تصاعد التحذير الإسرائيلي من تنامي شعبية حماس في القدس.. لماذا الآن؟

تعكس عملية الشهيد أبو شخيدم -من وجهة النظر الإسرائيلية- تغييرا جوهريا في مخطط حماس لإدارة الصراع في القدس والمسجد الأقصى، لكنها تظهر أيضا إخفاق أجهزة الأمن الإسرائيلية استخباراتيا في الكشف عنها وإحباطها قبل وقوعها.

Israeli security personnel secure the scene following an incident in Jerusalem's Old City
جنود إسرائيليون يغلقون طريق باب السلسلة المؤدي إلى المسجد الأقصى في القدس، بعد الاشتباك المسلح بين المقدسي فادي أبو شخيدم وقوات الاحتلال (رويترز)

القدس المحتلة- أعاد الاشتباك المسلح الذي خاضه المقدسي فادي أبو شخيدم وقوات الاحتلال الإسرائيلي -قرب باب السلسلة على مداخل المسجد الأقصى المبارك الأحد الماضي- المخاوف الإسرائيلية من تنامي شعبية حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في مدينة القدس، حيث عُرّف المنفذ كأحد عناصرها البارزين في المدينة، ونعته الحركة في بيان رسمي.

وازداد الحديث الإسرائيلي عن تصاعد شعبية الحركة في القدس منذ الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة، والذي جاء بعد توجيه المقاومة الفلسطينية صواريخها إلى أهداف إسرائيلية ردّا على اقتحامات المستوطنين للأقصى، ثم انطلاق مواجهات واسعة نصرة للقدس ورفضا لترحيل أهالي حي الشيخ جراح في مايو/أيار الماضي.

وتعكس التحذيرات الإسرائيلية من تصاعد حماس؛ الصراعَ الدائر حول القدس والمسجد الأقصى، وضرورة الدفاع عنها، وهو ما يُعتقد أنه ترسّخ في عقلية الفلسطينيين والشباب خاصة، عقب أحداث القدس الأخيرة ومع تصعيد سلطات الاحتلال الهجمة على نشطاء الفصائل والحراكات الشبابية المناهضة لإجراءاتها الرامية لترحيل سكان حيي الشيخ جراح وسلوان.

صعد الخطاب السياسي الإسرائيلي من الحديث عن تنامي شعبية حماس بالقدس والأقصى (الجزيرة)

تهويل لضرب المد الإسلامي

ويعتقد صالح لطفي -الباحث في الحركات الإسلامية- أن الحكومة الإسرائيلية تتعمد بهذه المرحلة الحديث عن تصاعد شعبية حماس في القدس، وذلك في سياق التهويل والتحريض الذي ينسجم مع سياستها لمواجهة المد الإسلامي في فلسطين التاريخية، توطئة لضربه وإعادته عشرات السنوات إلى الوراء.

ويستذكر لطفي الممارسات الإسرائيلية التي عمدت -بعد الانتفاضة الثانية (من 2000 إلى 2004)- إلى ضرب المشروع الإسلامي في القدس والداخل الفلسطيني، وإغلاق وحظر المؤسسات والجمعيات التي تنتمي للحركة الإسلامية والتي كانت تنشط بالقدس والمسجد الأقصى، وملاحقة قادتها ومحاكمتهم وتجريم عملهم.

وتناغمت هذه السياسة -وفق الباحث- مع ما قامت به السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية من تفكيك الجمعيات الخيرية التي شكّلت البينة التحتية المدنية والسياسية لحركة حماس في الضفة الغربية.

وعزا لطفي التهويل الإسرائيلي لشعبية حماس والتخويف منها، لأسباب داخلية عند حكومة اليمين المتطرف بزعامة نفتالي بينيت، والتي تسعى لاستخدام "فزاعة التيار الإسلامي" لتثبيت مكانتها وضرورتها بين الإسرائيليين، وأيضا عند الأنظمة العربية المطبّعة، ولدى الإدارة الأميركية، وهي الحكومة التي توصف بـ"الهشة والضعيفة".

لكن من جهة أخرى، يرى لطفي الباحث في الشأن الإسرائيلي أيضا، أنه لا يمكن عزل التهويل الإسرائيلي -الذي يدور حول تنامي شعبية حماس والتحريض عليها- عن الشعبوية التي تهيمن على اليمين المتطرف في إسرائيل والتي باتت تيارا رئيسا في الحكم.

ويقول الباحث إن حكومة بينيت تتناغم مع الجمعيات الاستيطانية النشطة في القدس، ومع أجندتها ومخططاتها وأيديولوجياتها التي تعتمد على فكر وتيار الصهيونية الدينية.

لذا، يعتقد لطفي أن التحريض الإسرائيلي على الحركة الإسلامية في القدس، يهدف إلى فرض سياسات احتلالية وتهويدية واستيطانية في البلدة القديمة والمسجد الأقصى وتنفيذ مخططات التهجير والهدم في حيي الشيخ جراح وسلوان. مشددا على أن "الوجود الإسلامي بالقدس وبفلسطين عامة، قوي جدا وليس مرتبطا بفصيل دون آخر".

ولا يستبعد لطفي أن تتمادى سلطات الاحتلال في اتخاذ إجراءات قاسية ضد حماس في الأيام القادمة، وخاصة في القدس والضفة والداخل، وهو ما سيستدعي المواجهة مع الفلسطينيين، والتي قد تتصاعد بوتيرة غير مسبوقة.

تصاعد الصراع في القدس

أما من وجهة نظر إسرائيلية، فيعتقد يؤاف شطيرن -الصحفي الإسرائيلي المختص بالشؤون العربية والفلسطينية- أن الاشتباك المسلح الذي نفذه المقدسي فادي أبو شخيدم -والذي قالت حماس إنه أحد مناصريها- يشير إلى تصاعد غير مسبوق بوتيرة الصراع بين حماس وإسرائيل في القدس.

ويقول شطيرن -للجزيرة نت- إن "تنامي هذا الصراع عكسته الحرب الأخيرة على غزة، التي انطلقت شرارتها من القدس والمسجد الأقصى و"الشيخ جراح". مضيفا أن "حماس كانت صاحبة القول الفصل، وأكدت عملية باب السلسلة تعاظم شعبيتها في المدينة".

ووصف شطيرن العملية بـ"النوعية" و"المختلفة عن سابقاتها"، كونها جاءت بأسلوب الاشتباك المسلح بين القوات الإسرائيلية ومنفذ العملية، الذي استعمل السلاح والرصاص الحي وأوقع قتلى ومصابين إسرائيليين، وذلك خلافا للعمليات السابقة التي كانت يستخدم فيها مهاجمون فلسطينيون سكاكين دون التمكن من إيقاع قتلى.

وتنظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية -وفق شطيرن- بخطورة بالغة لهذا التحول النوعي في شكل الهجمات الفلسطينية بالقدس. ويقول إن "عملية باب السلسلة خُطط لها من قبل شخص ينتمي لحماس، وكان في نفس الوقت معلما بمدرسة تابعة لوزارة المعارف الإسرائيلية وبإشراف بلدية القدس (إدارة إسرائيلية)، بينما نُفّذت العمليات السابقة دون تخطيط وبشكل عفوي، وغالبيتها كانت تُحبط من قبل الشرطة الإسرائيلية".

مقتل مستوطن وجرح 4 أشخاص بالقدس.. من قام بالعملية؟ Workers clean the pavement of blood following a shooting incident in Jerusalem's Old City November 21, 2021. REUTERS/Ammar Awad TPX IMAGES OF THE DAY
أدى الاشتباك الذي خاضه أبو شخيدم إلى استشهاده بعد أن قتل مستوطنا وجرح 4 آخرين في البلدة القديمة (رويترز)

إخفاق استخباراتي

وصحيح أن العملية تعكس من وجهة النظر الإسرائيلية -حسبما يقول شطيرن- تغييرا جوهريا في مخطط حماس لإدارة الصراع في القدس والمسجد الأقصى"، لكن هذا لا يعني هيمنة الحركة على المشهد المقدسي، كما يقول.

ويضيف شطيرن "بالنسبة للإسرائيليين، هناك إجماع على أن نجاح العملية جاء بسبب إخفاق استخباراتي حال دون إحباطها".

لكن الصحفي الإسرائيلي، يرى أن ما يحدث في القدس القديمة، خاصة، هو محاولة من حماس لتغيير المعادلة وموازين القوى وتعزيز تغلغلها بين المقدسيين، فيما تسعى إسرائيل لإحكام سيطرتها والترويج لفرض سيادتها في القدس الكبرى دون منازع".

ويرجح شطيرن أن هذا الصراع سيشتد وسيحتدم، لكن حتى ذلك الحين يعتقد أن كل قطب فيه، سواء حماس أو المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، سيسعى لتحقيق منجزات على الأرض وتثبيت حضوره ووجوده.

واستبعد الصحفي الإسرائيلي أن يتمكن أي طرف من حسم الصراع لصالحه بشكل نهائي في القدس، مؤكدا أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ستكثف من حملاتها ضد عناصر حماس بالقدس والضفة الغربية، وستضرب بشدة التنظيمات الفلسطينية "التي تشكل تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي".

المصدر : الجزيرة