أدخلت البلاد في أزمة جديدة.. أسباب ومآلات الجولة الحالية من الصراع بين رأسي السلطة في الصومال

الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو (يمين) ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي (الصحافة الصومالية)

مقديشو – عاد الصراع بين رأسي السلطة في الصومال للظهور من جديد بعد قرار الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو تعليق صلاحيات رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي الذي رفض القرار واعتبره محاولة للانقلاب على الشرعية والدستور ومحاولة لإفشال الانتخابات القادمة.

ويرى كثيرون أن عودة التشاكس بين الرجلين قد تؤثر سلبا على الاستحقاق الانتخابي الذي تسير التحضيرات له ببطء شديد، وقد يتسبب ذلك في انزلاق البلاد نحو توترات أمنية قد تلتهم المكتسبات على الصعيدين السياسي والأمني.

واستند الرئيس في قراره بتعليق صلاحيات غريمه إلى تهم بالفساد وحيازة أراض مملوكة للدولة وجهت إليه، وقال إنها قيد التحقيق.

كما طعن فرماجو في أداء روبلي بشأن العملية الانتخابية، متهما إياه بالفشل في تنظيم الانتخابات في البلاد على أساس اتفاق 17 سبتمبر/أيلول 2020، وهي الاتهامات التي قابلها روبلي بالنفي، معتبرا أن الرئيس الصومالي حجر عثرة في طريق العملية الانتخابية.

أسباب الخلاف الحالي

وقد نجم الخلاف الحالي عن طرد رئيس الوزراء 7 أعضاء من لجنة حل النزاع الانتخابي، وعزل رئيس اللجنة الفدرالية للانتخابات.

ويرى روبلي أن هذه الخطوة قد تسهم في نزاهة العملية الانتخابية التي هي من مسؤوليته، فيما يرى فرماجو أنها استهداف متعمد واستبعاد لموالين له من اللجان الانتخابية، وهو ما يوضح الفجوة الشاسعة بين رؤيتين.

هذا الشد والجذب كاد أن يتطور إلى حالة من العنف بعد أن حاولت قوة من الجيش الصومالي منع رئيس الوزراء روبلي صباح أمس الاثنين من الوصول إلى مكتبه الواقع في المجمع الرئاسي لولا تدخل قيادات الجيش والشرطة، حيث تمكن بعد ذلك من عقد مؤتمر صحفي اتهم فيه الرئيس فرماجو بمنعه ومنع الوزراء من أداء واجباتهم الدستورية باستخدام قوة عسكرية، وذلك بهدف عرقلة المسار الانتخابي والبقاء في السلطة لفترة أطول، حسب قوله.

وأضاف روبلي أن فرماجو مرشح لمنصب الرئاسة، وأنه كأي مرشح آخر عليه أن يستعد لخوض المنافسة، وأن الحكومة هي المسؤولة عن قيادة وإدارة وتسيير شؤون البلاد في هذه الفترة الانتقالية، وبالتالي لا يحق له تقديم أوامر للقوات المسلحة وليس لديها الحق في تلقي الأوامر منه، وسيتم تقديم المخالفين للقضاء.

البحث عن حل

وبغض النظر عمن سيكسب الجولة الحالية من الصراع بين الطرفين فإن التصعيد والخلاف الذي تجدد بينهما قد ينسف -ما لم يتم حله بشكل أسرع- كل الجهود المبذولة لإعادة بناء الدولة التي كانت في طريق التعافي من ويلات حرب أهلية استمرت أكثر من ربع قرن، حسب الكاتب والمحلل السياسي أنور أحمد ميو في حديث للجزيرة نت.

واعتبر ميو أن التسريع في إجراء الانتخابات يمثل حلا للخروج من المأزق السياسي والخلاف الحالي يضمن تداول السلطة بشكل سلمي، وأنه كلما تأخرت العملية الانتخابية من الطبيعي أن نشهد مثل هذه الخلافات التي لا يتحملها الصومال المنهك بكثير من المشاكل السياسية والاقتصادية، ولذلك يتعين على القيادات العليا في البلاد تغليب المصلحة العامة والالتزام بالدستور والقوانين.

وكان المسؤولان قد دخلا في خلاف مماثل في سبتمبر/أيلول الماضي نجم عن إقالة مدير وكالة المخابرات الوطنية فهد ياسين على خلفية اختفاء موظفة في الجهاز الاستخباري قالت الوكالة إنها اختطفت وقتلت على أيدي حركة الشباب، إلا أنه تم احتواء هذا التوتر في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد التوصل إلى تسوية سياسية بوساطة رئيس ولاية جنوب غرب الصومال عبد العزيز لفتاغرين.

تدخل محلي ودولي

بدوره، يرى محرر موقع مقديشو برس عبد القادر محمد عثمان أن الخلاف الجديد يأخذ نفس المنوال، وأنه سيتم حله على الأرجح إما بوساطة الولايات المحايدة غير المنحازة إلى أحد طرفي الصراع، وهو المرجح من خلال تقديم تنازلات والتوصل إلى حلول سياسية مرضية للمسؤوليْن، وإما عبر تدخل من الأطراف الدولية، حيث يتوقع أن تؤدي تلك المساعي إلى احتواء التوتر الذي تولد بسبب الخلاف الحالي.

غير أن فرحان إسحاق يوسف نائب رئيس مركز الأجندة العامة يستبعد نجاح أي مساع داخلية لإخماد شرارة الخلاف المستعر بين الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء، لأن الوساطة السابقة التي قامت بها بعض الولايات لإنهاء الخلاف بينهما لم تصمد أكثر من شهرين، مما يجعل التدخل الدولي قد يكون أكثر نجاعة في هذه الحالة.

ويرى أن اصطفاف الولايات إلى جانب أحد طرفي الخلاف يجعلها خارجة عن دائرة التأثير الفاعل في مسار المصالحة ويسحب منها مفاتيح الحل.

وبينما يتصاعد الصراع داخليا اعتبرت الخارجية الأميركية أن "محاولة تجميد رئيس وزراء الصومال مقلقة"، وأكدت دعمها جهوده من أجل تنظيم انتخابات سريعة.

ونقلت وكالة رويترز عن الخارجية الأميركية قولها إن واشنطن مستعدة لمواجهة من يعرقل مسار السلام في الصومال.

يذكر أن الصومال دخل في صراع مسلح على السلطة بعد الإطاحة بالنظام العسكري السابق عام 1991، إلا أن الصوماليين اتفقوا على بناء دولتهم من جديد عام 2000، وبعد فترات انتقالية دامت 12 سنة اتفقوا على دستور مؤقت ضمن خروج البلد من الفترة الانتقالية ليبنوا حكومة بصلاحيات كاملة.

ونظمت عمليتان انتخابيتان في عامي 2012 و2016، وكان من المنتظر تنظيم انتخابات مماثلة عام 2020 إلا أنها تأجلت بفعل خلافات بين الأطراف السياسية، ورغم أن التحضيرات للعملية الانتخابية الحالية بدأت في أغسطس/آب الماضي فإنها تسير ببطء شديد، وتم انتخاب أقل من 100 عضو من أصل 329 عضوا من البرلمان الصومالي.

المصدر : الجزيرة