كيف يقضي "المرابطون" في غزة شهر رمضان؟

يحرص المرابطون في شهر رمضان على تغطية برنامجهم القتالي بشكل يومي كل ساعات الليل، وتعتبر المهمة الأساسية المناطة بهم هي الإنذار المبكر والتصدي لأي عمليات إسرائيلية خاصة قرب الحدود.

المرابطون في غزة خلال شهر رمضان
المرابطون يقضون ليالي رمضان بالحراسة على حدود غزة (الجزيرة نت)

بينما المسلمون حول العالم يمضون لياليهم الرمضانية في الصلاة والقيام والتهجد والتعبد، يوجد في فلسطين، خاصة في قطاع غزة، "مرابطون" تمثلت شعائرهم التعبدية بالرباط على حدود الوطن، يتناوبون فيها بينهم منذ مرحلة ما بعد الإفطار إلى ما قبل السحور، يحرمون جلسة العائلة الدافئة على هاتين الوجبتين، كي يأمن الفلسطينيون في بيوتهم بعيدا عن غدر الاحتلال واجتياحاته.

الجزيرة نت قامت بجولة ميدانية على حدود غزة، مع واحدة من مجموعات المرابطين، وتعرفت على برنامج حياتهم الرمضاني، وهم يتنقلون بين نقاط الرباط وثغور الحراسة.

المرابطون في غزة خلال شهر رمضان
المرابطون لا يفوتون قراءة القرآن في ليالي رمضان ولكن في الثغور (الجزيرة نت)

من هم المرابطون؟

شهدت الأجنحة العسكرية لمختلف فصائل المقاومة الفلسطينية، لاسيما كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس، تطويراً على مختلف المجالات، تزامنا مع كل جديد يعده الاحتلال الإسرائيلي لمواجهة المقاومة، ومن أبرز المستجدات إقدامها على تأسيس "وحدات المرابطين" أو "حراس الثغور" على حدود قطاع غزة مع فلسطين المحتلة.

تتركز مهام هذه الوحدات بحراسة المناطق المعرضة للاجتياح الإسرائيلي، والمرابطة للرصد والاستطلاع، ويتركز معظم عملها في ساعات الليل، وتكون عادة في أماكن متقدمة مع خطوط التماس مع قوات الاحتلال وفي مداخل المدن والأحياء، وتقدر أعدادهم بالآلاف.

ما البرنامج الرمضاني؟

في شهر رمضان يحرص المرابطون على تغطية برنامجهم القتالي بشكل يومي كل ساعات الليل، كما أن هناك أيام مناوبة معدة سلفا لكل مجموعة، وهو عمل منظم ومهمة صعبة، وتعتبر المهمة الأساسية المناطة بهم هي الإنذار المبكر والتصدي لأي عمليات إسرائيلية خاصة قرب الحدود.

في الكثير من الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، لاسيما منذ اندلاع انتفاضة الأقصى أواخر عام 2000 والتي ازدادت حدتها بعد الانسحاب من القطاع أواخر 2005، وجدت قوّات الاحتلال مقاومة عنيفة من المرابطين المتحصّنين في مواقع حدوديّة، وفق خطّة ترمي لمباغتتها في عمليّات دفاعيّة وهجوميّة لإنزال الخسائر بها، في حرب استنزاف يصعب على الرأي العام الإسرائيليّ تحمّلها.

أبو عمر، أحد قادة المرابطين، أبلغ الجزيرة نت، خلال زيارتنا لأحد مواقعهم على حدود قطاع غزة، بأن المرابطين "يقفون في المواقع المتقدمة لحماية شعبنا الفلسطيني، من خلال الرباط في النقاط القريبة من مواقع الاحتلال، ويتنافسون على قضاء أيام أكثر في نقاط الرباط في شهر رمضان الفضيل".

وأضاف "برنامج رباط المرابطين يبدأ قبيل أذان المغرب وحتى بعد صلاة الفجر، وفي الشهر الفضيل يتم تقسيم كل مجموعة من المرابطين إلى قسمين: أحدهما يواصل مهمته الأساسية المتعلقة بالمراقبة والرصد الأمني، خشية من أي تحرك عسكري إسرائيلي قرب الحدود، والقسم الآخر يبدأ برنامجه التعبدي المتمثل في الصلاة والقيام وقراءة القرآن، وبعد ساعات يتبادل القسمان مهامهما".

المرابطون في غزة خلال شهر رمضان
الأراضي والحقول والأحراش الأمكنة الأكثر تفضيلا لقضاء ساعات رباط المرابطين ليالي رمضان (الجزيرة)

كيف يقضون ساعات رباطهم؟

في الوقت الذي يتوجه المسلمون عموما، والفلسطينيون خصوصا، إلى منازلهم في ساعات ما قبل أذان المغرب للالتقاء على مائدة الإفطار، يتوجه هؤلاء المرابطون إلى نقاط رباطهم وثغورها المنتشرة على كافة الحدود الشرقية والجنوبية والشمالية للقطاع من رفح جنوبا إلى بيت حانون شمالا، بما في ذلك الحدود الغربية على شاطئ البحر المتوسط، حيث تنتشر وحدات من القوة البحرية التابعة للمقاومة الفلسطينية.

وفي الوقت الذي يتناول الفلسطينيون وجبة السحور بأشهى المأكولات وأطيبها، يكتفي المرابطون بتناول ما جلبوه معهم من ألبان وعصائر وتمور مع بعض أرغفة الخبز، وفي اللحظة التي يتوجه الفلسطينيون لمساجد القطاع لأداء صلاة الفجر، يتأهب المرابطون لتبديل "وردياتهم" مع مجموعات أخرى من مقاتلي المقاومة، الذين يستعدون لاستلام أمكنتهم، وهذا يعني أنهم فقدوا الاجتماع بعائلاتهم في وجبتي الإفطار والسحور، مرورا بعدم التمكن من قيام الليل في المساجد، لاسيما ليالي الاعتكاف الأخيرة من شهر رمضان.

أين يتنقل المرابطون على حدود غزة؟

تعتبر المناطق الزراعية شرق قطاع غزة ممن لم تطلها بعد آلة التدمير الإسرائيلية التي أتت على مساحات شاسعة من الأراضي والحقول والأحراش، الأمكنة الأكثر تفضيلا لقضاء ساعات رباط المرابطين في ليالي رمضان، حيث يحملون مختلف أنواع الأسلحة من البنادق والقاذفات، فضلا عن مناظير المراقبة، والأهم من ذلك المصحف المرتل في ملابسهم، حيث ينتهزون أي فرصة لتلاوة بعض آياته في هذا الشهر الفضيل.

الجولة الميدانية التي قامت بها الجزيرة نت في الليالي الأولى من شهر رمضان، لاحظت أنه ما إن ينطق صوت مؤذن صلاة المغرب بعبارة "الله أكبر الله أكبر" حتى يهم المقاومون للإفطار، ينتظرون أمرًا من مسؤول المجموعة للتجمع للصلاة بشكل جماعي، بعدها يتناولون وجبة الإفطار، ثم يعودون مُسرعين لمواقع رباطهم، المُخصصة لكل واحد منهم، بناءً على تعليمات المسؤول.

هل يفضلون خوض المواجهات مع الاحتلال في رمضان؟

خاض المرابطون الفلسطينيون العديد من المواجهات العسكرية مع جيش الاحتلال في شهور رمضان الفضيلة في السنوات الأخيرة، وقد أبلغ العديد منهم الجزيرة نت أنهم كانوا يتسابقون لأخذ دور في الرباط خلال الاشتباكات العسكرية التي شهدتها ليالي رمضان الطويلة، رغم أن تنقلهم من بيوتهم إلى أمكنة الرباط في هذه الليالي يكون صعبا بسبب التحليق المكثف لطائرات الاحتلال في أجواء القطاع.

لقد جرت العادة في الاجتياحات التي ينفذها جيش الاحتلال أن تبدأ في ساعات متأخرة من ليالي رمضان، وتنتهي بعد صلاة الفجر، مع شروق الشمس، الأمر الذي يعني حرمان المرابطين من أجر قيام الليل وطعام السحور، لأنهم قضوا هذه الساعات المباركة على الحدود والثغور، يواجهون قوات الاحتلال، ويصدون توغلاته.

المرابطون في غزة خلال شهر رمضان
المرابطون يقومون بشعائرهم التعبدية ويتحسبون أي اعتداءات يقوم بها الجيش الإسرائيلي (الجزيرة نت)

كيف يمارس المرابطون "المقاومة الروحانية"؟

لاحظت الجزيرة نت، خلال لقائها مع المرابطين الفلسطينيين في رمضان على حدود قطاع غزة، زيادة الجرعات الإيمانية بصورة لافتة، من حيث تداول المرابطين آيات قرآنية وأحاديث نبوية تحث على الرباط، وترفع من قيمته الدينية، وقد وزع قسم الدعوة والتوجيه الديني كتيباً جمع العديد من الأحاديث النبوية ذات العلاقة، حيث يتدارسون تفسيرها ودلالاتها.

يستحضر المرابطون على حدود غزة الحديث النبوي الشريف "قيام ساعة في الصف للقتال في سبيل الله خير من عبادة 60 عاماً" وحديث "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله، أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها"، وحديث "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن من الفتان" وحديث "كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله، فإنه ينمى له عمله، ويجرى عليه رزقه إلى يوم القيامة".

المصدر : الجزيرة