تركيا عرضت المساعدة بقناة السويس.. هل هي خطوة تعزز التقارب مع مصر؟

الملاحة توقفت في قناة السويس لمدة أسبوع بعد جنوح ناقلة عملاقة (الجزيرة)

على هامش عملية إعادة تعويم السفينة الجانحة بقناة السويس التي اكتملت الاثنين بعد أسبوع كامل توقفت فيه حركة الملاحة في شريان رئيسي للتجارة العالمية، كان لافتا وجود تركيا في مقدمة دول عرضت على مصر تقديم المساعدة.

ويوم السبت الماضي، جدد وزير النقل والبنية التحتية التركي، عادل قره إسماعيل أوغلو، في بيان رسمي، استعداد بلاده لمشاركة خبراتها لإعادة الملاحة في القناة، بعد يوم من تصريحات أدلى بها لوسيلة إعلام محلية حملت ذات المضمون، ما رأى فيه مراقبون رسالة "إيجابية" تسعى السلطات التركية لتأكيدها.

ومنذ الثلاثاء الماضي توقفت حركة الملاحة في القناة التي يمر عبرها حوالي 12% من إجمالي التجارة العالمية، بعدما علقت بها سفينة الحاويات العملاقة "إيفرغيفن" البالغ طولها نحو 400 متر عرضها نحو 60 مترا، بعدما انحرفت وسدت مجرى القناة بالعرض.

ورغم أن السلطات المصرية لم تتفاعل بشكل مباشر مع العرض التركي، إلا أنها رحبت بعروض المساعدة الدولية في جهود تعويم السفينة وعبرت عن صادق الامتنان لكل ما تلقته من عروض للمساعدة، وإن اختصت بالذكر والشكر العرض الأميركي.

وإلى جانب الترحيب العام وغير المباشر، كان تناول عدد من وسائل الإعلام المصرية للعرض التركي إيجابيا وإن كان محدودا، ما فسره مراقبون بأن مصر تلقت الرسالة التركية بشكل إيجابي، وإن لم يرق رد الفعل لما يعكس ذلك بشكل واضح.

 

 

دوافع متعددة

وفي هذا الإطار، يرى المحلل السياسي التركي أوكتاي يلماز، أن العرض التركي، جاء انعكاسا لتوجه عام تنتهجه تركيا في سياساتها الخارجية، يقوم في الأساس على التفريق بين القضايا الإنسانية والسياسية، حيث إنها لا تجد حرجا في عرض المساعدة أمام مثل هذه الحوادث حتى لإسرائيل نفسها.

لكنه في حديثه للجزيرة نت، أكد كذلك أن تركيا تعطي أهمية كبيرة لتحسين وتطوير علاقاتها مع مصر، ومن ثم يأتي هذا العرض كذلك في سياق المساعي المستمرة للوصول إلى هذا الهدف، الذي يصب في النهاية بمصلحة الدولتين والشعبين، التي هي في تقديره أكبر من كل الخلافات السابقة.

ويلفت يلماز في هذا السياق، إلى أن تركيا تعمل مؤخرا على تجديد سياستها الخارجية، وإزالة خلافاتها مع الجميع، وتأتي مساعيها لتطوير علاقتها مع مصر في هذا الإطار، كما أنها تسعى لإزالة الفهم الخاطئ لدى مصر في ترجمتها لبعض المواقف التركية والذي دفع بها إلى أحضان اليونان ضد المصالح التركية بالمنطقة.

وختم المحلل التركي بالقول إن رد الفعل المصري كان "إيجابيا" حتى وإن لم يكن مباشرا وواضحا، وهو في تقديره امتداد لموقف إيجابي عام تجاه المساعي التركية للتقارب.

 

دبلوماسية إنسانية

وبدوره، فقد عبر رئيس أكاديمية العلاقات الدولية، أستاذ العلوم السياسية المصري، عصام عبد الشافي، عن اتفاقه مع المحلل السياسي التركي أوكتاي يلماز في أن المبادرة التركية تأتي في إطار دبلوماسية إدارة الأزمات والكوارث، التي يطلق البعض عليها "الدبلوماسية الإنسانية"، لافتا إلى قيام تركيا بالكثير من المبادرات السابقة المشابهة.

غير أنه في حديثه مع الجزيرة نت، لم يستبعد الربط بين المبادرة ودعوات المصالحة مع النظام في مصر، وإن كانت الدبلوماسية الإنسانية هي الدافع الأول للأمر حسب تقديره.

واستبعد تجاوب النظام المصري مع المبادرة، حيث يرى أن ذلك سيعكس "نوعا من أنواع الاعتراف بالقصور والعجز في مواجهة النظام التركي"، ويرى في هذا السياق، أن النظام المصري يخشى من استخدام هذه المساعدة إن تمت في إطار التفاوض الجاري بين الطرفين، كما أن القبول كان سيبرز عجزه وفشله بشكل أكبر.

انفتاح وبناء ثقة

بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية المصري خيري عمر، أن العرض التركي والتفاعل المصري غير المباشر معه، يأتي في سياق انفتاح البلدين على تقييم العلاقات إيجابيا بينهما مرة أخرى، ووجود نوع من التوجه نحو بناء الثقة بين البلدين.

ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن الترحيب المصري العام، دون استجابة واضحة للعرض التركي، يأتي بسبب وجود أطر قانونية لذوي الشأن تحكم الأمر، والتي تتطلب التعاون فقط بين الجهات المسؤولة عن الممر الملاحي والجهات المسؤولة عن السفينة أو عقود الصيانة، ومن ثم فإن دخول طرف ثالث ربما يعقد الأمور.

لكن عمر يرى أن هذا العرض سيجد أثره السياسي، فهو في تقديره، ضمن عوامل دعم العلاقات الثنائية، ووقوفه عند هذا الحد (العرض والترحيب غير المباشر) لا ينقص من قيمته، على اعتبار أن التجاوب مع أي عرض يترتب عليه مسؤوليات قانونية وأخرى مالية ضخمة ربما لا مجال لها.

 

بروباغاندا إعلامية

في المقابل، يرى الخبير في شؤون الملاحة المصرية، القبطان حسام فودة، أن المبادرة التركية، كانت أقرب إلى عرض إعلامي لم يرق لأن يكون عرضا حقيقيا مباشرا، مؤكدا أن مصر ترحب بعروض المساعدة من الجميع، لكن بشرط أن تأتي عبر اتصال رسمي وليس عبر مداخلة صحفية.

وتابع في حديثه للجزيرة نت، "في حال كان لدى تركيا جدية في العرض، فالأمر يتطلب اتصالا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي"، مطالبا النظام التركي بمراجعة سياساته بصدق وليس عبر "بروباغاندا إعلامية فقط" على حد تعبيره.

محاولة جادة

لكن رئيس حزب الجيل ناجي الشهابي، والمنسق العام للائتلاف الوطني للأحزاب المصرية، رأى العرض التركي محاولة لتلطيف الأجواء مع مصر، ويأتي فى إطار المحاولات التي تبذلها تركيا مؤخرا لإصلاح علاقاتها المتوترة مع مصر، ويعكس جدية لديها في طي صفحة الخلاف.

وتابع في حديثه للجزيرة نت "مجرد إبداء تركيا المساعدة في تعويم السفينة الجانحة يؤكد جديتها في طي صفحة الماضي والقفز على أسباب الخلاف القديم مع مصر"، مرجحا أن تترك هذه المبادرة أثرا طيبا لدى السلطات المصرية، وستساهم في تحقيق التقارب بين البلدين.

وأشار الشهابي إلى أنه على اطلاع بأن الحوار بين القنوات الرسمية في البلدين متواصل، وأن التحركات التركية الأخيرة، تأتى في إطار ذلك، لافتا إلى أن وسائل الإعلام المصرية أظهرت اهتماما بالتحركات التركية، ورحبت بها، مما يدعم توقعات حدوث انفراج كبير وقريب في العلاقات الرسمية بين البلدين.

المصدر : الجزيرة