الجزيرة نت تقتحم سوقا لبيع الخشخاش في قندهار

يقول مزارعو الخشخاش إن البدائل المطروحة عليهم لوقف تجارة الأفيون ليست مربحة ولا مريحة، فزراعة أي محاصيل أخرى تصطدم بصعوبات النقل والتسويق، وتكرار إغلاق الحدود البرية من الطرف الباكستاني.

حقول الخشخاش في قندهار
تزرع ولاية قندهار 183 ألف فدان سنويا من نبتة الخشخاش التي يصنع منها الأفيون (الجزيرة)

قندهار- في الطريق لإنجاز تقرير استقصائي حول حقيقة وجود سوق لبيع الأسلحة الأميركية بين ولايتي هلمند وقندهار جنوبي أفغانستان، عثر فريق الجزيرة بالصدفة على سوق لبيع الخشخاش على أطراف ولاية قندهار.

أعلام حركة طالبان ترفرف بزوايا السوق، ليس حبا في الحاكم الجديد، بل خوفا واتقاء لشر قد يكون سببا في إغلاق محالهم، "بل والقبض عليهم"، وقد أغلق بالفعل عديد التجار محالهم بعد عودة طالبان لحكم أفغانستان، وتستدعي ذاكرتهم تجربة الحركة في الحكم قبل 20 عاما، فالحركة حرمت ولا تزال زراعة وبيع وشراء وتعاطي المخدرات، وفق تصريحات لمسؤولين فيها.

عبد الغني/ تاجر أفيون
عبد الغني يعيل مئة فرد في أسرته ومستعد لمقاتلة طالبان إذا منعت تجارته في الخشخاش (الجزيرة)

عند دخولنا للسوق تفاجأ التجار وبائعو الخشخاش الذي يستخلص منه الأفيون من وجودنا، وتحفظوا بادئ الأمر في الحديث، لكن بعد تجاذب أطراف الحديث معهم بدؤوا برواية معاناتهم وهواجسهم. يقول بائع الخشخاش عبد الغني، وقد أحيط بأطفاله، إنه يعيل مئة شخص من عائلته، ومن بينهم أيتام وأرامل. ويضيف في حديثه للجزيرة نت "الخشخاش مصدر رزقي الوحيد، وأنا مضطر لزراعته وبيعه للحصول على رغيف الخبز حتى لا نجوع".

ويقول بلهجة تحد "إذا أقدمت طالبان على منعنا من بيع الخشخاش فسنقاتلها، ونقاتل العالم من أجل أن نعيش"، مشيرا إلى أنه يربح دولارا واحدا على كيلوغرام يتم بيعه، وأن الربح الحقيقي -كما يروي- "يأخذه التجار الأجانب"، دون تحديد هويتهم.

حقول الخشخاش في قندهار
ارتفع سعر كيس الأفيون (4 كيلوغرامات) من 150 إلى 500 دولار تحسبا لمنع طالبان زراعة وتجارة المخدرات (الجزيرة)

ارتفاع تحسبا للمنع

بيّن لنا تجار السوق أن وحدة القياس المتبعة في تجارة الخشخاش هي 4 كيلوغرامات لكل كيس من المادة الخام، ويباع الكيس بـ500 دولار بعد أن كان قبل سيطرة طالبان بـ150 دولارا فقط. ويعزو التجار ارتفاع السعر إلى أن حكومة طالبان ستمنع تدريجيا زراعة وتجارة وتعاطي المخدرات، فور تمكنها من دفع رواتب الموظفين وتحسن الوضع الاقتصادي، بعد فرض سيطرتها الكاملة على مفاصل الدولة السياسية والأمنية والاقتصادية.

وتتحدث تقارير أممية عن أن ولاية قندهار تعد ثاني أكبر مصدر للأفيون عالميا بعد جارتها هلمند بزراعة 183 ألف فدان سنويا من الخشخاش، ويذكر أن زراعة الخشخاش تبدأ في فصل الشتاء، لكنها بدأت مبكرة هذا العام خشية قيام الحكومة الجديدة بمنع الزراعة والبيع، مع اعتقاد العديد من المزارعين والتجار أن موسمهم هذا سيكون الأخير قبل المنع بالقوة.

ويقول "عبد الباقي"، وهو تاجر خشخاش يبلغ 70 عاما، "أتعاطى الأفيون منذ سنوات وأبيعه وأشتريه"، وعن كيفية تسويق الأفيون يضيف "نأخذه إلى منطقة برامشه بولاية هلمند، وهناك يتم تهريبه إلى إيران وباكستان عبر أفراد من قبائل بلوشستان، التي تنتشر في المناطق الحدودية بين الدولتين".

عبد الباقي/ تاجر أفيون
عبد الباقي يعتمد في معيشته على تجارة الخشخاش (الجزيرة)

بدائل غير مريحة ولا مربحة

بعد أن غادرنا السوق الذي دخلناه خطأ، توجهنا للبحث عن حقول الخشخاش، وهي النبتة التي يستخرج منها الأفيون قبل تصنيعه وتحويله إلى مادة الهروين أو الكوكايين. ووجدنا حقلا بالقرب من الشارع العام بمديرية ميوند في الطريق الواصل بين ولايتي قندهار وهلمند.

وبصعوبة تمكنّا من الحديث إلى المزارع "قدرت شهامت" الذي يقول إنه لا ولن يستطيع الاستغناء عن عمله إن لم يكن هناك بديل.

ويضيف أنه كغيره من التجار والمزارعين لا خيار آخر أمامهم سوى هذه الزراعة، "الأمر يتعلق برزقي ورزق أبنائي، فزراعة الخشخاش تكلفني مئة دولار، وأبيع المحصول بـ300 دولار، وما دام لا بديل أمامنا فلن نقلع عنه". لكنه استدرك "من الممكن أن يستبدل هذا الحقل بزراعة الزعفران، إذا قُدمت لنا مساعدة من أي جهة، وحتى ذلك الحين سنضطر لزراعة الخشخاش".

حقول الخشخاش في قندهار
نبتة الخشخاش التي يستخرج منها الأفيون الذي يصنّع لإنتاج الهيروين والكوكايين (الجزيرة)

ويؤكد شهامت في حديثه للجزيرة نت أن "الحكومة السابقة كانت تسمح بالتهريب سرا، وهناك مسؤولون كبار كانوا يتعاطون الأفيون ويساعدون على تهريبه مقابل مبالغ مالية".

ولايات جنوب أفغانستان قبلّية بامتياز، ووجهاؤها يتمتعون بنفوذ سياسي بين أبناء قبائلهم. التقينا "عبد الله جان" أحد وجهاء منطقة ميوند، وهو يدافع عن زراعة الخشخاش مع اعترافه بخطورته.

ويقول جان للجزيرة "بسبب الفقر والجوع نبيع الخشخاش، لكن يمكننا أن نزرع شيئا آخر، إن ساعدتنا الحكومة بإيصال المياه لمزارعنا وبيوتنا، فأزمة المياه فاقمت مشاكل المزارعين".

ويذهب مزارعو الخشخاش إلى أن البدائل المطروحة عليهم ليست مربحة ولا مريحة، فزراعة أي محاصيل أخرى تصطدم بصعوبات النقل والتسويق، وتكرار إغلاق الحدود البرية من الطرف الباكستاني، أما الخشخاش فيرون زراعته سهلة وبيعه سريعا ومربحا.

المصدر : الجزيرة