مسار وتحديات عقد انتخابات 2022 في لبنان.. من الرابحون والخاسرون؟

تختلف آراء المحللين في لبنان حول الرابحين والخاسرين من القانون الانتخابي الذي سينظم الانتخابات النيابية القادمة، ويرى البعض عدم جاهزية الأحزاب، ماديا ومعنويا، بعد تدهور الأوضاع، وتحميلهم مسؤولية الكوارث التي حلت باللبنانيين أمام الرأي العام محليا ودوليا.

مدونات - البرلمان اللبناني
اختلاف آراء المحللين حول الرابحين والخاسرين من القانون الانتخابي اللبناني (رويترز)

بيروت – قفز السجال السياسي في لبنان لمرحلة تحديد موعد الانتخابات البرلمانية وتحضيراتها، بعدما أصبح القانون الانتخابي نافذا، الذي يقضي بإنجازها قبل انتهاء ولاية البرلمان الحالي في 21 مايو/أيار 2022، وسط خلافات داخلية حول القانون واتهام البعض للمجلس الدستوري بالتسييس.

ومن أهم القضايا الخلافية حول قانون الانتخابات، أن اللبنانيين المغتربين سيصوتون للمقاعد النيابية الـ 128 حسب دوائرهم الـ 15، خلافًا لاقتراح رئيس "التيار الوطن الحر" جبران باسيل بتصويتهم فقط لـ 6 نواب باستحداث دائرة جديدة لهم.

لكن المجلس الدستوري لم يتخذ قرارا بشأن طعن باسيل لعدم توافق أعضائه على خلاصة موحدة، فشنّ الأخير حملة ضد الثنائي "حركة أمل" و"حزب الله" على قاعدة أنهما دفعا لإسقاط طعنه، مما عكس اهتزازا علنيا بعلاقته مع حليفه الأول حزب الله.

الأعداد والمواعيد

وتظهر بيانات وزارة الداخلية أن أعداد الناخبين المسجلين بالقوائم الأولية ناهز 3.97 ملايين، بينهم أكثر من 225 ألف مغترب، وهو رقم كبير مقارنة بالانتخابات السابقة، ومعظمهم من المغتربين المسيحيين "الموارنة" ومن ثم السنة فالشيعة، ويليهم مسجلون من مذاهب أقلية أخرى.

وكان البرلمان أوصى بإجراء الانتخابات في 27 مارس/آذار المقبل، لكن وزير الداخلية يملك صلاحية تحديد موعد آخر.

ويوضح رئيس مؤسسة "جوستيسيا" (JUSTICIA) الحقوقية الخبير القانوني بول مرقص "القانون الانتخابي النافذ صدر عام 2017، مع تعديلات أجراها البرلمان مؤخرا وكانت محل الطعن".

ويشير مرقص للجزيرة نت إلى أن الموعد تحدده وزارة الداخلية المنظمة للانتخابات، مرورا بالحكومة وصولًا لرئيس الجمهورية ميشال عون لتوقيع مرسومها.

وقال أيضا إن آخر مهلة لإجرائها الأحد الأخير قبل انتهاء ولاية البرلمان، أي 15 مايو/أيار 2022.

وكان عون وفريقه السياسي يرفضان إجراء الانتخابات في 27 مارس/آذار. ويلفت الصحافي والكاتب السياسي يوسف دياب أن وزير الداخلية سيدعو للانتخابات في مايو/أيار و"لا عذر أمام عون لعدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة".

تداعيات القانون

وعمّق إقرار القانون الانتخابي التوتر بين القوى السياسية، وتجلت تداعياته على الحكومة العاجزة عن الاجتماع منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول، على خلفية مطالبة وزراء حزب الله وحركة أمل وتيار المردة بتنحية المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، وما تبعها من أحداث دامية بالطيونة.

وفي تصعيد من قِبل الرئيس عون، وصف مقاطعة جلسات الحكومة بـ "فعل إرادة غير مقبول" مؤكدا رفضه توقيع القرارات والمراسيم في وجود حكومة مكتملة الأوصاف الدستورية.

ويتوقع الكاتب اشتداد المواجهة بعدما أصبح القانون الانتخابي نافذا "لأن باسيل (صهر عون) صاحب أكبر كتلة مسيحية برلمانية يخوض معركة استعادة صورته، بعد فرض العقوبات الأميركية عليه، واحتدام المواجهة بالشارع المسيحي مع حزب القوات".

ويجد أن تصعيد عون ضد حزب الله محدود آخر عام من ولايته، بعدما أثبت برأيه "أنه حليف ملحق بحزب الله، وليس ندا له، وكرّس عهده لعزلة لبنان مقابل إلحاقه بمحور إيران".

وهنا يوضح الكاتب والمحلل السياسي جوني منيّر، للجزيرة نت، أن حزب الله يسعى للموازنة بين حليفيه الخصمين رئيس حركة أمل والبرلمان نبيه بري، وجبران باسيل "لكن أولوية الحزب عدم توتير العلاقات الشيعية، وحين يكون أمام خيار بري أو باسيل، يختار ما يريده بري".

الرابحون والخاسرون

ستحدد الانتخابات موازين القوة للأحزاب السياسية، وتبدأ دورة البرلمان الجديد في يونيو/حزيران المقبل، وعليه انتخاب رئيس جديد له، وانتخاب رئيس جمهورية بحلول 21 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وتختلف آراء المحللين حول الرابحين والخاسرين من القانون الانتخابي، علما بأن معظم القوى السياسية لم تطلق ماكيناتها وشعاراتها، ويربطه البعض بعدم الجاهزية، ماديا ومعنويا، بعد تدهور الأوضاع في البلاد، وتحميلهم مسؤولية الكوارث التي حلت باللبنانيين أمام الرأي العام محليا ودوليا.

وعليه، يقارب الكاتب دياب الربح والخسارة بمعيارين: أولا، نتائج ممارسات قوى السلطة بعد انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وثانيا، تثبيت حق المغتربين بالتصويت لـ 128 نائبا، وأثره البليغ على النتائج.

ويجد أن ثمة قوى حزبية ستخسر من القانون الانتخابي، وتحديدا من انخرطت بالحكم بعد تسوية 2016 التي جاءت بعون رئيسا، أي التيار الوطني الحر أولًا، وتيار المستقبل برئاسة سعد الحريري، وأحزاب السلطة التي بقيت بالحكم بعد الانتفاضة.

ويقول الكاتب إن تيار المستقبل لم يحسم مسألة خوض الانتخابات، وبدأ يخسر المقاعد النيابية منذ قبول الحريري بالقانون الانتخابي الحالي بانتخابات 2018، مما عزز نفوذ حزب الله وحلفائه ومنحهم الأكثرية البرلمانية. وتاليا "أصبح الشارع السني الأكثر ضياعا لفقدانه المرجعية السياسية القوية".

أما الثنائي حزب الله وحركة أمل، فمعركتهما "ليست سهلة" لكنهما "الأقوى بغياب المنافسين، ولا يخسرون على المستوى الشيعي".

والرابح أيضا -برأي الكاتب- الأحزاب المنكفئة عن الحكم بعد أكتوبر/تشرين الأول 2019، كالقوات اللبنانية وحزب الكتائب، المسيحيين. ويرى أن المعركة تدور على نحو 10 مقاعد ستحدد الأكثرية النيابية لمحور ضد آخر، و"معركة حزب الله ليست ببيئته، بل إن حليفه المسيحي قد يخسر بعض المقاعد، وأصبح باسيل حملا ثقيلا يصعب تسويقه بشارعه ولدى حليفته حركة أمل".

ويتوقع المحلل السياسي منير أن يكون فريق باسيل أبرز الخاسرين بأصوات المغتربين، لأن نحو 60% من المغتربين مسيحيون، وقسم كبير منهم هاجر العامين الماضيين، وأغلبهم بالخليج وأوروبا، وبعضهم ناقم على الممارسات السياسية لعهد عون.

ويقول أيضا إن المسيحيين المقيمين أقل من 30%، وهو ما يخشى منه باسيل، إزاء تصاعد أسهم "القوات" كحزب مسيحي يقف بمواجهة حزب الله، خصوصا بعد أحداث الطيونة.

ويرجح المحلل السياسي أن يكون للقوى المدنية حصة بأصوات المغتربين وداخليا، إذا أحسنت تنظيم نفسها وبددت مشاكلها، ويبرر انكفاءها بأن المعركة لن تبلغ ذروتها قبل فبراير/شباط المقبل.

غير أن الأكاديمي والباحث السياسي طارق عبود يجد أن الرابحين هم القوى السياسية التي هندست القانون الانتخابي، والخسائر ستكون محدودة ببعض المقاعد حتى لفريق باسيل.

ويقول للجزيرة نت إن الخيارات البديلة للبنانيين غير ناضجة بمشروعها، ويتوقع أن يكون البرلمان الجديد بنفس موازين البرلمان الحالي، أي الأكثرية مع حزب الله وحلفائه.

ويوضح الباحث الأكاديمي أن المفاجآت الانتخابية ممكنة لو جرت بقانون انتخابي جديد، كجعل لبنان دائرة واحدة.

ويستغرب توقع خسارة فريق باسيل أصوات المغتربين، مرجحا عدم تصويت جميع من سجلوا أسماءهم بالخارج، لافتا إلى أن الأصوات تتوزع على الدوائر، وستتشتت نتائجها ولن تصب لصالح فريق دون سواه، مذكرا بأنه ألا أحد يملك إحصائيات دقيقة حول خيارات المغتربين السياسية.

ويضيف: القانون الانتخابي يكبل اللبنانيين، وكل فئة تصوت بمكانها الطائفي والسياسي، والشارع المسيحي مقيد بخياراته التاريخية، ومن هم مع فريق باسيل لا يصوتون للقوات مثلا.

هل إجراء الانتخابات في خطر؟

يقول الكاتب دياب إن عدم اجراء الانتخابات وارد جدا، وإذا "أدركت بعض الأحزاب الوازنة أنها ستخسر بعض المقاعد وسيتراجع نفوذها بالحكم، قد تسعى لتأجيلها، وربما إثارة أحداث أمنية مباغتة وصادمة".

من جانبه، يجد المحلل السياسي منيّر أن معظم القوى السياسية لا تريد الانتخابات، لكن قلقها من العقوبات والضغوط الدولية، وآخرها تشديد الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش على ضرورة إجرائها.

وبرأيه، فإن الخوف الفعلي هو ما بعد الانتخابات، وتحديدا قبيل الانتخابات الرئاسية، لأنها مرحلة إعادة تركيب السلطة ورؤية النظام السياسي، مما يُدخل البلاد بمخاض عسير وخطير.

المصدر : الجزيرة