النووي الإيراني.. حسابات واشنطن تعقّد مهمة المفاوضين الأميركيين في فيينا

بعض المسؤولين والخبراء يرون أن على واشنطن الإسراع بإعلان العودة للاتفاق النووي قبل إجراء الانتخابات العامة بإيران في يونيو/حزيران المقبل، على أن تترك تفاصيل الخلافات للمفاوضات اللاحقة.

بايدن وإدارته تلقوا رسائل من أعضاء بالكونغرس من الحزبين تحذر من التساهل في التعامل مع إيران (الأوروبية)

يمثل اجتماع فيينا الخطوة الأكثر تقدما لفريق التفاوض الأميركي بشأن ملف الاتفاق النووي مع إيران، إذ يشارك مع نظرائه الأوروبيين والروس والصينيين في بحث الخطوات التي يمكن للولايات المتحدة اتخاذها لتحقيق "عودة متبادلة" للاتفاق من قبل واشنطن وطهران.

ومن المرجح أن يجري الاجتماع في ظل تدقيق ومراجعة صارمة من مجلسي الكونغرس للموقف الأميركي رغم تمتع الديمقراطيين بالأغلبية في المجلسين.

وخلال الأسابيع الماضية، وجه العشرات من أعضاء مجلس الشيوخ، ومئات من أعضاء مجلس النواب من الحزبين، رسائل للرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، عبروا فيها عن تحفظاتهم بشأن موقف الإدارة الأميركية تجاه ملف التفاوض مع إيران، وكرروا مخاوفهم من التساهل في التعامل معها.

ورغم عدم الإعلان عن لقاءات بين المفاوضين الأميركيين ونظرائهم الإيرانيين وجها لوجه، تبدي الإدارة الأميركية استعدادا لعقد مباحثات مباشرة مع الجانب الإيراني، لكن طهران ترفض هذه الخطوة ما لم يرفع جزء كبير من العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عقب انسحابها من الاتفاق النووي منتصف عام 2018.

ويهدف الاجتماع -الذي يعقد في فيينا غدا الثلاثاء- إلى وضع خريطة طريق للخطوات التي يمكن أن يتخذها الجانبان لإعادتهما إلى الامتثال للاتفاق، بما في ذلك تحديد "رفع العقوبات وتدابير تتعلق ببرنامج إيران النووي" وفقا لبيان صدر يوم الجمعة الماضي عن الصين وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وروسيا وإيران.

وتُعقد حسابات واشنطن الداخلية، إضافة للضغوط التي تقوم بها أطراف خارجية، من مهمة فريق التفاوض الأميركي في الملف الإيراني، خاصة بشأن رفع العقوبات.

تعقيدات رفع العقوبات

وقالت جالينا بورتر، نائبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية إن بلادها لن تعرض رفع عقوبات محددة، ولكنها مستعدة لمناقشة خطوات تخفيف العقوبات.

وصرحت خلال إفادة صحفية الجمعة، قائلة "سنتحدث عن الخطوات التي يتعين على إيران اتخاذها من أجل العودة للامتثال لشروط خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) ولن نتحدث عن رفع عقوبات بعينها، لكننا سنقول بالتأكيد إننا منفتحون لمناقشة خطوات تخفيف العقوبات التي سيتعين على الولايات المتحدة اتخاذها من أجل العودة إلى الاتفاق".

من جهة أخرى، حذرت نيكي هيلي، السفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة، من تنازلات متوقعة من إدارة بايدن للإيرانيين، وقالت في تغريدة على تويتر "ليس صعبا أن نرى أين يتجه هذا: إلى كارثة. تدرك إيران أن إدارة بايدن يائسة للعودة إلى صفقة جيدة لإيران وسيئة لأميركا".

أما آرون ديفيد ميلر، المسؤول السابق بالخارجية، فيرى أن على الرئيس بايدن حساب مخاطر عدم العودة للاتفاق النووي مقابل مخاطر إغضاب حلفائه داخل الكونغرس.

وقال في تغريدة "سيحتاج بايدن إلى إجراء حساب المخاطر التالي. ما الأكثر ضررا، التوتر الداخلي المتوقع بسبب عودة واشنطن للاتفاق النووي، أم خطر الانجراف والتدهور والصراع في المنطقة بعدم الانضمام".

وأقر ميلر في تغريدة ثانية بقوة المعارضة داخل الولايات المتحدة لرفع العقوبات من أجل العودة للاتفاق النووي، وذكر أنه "لا يوجد دعم داخلي لمعاودة الانضمام للاتفاق، وهناك مقامرة كبيرة في هذه العودة للاتفاق. ولا يزال هناك تصور عام يرى أن الاتفاق النووي كان شديد السوء، خاصة مع استمرار القلق من دعم إيران للحوثيين، ودعمها لحزب الله، وقصف المليشيات العراقية للقواعد الأميركية وقمعها للمعارضة الداخلية، ويضاعف هذا كله من العداء لها داخل الولايات المتحدة".

وفي حديث مع الجزيرة نت، اعتبر جودت بهجت، البروفيسور في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني الأميركية، التابعة لوزارة الدفاع، أن الطرفين في طريقهما للتوصل إلى إحياء الاتفاق النووي.

وقال بهجت "هناك ضغوط هائلة من الجمهوريين والديمقراطيين، وكذلك من إسرائيل والسعودية والإمارات على إدارة بايدن لعدم تقديم أي تنازلات، بل يطالبون باستخدام العقوبات التي فرضها ترامب كوسيلة ضغط".

معضلة الفريق الأميركي

وأشار البروفيسور إلى أن "الفريق الأميركي المفاوض المشرف على الملف الإيراني يرفض أغلبه، إن لم يكن كله، انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. ومع ذلك، فإن إدارة بايدن لديها أولويات داخلية ذات أهمية كبيرة مثل مكافحة فيروس كوفيد-19 وتحقيق انتعاش اقتصادي، وقضايا خارجية تتعلق بالعلاقات المعقدة مع الصين وروسيا".

ويرى -في المقابل- أن موقف الجانب الإيراني واضح، فهم يرون أن بلادهم قد احترمت الاتفاق النووي وأن واشنطن هي التي تركت الاتفاق. ولا يعتقد الإيرانيون أنهم بحاجة إلى تقديم تنازلات لإعادة واشنطن إلى الاتفاق.

ويتابع بهجت "نعم ألحقت العقوبات ضررا كبيرا بإيران، لكن الإيرانيين يرون أنهم تجاوزوا الأسوأ. ومن المتوقع أن ينمو اقتصاد البلاد خلال عام 2021، وفقا لتقديرات البنك الدولي، كما أنها بدأت في تطعيم شعبها بلقاحات فيروس كوفيد، ولم يعد هناك أي مظاهرات واسعة ضد الحكومة".

من جهة أخرى، يشير جاستن لوغان، خبير العلاقات الخارجية بمعهد كاتو بواشنطن، إلى أن إدارة الرئيس السابق نجحت في وضع عراقيل في هذا الملف، حيث فرضت عقوبات متتالية بذرائع مختلفة، لزيادة التعقيدات.

وقال لوغان في تغريدة "لنتذكر أن إدارة ترامب فرضت عقوبات على كيانات إيرانية لأسباب تتعلق بالإرهاب تم فرض عقوبات عليها أصلا لأسباب تتعلق بالبرنامج النووي. لماذا فعلت كل هذا؟ لجعل العودة إلى الاتفاق النووي أكثر صعوبة من الناحية السياسية".

وفي ظل هذه التصورات المتعارضة، من الصعب على واشنطن أو طهران التوصل إلى حل وسط "ولكن ترك النزاع النووي الإيراني دون حل يشبه انتظار قنبلة موقوتة، خاصة مع استمرار إحراز إيران تقدما في برنامجها النووي، وهذا يمكن أن يؤدي إلى توجيه ضربة عسكرية من جانب إسرائيل، بما يعقد ويزعزع من استقرار الشرق الأوسط وغرب آسيا برمتها إلى حد كبير" كما يقول البروفيسور بهجت.

إطار عام فقط

ومن جانبه دعا تريتا بارسي، نائب رئيس معهد كوينسي في واشنطن، إلى اغتنام فرصة إجراء انتخابات عامة بإيران في يونيو/حزيران المقبل من أجل الإسراع بالإعلان عن العودة للاتفاق، مع ترك القضايا الخلافية للمفاوضات اللاحقة.

وذكر بارسي في مقال بموقع المعهد أنه "يمكن اتخاذ الخطوات الفعلية حول التفاصيل في وقت لاحق، ولكن ينبغي الآن اتخاذ قرار ملزم وواضح، وبهذه الطريقة، سيتم إحياء خطة العمل المشتركة الشاملة وحمايتها قبل الانتخابات الإيرانية، كي لا تخضع لتأثير نتائج الانتخابات. وهذا يخدم بوضوح المصلحة الأميركية في عودة واشنطن لاتفاق ملزم لإيران كما أكد الرئيس بايدن عدة مرات".

وبدوره أشار روبرت مالي، المبعوث الأميركي لإيران، إلى طرح مشابه خلال لقاء مع شبكة "بي بي إس" (PBS) حيث صرح بأنه يمكن التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن الاتفاق النووي قبل يونيو/حزيران، وعبر عن استعداد بلاده للعودة إلى الاتفاق النووي، وأكد أن مباحثات فيينا قد تمثل الخطوة الأولى.

وقال مالي إن الطريق سيكون صعبا وشاقا بسبب مقدار الوقت الذي مضى، وغياب الثقة المتبادلة، واعتبر أن هدف بلاده هو المناقشة بشكل غير مباشر عبر شركائها الأوروبيين وغيرهم ممن أجروا محادثات مع إيران "لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا تحديد تلك الخطوات التي سيتعين على الجانبين اتخاذها".

أما النائب الديمقراطي غريغوري مييكس، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، فقد دعم خطوة مفاوضات فيينا، وقال في تغريدة "اجتماع فيينا خطوة هامة، وإن كانت مجرد خطوة أولية. علينا التمسك بالدبلوماسية الصارمة والذكية بالتنسيق الوثيق مع حلفائنا الأوروبيين وشركائنا الإقليميين كأفضل وسيلة لمنع إيران من تطوير سلاح نووي، والعودة للامتثال الكامل بخطة العمل الشاملة المشتركة".

ورغم الإقرار بصعوبة المحادثات، يأمل مسؤولون بالاتحاد الأوروبي التوصل إلى اتفاق قبل يونيو/حزيران المقبل، موعد الانتخابات العامة الإيرانية، حيث إن هناك مخاوف غربية من احتمال خسارة التيار الإصلاحي رئاسة إيران إذا لم تتم تسوية الخلاف.

المصدر : الجزيرة