تساؤلات المصالح المتضاربة.. ما تداعيات التمرد في إثيوبيا على مصر وسد النهضة؟

شدد الأكاديمي المصري خيري عمر على أنه ليس من ضرورة لكي تتدخل مصر مباشرة في التطورات الإثيوبية كي تحصل على فوائد، وذلك لأن قدرات الدولة الإثيوبية أضعف من أن تمكنها من الدخول في حرب أهلية وتطوير سد النهضة في وقت متزامن.

لقاء سابق في القاهرة بين الرئيس المصري ورئيس وزراء إثيوبيا يونيو/حزيران 2018 (الفرنسية)

القاهرة – مع وصول التمرد القبلي المسلح في إثيوبيا مرحلة حرجة قد تفضي إلى سقوط الحكومة المركزية في أديس أبابا، تثار تساؤلات حول مدى استفادة مصر من الحرب الدائرة -التي دخلت عامها الثاني- لدعم موقف القاهرة في ملف سد النهضة الإثيوبي.

وبالنظر لارتباط أزمة السد بالتطورات الإثيوبية الراهنة، رأى محللان سياسيان ومسؤول حكومي سابق في مصر أن هناك ارتباطا شبه عضوي بين سيناريوهات الأزمتين (أزمة الحرب وأزمة السد)، بما قد يدعم الموقف المصري.

فمن ناحية يدفع الصراع الأهلي نحو ضبط عملية تشييد السد وملئه وتشغيله، ومن ناحية أخرى فإن الأهداف "السياسية والإستراتيجية" من السد تستوجب وجود سلطة قوية ومستقرة، وفي حال غيابها ستقل أخطار السد على مصر إلى حد كبير.

ورغم الضغط الدولي على أديس أبابا في صراعها مع القوميات المتمردة، فإن المحللين السياسيين والمسؤول الحكومي السابق استبعدوا أن تجبر الفوضى حكومة آبي أحمد على العودة إلى طاولة المفاوضات بشأن السد بعقلية أقل عنادا.

وترصد الجزيرة نت في هذا التقرير تساؤلات حول أبعاد الفوضى في إثيوبيا على مصر؟ وهل تتفاعل القاهرة معها وتستفيد منها؟ وكيف تؤثر على مفاوضات السد المتأزمة، وتداعياتها على المصالح المصرية في الأقاليم المتمردة؟

هل من مصلحة مصر التدخل بالصراع الإثيوبي؟

يرى مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية هاني رسلان أن بلاده ليست معنية بالأوضاع الداخلية في إثيوبيا، مستبعدا وجود أبعاد وتداعيات للتمرد القبلي على بلاده، خلافا لأزمة مياه النيل.

وفي تصريحات للجزيرة نت، شدَد رسلان -وهو خبير في الشأن الأفريقي- على أن مصر ليست طرفا في الأزمة الإثيوبية الداخلية، وليس من مصلحتها التدخل أو حتى التعليق عليها لكونها شأنًا داخليًا، لكنّه أكد أن بلاده تراقب الموقف عن كثب؛ بالنظر لارتباط أزمة السد بالتطورات الإثيوبية الراهنة.

والتقط الخيط ذاته الأكاديمي والمحلل السياسي المصري خيري عمر الذي استبعد -بدوره- وجود أي دور لمصر في تأجيج الصراع الأهلي في إثيوبيا.

وقال عمر -في تصريحات للجزيرة نت- إن مصر ليس لديها أي دور مباشر أو غير مباشر في الفوضى الراهنة في إثيوبيا، مشيرا إلى أنها مرتبطة بعوامل متراكمة، كما حدث في فترات سابقة مع جماعات عرقية أخرى تتنافر فيما بينها.

وعن مدى استفادة القاهرة مما يجري في إثيوبيا، يقول خيري عمر إن بلاده تستفيد بشكل مباشر منها، لأن الحرب الأهلية تقوم بعملية ضبط لأزمة السد؛ إذ إن معدلات التقدم في البناء باتت ضعيفة، إضافة إلى أن طبيعة العلاقات الإثيوبية مع بقية الدول الأفريقية لم تعد كما كانت، في ظل تزايد حدة الصراع.

وشدد الأكاديمي المصري على أنه ليس من ضرورة كي تتدخل مصر مباشرة في التطورات الإثيوبية حتى تحصل على فوائد، وذلك لأن قدرات الدولة الإثيوبية أضعف من أن تمكنها من الدخول في حرب أهلية وتطوير سد النهضة في وقت متزامن.

هل يؤثر النزاع الإثيوبي على مفاوضات السد؟

ويذهب هاني رسلان إلى القول بوجود ارتباط شبه عضوي بين سيناريوهات أزمة السد مع سيناريوهات الوضع الإثيوبي في الداخل؛ وعزا ذلك إلى 3 أسباب:

أولا: لأن حالة الفوضى أثرت بالفعل على الوضع الاقتصادي لإثيوبيا، مما يثير تساؤلا حول قدرتها على الاستمرار في عملية الملء الثالث لبحيرة السد وما بعدها.

ثانيًا: في ظل حالة الدفاع عن النفس والتعبئة والتحريض على القتال من جانب الحكومة، هل ستكون هناك أولوية لديها في الاستمرار في عملية بناء وتعبئة وتعلية السد، وهذا أمر مشكوك فيه.

ثالثًا: ما سيتمخض عن الأزمة الأهلية، هل ستسقط حكومة آبي أحمد، وهل تستطيع الأطراف الأخرى أن تؤسس صيغة جديدة لنظام الحكم والحفاظ على كيان الدولة، أم ستكون هناك صعوبة في الاتفاق على مثل هذه الصيغة في ظل تعارض المطالب والطموحات للأقاليم والإثنيات المختلفة، وبالتالي ستكون هناك حالة من الاضطراب والفوضى لمدى غير معلوم.

وبناء على الطرح الأخير، رأى رسلان أن غياب السلطة القوية والمستقرة في أديس أبابا يعني تراجع أهمية السد وأهدافه السياسية والإستراتيجية، وتقليل مخاطره على مصر.

ما إيجابيات وسلبيات سيناريوهات الإطاحة بآبي أحمد على المفاوض المصري؟

في حالة الإطاحة:

في هذه الحالة، توقع رسلان عدم قدرة جبهة تحرير شعب تيغراي على إدارة البلاد؛ نظرا لتغير الظروف الداخلية والإقليمية عن الفترة التي حكمت فيها إثيوبيا بداية تسعينيات القرن الماضي، كما سيكون من الصعوبة بمكان الاستقرار على شخص آخر حال سقط رئيس الوزراء.

وبناء على هذه الرؤية، ذهب رسلان إلى القول إن سيناريو سقوط آبي أحمد سيكون إيجابيًا لمصر؛ لتراجع أهمية السد في مقابل أهمية الحفاظ على الدولة، طبقًا لما ستسفر عنه صيغة الحكم، ومن الأطراف الفاعلين فيها، وهل تكون الدولة فدرالية أم يسودها نزاع بين أطراف تطالب بحق تقرير المصير.

ومن جانبه، رأى المحلل السياسي خيري عمر أن تطور بناء السد يعتمد على من يحكم إثيوبيا، إذ إن بناءه كاملا يتطلب سنوات، في ظل تعدد الباحثين عن السلطة بين القوميات الكبرى في البلاد، خاصة الأورومو والتيغراي والأمهرة.

في حالة استتباب الوضع:

وعن سيناريو فشل التمرد، توقع رسلان أنه لو استتب الأمر لآبي أحمد وهو أمر مستبعد إلى حد كبير -وفق قوله- فإن إدارة ملف سد النهضة والمفاوضات مع مصر لن تتغير، لأن موقف حكومة أديس أبابا معروف منذ البداية، وهو التفاوض في حلقة مفرغة.

ويضيف خيري عمر أنه في ظل الوضع الحالي فإن آبي أحمد لن يستطيع حلحلة الصراع أو تنفيذ أفكاره، بينما تبقى الضمانات المرتبطة بجريان مياه النيل أهم ما تبحث عنه القاهرة بعيدا عن الصراع الداخلي، وهو ما قد تستفيد منه بشكل غير مباشر.

وفي السياق ذاته، شدد وزير الري الأسبق محمد نصر علام على أن النظام الإثيوبي أصبح ورقة محروقة لدى بلاده، ولا يصلح التعامل معه، لعدم درايته بماهية التفاوض والسياسة.

وفي تصريحات للجزيرة نت، اتهم علام نظام رئيس وزراء إثيوبيا بفقدان الحنكة السياسية، في حين تبقى الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية أكبر الخاسرين، بعد أن راهنوا على آبي أحمد، واستثمروا في بلاده بمئات المليارات من الدولارات فضلا عن منحه جائزة نوبل للسلام.

هل ثمة مصالح مصرية في إثيوبيا تقلق القاهرة بشأنها؟

رغم الإيجابيات المتحملة من الصراع الدائر في إثيوبيا على مصر، تبقى ثمة مخاطر مباشرة وغير مباشرة على مصالح مصر إزاء استدامة النزاع في إقليم تيغراي وتمدده في الأقاليم الأخرى، وأبرز هذه التهديدات:

أولا: تدشين بؤرة إرهابية

في ظل بقاء أزمة سد النهضة معلقة حتى بعد الانتهاء من عملية الملء الثاني، تخشى القاهرة من استثمار القوى الخارجية للأزمة في إثيوبيا، وإشاعة مزيد من الفوضى بالمنطقة بما يدشن لبؤر جديدة لجماعات إرهابية قد تخلق تهديدًا إضافيا على مصر، التي عانت من الجماعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء والسودان وليبيا.

حذّر المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي من نشوب حرب أهلية واسعة النطاق تتجاوز إقليم تيغراي الإثيوبي، وقال إن "ما حدث في سوريا (من انهيار وفوضى) سيبدو مثل لعب الأطفال مقارنة بما سيحدث في إثيوبيا والمنطقة بأكملها".

ويؤيد هذا الطرح كذلك، تصريح سابق أطلقه المبعوث الأميركي لمنطقة القرن الأفريقي جيفري فيلتمان حذّر فيه من نشوب حرب أهلية واسعة النطاق تتجاوز إقليم تيغراي، وقال إن "ما حدث في سوريا (من انهيار وفوضى) سيبدو مثل لعب الأطفال مقارنة بما سيحدث في إثيوبيا والمنطقة بأكملها".

ثانيا: العمق الجنوبي

ثاني المخاوف المصرية المحتملة من تمدد الصراع الإثيوبي يتمثل في استمرار تدافع آلاف المهجرين الإثيوبيين نحو السودان، بما يهدد حالة الاستقرار النسبي التي يشهدها الأخير في المرحلة الانتقالية الراهنة، وهو ما سيلقي بظلاله على العمق الأمني والجيوإستراتيجي لمصر.

ثالثا: الاستثمارات المصرية

تمتلك مصر استثمارات كبيرة في إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا، وقد تكبدت خسائر فادحة جراء النزاع المسلح الحالي، وتنتظر المنطقة الصناعية المصرية في تيغراي (دشنها قادة مصر والسودان وإثيوبيا عام 2018) البت في قضية التحكيم الدولي المقدمة ضد الحكومة الإثيوبية خلال شهرين، وذلك بسبب استمرار توقف العمل داخل المنطقة بسبب الحرب الدائرة منذ أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وقال رئيس المنطقة المصرية في تيغراي علاء السقطي -في تصريحات صحفية- إن قيمة الاستثمارات المصرية المتضررة في تيغراي تقدر بنحو 10 ملايين دولار، مضيفا أن إجمالي استثمارات بلاده في إثيوبيا تعدت 750 مليون دولار بين عامي 2010 و2018.

المصدر : الجزيرة