انتقاما للأقصى وعلم بلاده ومآرب أخرى.. قصة آخر جندي مصري يخترق الحدود ويقتل إسرائيليين

الجندي المصري أيمن حسن منفذ عملية رأس النقب ضد جنود إسرائيليين (مواقع التواصل الاجتماعي)

القاهرة- في مثل هذه الأيام لكن قبل 30 عاما، نفّذ الجندي المصري أيمن حسن عملية عرفت بـ"رأس النقب" في منطقة حدودية بين بلاده وإسرائيل، قتل خلالها 21 إسرائيليا وأصاب نحو 20 آخرين، كان بينهم أحد كبار رجال الموساد المسؤولين عن تأمين مفاعل ديمونة النووي وضباط بمطار النقب العسكري.

بتاريخ ميلاده في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، أي بعد بضعة أشهر من النكسة التي غيرت الجغرافيا العربية لصالح إسرائيل، ينتمي حسن إلى جيل تشكل وعيه في السنوات الأولى للتطبيع الرسمي، لكن اتفاق الرفض الشعبي غير المكتوب بين المصريين، جعله لا ينسى الدماء التي لم تجففها أحبار الصلح.

في بداية تخطيطه للعملية كان الرجل يستهدف الانتقام من جندي إسرائيلي، رآه يدنس عَلم بلاده، لكنّ ما عرف آنذاك بمذبحة المسجد الأقصى الأولى، زاد نار الغضب بداخله فقرر تغيير الخطة، لحصد أكبر عدد من الإسرائيليين.

كان حسن الذي لا يزال حيا يرزق -طبقا لصفحته على موقع فيسبوك ومقربين منه- قد توارى عن الأنظار منذ سنوات، وهو ثاني جندي في حرس الحدود المصري يُدان بإطلاق النار على إسرائيليين حتى الموت، منذ توقيع البلدين معاهدة سلام عام 1979.

لمصر والأقصى

لم يكن أيمن حسن منتميا إلى حزب أو جماعة، كما لم يسبق له المشاركة في مظاهرة من تلك التي خرجت لرفض تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل، كان فلاحا بإحدى قرى محافظة الشرقية، وفي لحظة امتزج فيها العام بالخاص، قرر أن ينفذ عملية استشهادية بكل ما تحمله من معان ضد جنود إسرائيليين.

في إحدى نوبات الحراسة، شاهد جنديا إسرائيليا يمسح حذاءه بعلم مصر، كانت قد نقلته إليه الرياح من سرية إحدى النقاط الحدودية المجاورة، فتألم حسن لما حدث، ليفاجأ لاحقا أن الجندي الإسرائيلي يمارس أوضاعا مخلة على العلم مع زميلته المجندة الإسرائيلية المناوبة معه، في منطقة كانت تشهد اقتراب نقاط الحراسة الحدودية بين الجانبين.

هنا، دبّ الغضب في عروق الرجل وأسرَّها في نفسه، وقرر الانتقام، ثم جاء العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 1990، حين وقعت مذبحة المسجد الأقصى، التي نفذها متطرفون يهود وراح ضحيتها عشرات الشهداء والمصابين الفلسطينيين، ليقرر أيمن حسن توسيع العملية انتقاما لشهداء الأقصى، دون استبعاد الجندي الإسرائيلي المستهدف.

في سهل القمر

على مدى 9 أيام ظل الجندي المصري يدرس تحركات فريسته المحتملة وحركة المركبات على الحدود وطبيعة تأمينها والثغرات الجغرافية والأمنية، فوجد أمامه 5 أهداف، كان أبرزها حافلة ركاب يستقلها ضباط مطار رأس النقب العسكري.

كان موقعه العسكري يقع بمنطقة سهل القمر في رأس النقب، وقريبا من منشآت وطرق عسكرية إسرائيلية شديدة المراقبة والتأمين، منها مفاعل ديمونة، أما موقع المعركة التي خاضها فكان له طريق يصل إلى مطار النقب ومدينة إيلات على خليج العقبة.

ولقرابة شهر ونصف الشهر، ظل يتدرب على الجري مسافة 15 كيلومترا يوميا، وهي المسافة التي تفصل بين نقطة ارتكازه والهدف المحتمل ذهابا وإيابا.

وعشية ساعة الصفر، تمكن من تجهيز 450 طلقة حصل عليها من مخزن الذخيرة بوحدته العسكرية، دون أن يعلم زملاؤه بخطته، وفي حدود الخامسة صباحا انطلق مخترقا الحدود الإسرائيلية.

وفي حوالي الساعة 6:30 صباحا يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1990، وصل حسن إلى كمين حدده بدقة في منطقة تبعد نحو 13 كيلومترا شمال مدينة إيلات، على طريق أسفلتي يربطها بمدينة رفح.

كانت حافلة تتبع هيئة الإمداد والتغذية الإسرائيلية بداخلها جندي واحد أول أهدافه، ثم تبعتها حافلتان وسيارة جيب يقودها عميد بالموساد من كبار المسؤولين عن تأمين مفاعل ديمونة، فقام بتصفيته، ثم عاد إلى مكان اختبائه، قبل أن يبدأ في تبادل إطلاق النار مع إسرائيليين هرعوا إلى ملاحقته.

استغرقت العملية قرابة 20 دقيقة، أفرغ خلالها 421 طلقة في جسد نحو 50 إسرائيليا مات منهم 21، وكان لجسد الجندي الذي أهان العلم المصري نصيب معتبر من هذه الذخيرة.

وقبل العملية بيومين، كان حسن قد ترك لوالده رسالة أن "يحتسبه شهيدا"، وبعد إتمام المهمة عاد مسرعا إلى حدود بلاده، بإصابة سطحية في الرأس، ليسلم نفسه إلى قيادة المنطقة العسكرية.

روح البطولة

في حوار صحفي سابق، ذكر حسن أنه استلهم بطولته من سيرة الزعيم الراحل أحمد عرابي، أحد أبرز قادة الجيش المصري مقاومة للاحتلال الإنجليزي لمصر، والذي كان من مواليد مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية التي نشأ بها حسن.

كما ظلت نار الانتقام ملتهبة في صدره، تؤججها صور أطفال مدرسة بحر البقر بالشرقية، بعد أن دكتها طائرات الفانتوم الإسرائيلية في أبريل/نيسان 1970، في هجوم حوّل 30 تلميذا إلى أشلاء وأصاب 50 آخرين.

فيما كان النصيب الأكبر لتعزيز هذه الروح، عائدا إلى الجندي المصري سليمان خاطر حين قتل هو الآخر قبل سنوات 7 إسرائيليين كانوا قد اقتربوا من نقطة حراسته بسيناء، كما أن القرية التي ولد بها حسن (الغنيمية) تجاور قرية خاطر (أكياد البحرية).

واعتبر أيضا أن نجاحه في اغتيال ضابط بالموساد يمثل "صيدا كبيرا، وثأرا لاغتيال العالم المصري سعيد سيد بدير، الذي كان أحد جيرانه بمدينة الزقازيق، ورحل خلال فترة تجنيده".

يذكر أن بدير كان عالما متخصصا في مجال الاتصال بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، توفي في حادثة غامضة بمحافظة الإسكندرية عام 1989، ولا تزال وسائل إعلام مصرية وعسكريون سابقون يتهمون "الموساد" باغتياله.

سيناريو خاطر

بينما كان مفترضا أن تنتهي خدمة أيمن حسن العسكرية بعد 4 أشهر من الحادث، فإن محاكمته دامت عدة أشهر وانتهت في أبريل/نيسان 1991 بحكم يقضي بسجنه 12 عاما، ليخرج عام 2000 بعفو شرطي.

ولمدة 11 عاما ظل وأسرته على لائحة المراقبة والتنكيل الأمني، حتى رحيل نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، إثر ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وفق قوله في تصريحات تلفزيونية سابقة.

وفي حيثيات (أسباب) الحكم، قالت المحكمة إنها أصدرت حكما مخففا بدلا من الإعدام -بموجب قانون العقوبات- لأن الأطباء الذين فحصوه قالوا إنه "يعاني من ضعف في القدرات العقلية بما يقلل من مسؤوليته دون أن يتم نفيها كلية".

وفي روايته عن المحاكمة، ذكر أيمن حسن أن وزير الدفاع الأسبق يوسف أبو طالب، كان داعما له، حيث طلب من الأطباء المسؤولين عن كتابة التقرير الطبي "ألا يمرروا شيئا دون العرض عليه".

فيما قال محمد شحاته، مستشار النفسية السابق بمستشفى المعادي العسكري، الذي كان مسؤلا عن كتابة التقرير، إن حسن استفاد من واقعة سليمان خاطر.

وشدَّد على وجود حالة تعاطف عامة -آنذاك- مع الجندي المصري، موضحا أنه جرى الاتفاق خلال كتابة التقرير الطبي على حل وسط، باعتبار حسن مسؤولا مسؤولية جزئية عن أفعاله؛ حتى يتم إعفاؤه من المسؤولية الكلية التي قد تضعه تحت مقصلة الإعدام، وإعفاؤه كذلك من تشخيص عدم المسؤولية الذي كان سيضعه بقية حياته في مستشفى للأمراض العقلية.

ولذلك ربما كان حسن أفضل حالا في محاكمته من سليمان خاطر الذي مات "منتحرا"، وفق الرواية الأمنية التي تصر أسرته على نفيها.

وأكد شحاتة على أن القيادات العسكرية في بلاده أيدت الخطة الطبية، باعتبار حسن بطلا لا يقل جسارة عمن خاضوا حروبا ضد إسرائيل، وبذلك لم تتم التضحية به مثلما تمت التضحية بسليمان خاطر.

المصدر : الجزيرة