تصريح خاص بذلك، لتصوير المسجد الأقصى في أواخر شهر رمضان، في بدايات الهبة الشعبية الفلسطينية المستمرة.
يعمل معطان (35 عاما) -الذي يسكن قرية بُرقة شرق محافظة رام الله والبيرة وسط الضفة الغربية- بشكل رئيس في التجارة، ويصف نفسه بأنه مصور هاوٍ، يقوم بتصوير المناطق الفلسطينية المختلفة منذ أكثر من 12 عاما، وهذه الهواية أتاحت له مراسلة عدد من المجلات الخليجية، وتنظيم معارض صور في دول عربية.
صور لمعظم قرى فلسطين
التحق معطان بنشطاء ينظمون مسارات سياحية للتعرف على المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة منذ قرابة 6 سنوات، قبل أن تتطور الفكرة لديه قبل 3 سنوات، ويتمكن من الوصول إلى القرى المهجرة عام 1948، ليقوم بتوثيقها بالصور الثابتة والفيديو، وهو يمتلك اليوم صورا لقرابة 75% من القرى والمدن الفلسطينية موثقة في أرشيفه الخاص، كما أكد لنا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsتهجير حِمصة.. تطبيق فعلي لخطة الضم وتفريغ لأهم سهول فلسطين
أنقذ تاريخ وذاكرة القدس العقارية.. الرحاحلة يرحل بصمت عن 93 عاما
منها طرق المياه بين مدينتي أريحا والقدس.. الفلسطينيون يسعون لتثبيت فلسطينية مواقعهم التاريخية والأثرية
أحصى معطان قرابة 535 قرية مهجرة جرّاء العمليات العسكرية الصهيونية إبّان النكبة الفلسطينية خلال 20 شهرا (بين ديسمبر/كانون الأول 1947- ويوليو/تموز 1949)، وقام بتوثيق قرابة 60 منها حتى الآن، من خلال تصوير ما تبقى من مبانيها العتيقة كالبيوت والمدارس والمساجد التي تتهالك مع الزمن، فضلا عن تصويره لكل المدن الفلسطينية الرئيسية في الداخل المحتل.
يقول معطان للجزيرة نت إن المتابع لآخر التطورات في فلسطين يجد كيف يهاجم الاحتلال كل شيء فلسطيني، وكان يمنع هدم البيوت القديمة، ولكنه يمنع كذلك ترميمها، ويتركها للزمن حتى تنهار وحدها، وما يقوم به من تصوير لهذه المباني هو من أجل المساعدة في معرفة تاريخ المنطقة إذا ما مسح كل شيء فيها، وحتى تتم معرفة التغيرات التي حصلت للمناطق الفلسطينية المهجّرة زمن الاحتلال.
زار معطان قبل التطورات الأخيرة في فلسطين قرية "البروة" التابعة لمدينة عكا، وهي مسقط رأس الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وكان قد زارها قبل سنوات، وقد كان فيها أكثر من مبنى، ولكن في آخر زيارة لم يتبقَّ إلا مبنى مدرسة القرية الذي بدأ بالانهيار، ويرى أن معالم القرية ستُمحى بعد عدة سنوات.
دون تصريح
لا يملك معطان تصريح دخول إلى الداخل المحتل، ولأن أخواله من القدس فإنه يعرف طرق الدخول إلى المدينة من الضفة الغربية المحاطة بالجدران الإسمنتية والأسلاك الشائكة، وقد اعتقل عدة مرات من قبل الاحتلال الإسرائيلي بين اعتقال إداري (بلا تهمة) وبين احتجاز وتحقيق، كما تعرّض أرشيفه للمصادرة بعد دهم منزله وتفتيشه، من خلال مصادرة أجهزة حاسوب يملكها، وذاكرات إلكترونية، وهواتف نقالة.
خسر معطان من أرشيفه الكثير جراء هذه المصادرات التي كان آخرها نهاية شهر رمضان، عندما تم اعتقاله في القدس وتكسير هاتفه ومصادرة كاميرته وحاسوبه، ومنعه من دخول المدينة لشهر وتغريمه 5 آلاف شيكل (حوالي 1500 دولار أميركي). لكنه رغم كل ذلك عاد إلى القدس المحتلة مرة أخرى، وصلى صلاة العيد في المسجد، وحاول توثيق الاعتداءات الأخيرة من جنود الاحتلال على المصلين.
مليون صورة للأقصى
ولأنه يدخل القدس منذ صغره، كان مولعا بتصوير كل شيء فيها، يقول معطان للجزيرة نت إنه كان يمتلك كاميرات قديمة (من نوعيّ: بكسل-1 وبكسل-2) منذ عام 2006، وصوّر كل شيء في القدس منذ ذلك الوقت، حتى أنه صوّر حجارة وتفاصيل صغيرة في المسجد الأقصى وفي البلدة القديمة، بأكثر من مليون صورة.
يرى معطان أن ما يقوم به هو لإظهار فلسطين الجميلة، وليس صورة الحرب والدمار والاحتلال فحسب، رغم استمرار الاحتلال بتخريب كل صور فلسطين المميزة، ويريد من صوره إظهار المناطق الطبيعية والمناظر الخلابة والتنوع الجغرافي الذي يجتذب كثيرا من سياح العالم لزيارته والتمتع به، فكيف إذا كان هذا الجمال للفلسطينيين أصلا، وأنهم أخرِجوا منه بالقوة، لذا لا بد من توثيقه بالصور والفيديو حتى لا يتحجج الاحتلال أنه لم يكن في فلسطين شعب يعمر ويزرع.