في ذكرى افتتاحها.. قناة السويس بين ثراء التاريخ ومخاطر المستقبل

152 عاما مرت على افتتاح قناة السويس (الفرنسية)

القاهرة – رغم مرور 152 عاما على افتتاحها في مثل هذه الأيام من عام 1869، فإن قناة السويس تحافظ على أهميتها الإستراتيجية كأحد أهم المعابر الملاحية في العالم، فهي تربط بين الشرق والغرب، وتعدّ شريانا رئيسيا للاقتصاد المصري.

وتحاول الحكومة المصرية مواجهة المخاطر المحتملة من إنشاء قنوات ملاحية بديلة في الشرق والشمال، بتطوير القناة وتوسيعها وتحويلها لمنطقة اقتصادية شاملة.

وفقا لموقع هيئة قناة السويس، يبدأ التاريخ الحقيقي للقناة من فرمان الامتياز الأول وما تلاه من فرمانات مرورا بضربة الفأس الأولى في أعمال الحفر، وصولا إلى انتهاء أعمال الحفر في أغسطس/آب 1869 بمشاركة 20 ألفا من العمال المصريين في ظروف إنسانية قاسية.

وفي حفل أسطوري أقيم يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1869، افتتح الخديوي إسماعيل القناة بحضور 6 آلاف مدعو تتقدمهم الإمبراطورة أوجيني زوجة إمبراطور فرنسا نابليون الثالث، إضافة إلى إمبراطور النمسا وملك المجر وولي عهد بروسيا وشقيق ملك هولندا وسفير بريطانيا لدى أستانة عاصمة الدولة العثمانية، وغيرهم من كبار رموز السياسة في مصر والعالم.

إغلاق القناة

مع نمو حركة التجارة العالمية، باتت قناة السويس في قلب الاهتمام الدولي، وهو ما عرّضها لأزمات عدة.

ففي 26 يوليو/تموز 1956 أعلن الرئيس جمال عبد الناصر قراره التاريخي بتأميم قناة السويس، ليشعل ما تعرف بأزمة السويس التي قادت إلى عدوان ثلاثي شنته كل من إسرائيل وفرنسا وإنجلترا، وغلق المجرى الملاحي للقناة خلال الحرب، وانتهى العدوان بانسحاب القوات المعتدية وبقاء القناة تحت السيادة المصرية.

وتعرضت القناة للإغلاق مرة أخرى عقب نكسة يونيو/حزيران 1967 خلال عهد عبد الناصر، حتى أعيد افتتاحها في يونيو/حزيران 1975، حيث خطب الرئيس أنور السادات واصفا قناة السويس بأنها "همزة للوصل بين القارات والحضارات، عبرها المصريون بأروح شهدائهم لنشر السلام والأمان على ضفافها، لتكون رافدا للسلام وشريانا للازدهار والتعاون بين البشر".

توسعة جديدة

وكانت توسعة قناة السويس، أو ما يصفها الإعلام المصري بـ"قناة السويس الجديدة"، أول المشروعات التي تقدم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي للشعب المصري، وتم افتتاحها في أغسطس/آب 2015 في حفل كبير، قال البعض إنه تذكير بحفل افتتاح القناة في عهد الخديوي إسماعيل.

وتعرضت التوسعة الجديدة لانتقادات معارضين بسبب الجدوى الاقتصادية، فضلا عن إصرار السيسي على تقليل زمن الحفر بما استدعاه من إنفاق سيولة مالية كبيرة كانت البلاد في حاجة لها، فضلا عن عدم ظهور أثر كبير لهذه التوسعة.

في المقابل، يقول موقع الهيئة العامة للاستعلامات (حكومية) إن التوسعة الجديدة جعلت القناة "ليست مجرد معبر يختصر المسافات بين الشرق والغرب، ولكن مركزا لوجيستيا عالميا متكاملا، يساهم في تحويل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس إلى منطقة تجارة عالمية، ويهدف إلى توفير دخل إضافي للقناة من إيرادات عبور السفن وخاصة السفن العملاقة، وكذلك إقامة مشروعات عملاقة على جانبي القناة وإقامة مجتمعات عمرانية جديدة".

ويرى البعض أن طموحات تحويل القناة إلى منطقة اقتصادية شاملة وليس مجرد ممر مائي لم تتحقق حتى الآن، رغم النجاح في شق تفريعة قناة السويس الجديدة والمشروعات الجديدة لتطوير مجرى القناة.

وتركز أغلب مشروعات التطوير على توسيع وتعميق مجرى القناة، ففي مايو/أيار الماضي وافق السيسي على مشروع لتطوير المجرى الملاحي للقناة بالبحيرات المرة الصغرى، يستهدف ازدواج المنطقة من الكيلومتر 122 إلى الكيلومتر 132 بطول 10 كيلومترات، تضاف إلى التفريعة الجديدة ليصل طولها لنحو 82 كيلومترا، كما يستهدف المشروع توسعة وتعميق المنطقة الجنوبية لقناة السويس بداية من الكيلومتر 132 وحتى الكيلومتر 162.

نجاح رغم أزمة الجائحة

وفي أغسطس/آب الماضي، تحدث المركز الإعلامي لمجلس الوزراء عما وصفه بالنجاح الذي حققته القناة، رغم أزمة كورونا التي عصفت بحركة التجارة العالمية، موضحا أن 12% من حجم التجارة العالمية تمر عبر قناة السويس.

وأشار التقرير إلى زيادة القدرة الاستيعابية للقناة لتبلغ 97 سفينة في اليوم مقارنة بنحو 77 سفينة في اليوم قبل افتتاح التفريعة الجديدة، بالإضافة إلى السماح بعبور السفن بغاطس 66 قدما في كلا الاتجاهين.

وقال التقرير إن القناة سجلت أعلى إيراد سنوي في تاريخها عام 2020-2021 بواقع 5.84 مليارات دولار، مقارنة بـ5.72 مليارات دولار عام 2019-2020.

ورغم انخفاض حركة التجارة العالمية بسبب جائحة كورونا، فإن القناة أعلنت زيارة رسوم العبور لجميع السفن هذا الشهر بنسبة 6% خلال عام 2022، على أن يبدأ تطبيق الزيادة المقررة بداية من شهر فبراير/شباط القادم، مع استثناء السفن السياحية وناقلات الغاز الطبيعي المسال من هذه الزيادة.

مخاطر محتملة

وخلال أزمة السفينة العالقة "إيفر غيفن" (Ever Given) التي سدت المجرى الملاحي للقناة أواخر مارس/آذار الماضي، عاد الحديث عن المخاطر التي قد تواجهها القناة والمشروعات البديلة التي تخطط لها دول أخرى لمنافسة قناة السويس.

وتتجه بعض سفن الشحن إلى سلك طريق رأس الرجاء الصالح الذي يدور حول قارة أفريقيا، بسبب تراجع أسعار النفط وحركة التجارة العالمية، وذلك بهدف تخفيض التكلفة المادية بدلا من دفع رسوم عبور القناة، رغم طول الوقت المستغرق في الرحلة.

أبرز التهديدات لقناة السويس تأتي من المشروع الإسرائيلي لحفر قناة موازية لقناة السويس لربط مينائي إيلات وعسقلان، وظل هذا المشروع مطويا لسنوات طويلة بسبب نقص التمويل، لكن التطبيع بين إسرائيل والإمارات قد يعيده إلى الحياة، وفق مراقبين.

وفي الربع الأخير من عام 2020 وقعت الإمارات وإسرائيل اتفاقا يستهدف نقل نفط الخليج إلى أوروبا عبر خط أنابيب يربط بين ميناء إيلات على البحر الأحمر وميناء عسقلان على البحر المتوسط، والذي يمر معظمه عبر قناة السويس الآن.

كما قد يحمل بحر الشمال تهديدا مماثلا، حيث تخطط شركة الطاقة الروسية لمشروع قناة في بحر الشمال، يسمح للسفن بالوصول إلى الموانئ الروسية في أقل من 15 يوما، وتخطط روسيا لاستخدام الممر البحري الجديد لتصدير النفط والغاز إلى الأسواق الخارجية، مما قد يشكل تهديدا كبيرا لقناة السويس.

كما تخطط الصين لإيجاد طريق بديل لتسيير سفنها يقع بالكامل في المياه الدولية، يمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي عبر المحيط المتجمد الشمالي، ويمر بالقرب من القطب الشمالي.

ويبقى هذا الاختيار شائكا بسبب حاجة السفن إلى كاسحات الجليد الثقيلة، مما يجعله غير مناسب لحركة الملاحة البحرية التجارية حاليا، لكن قد يحمل مستقبلا جيدا بسبب التغييرات المناخية والتطور التكنولوجي في صناعة كاسحات الجليد.

قناة السويس خارج المنافسة

في المقابل، يرى الاقتصادي مصطفى عبد السلام أن طريق رأس الرجاء الصالح هو التهديد الأكبر لقناة السويس، في حين أن باقي المشاريع الأخرى قد تواجهها صعوبات جمة تتعلق بطبيعة التضاريس مثل الصخور كما هي الحال مع المشروع الإسرائيلي، والجليد بالنسبة للمشروع الروسي، بالإضافة إلى أن مثل هذه المشاريع تحتاج إلى مليارات الدولارات لإنجازها، وهو ما قد لا تقدر عليه العديد من الدول.

ويؤكد عبد السلام -في حديث سابق للجزيرة نت- أنه لا يزال مقتنعا بأن قناة السويس ما زالت، وستظل خلال السنوات المقبلة، الممر الملاحي الأهم بالعالم.

وهذا ما يؤكده رئيس قناة السويس الفريق أسامة ربيع، نافيا أن تكون في خطر حقيقي، ومؤكدا أن خط أنابيب إيلات عسقلان لا يمثل تهديدا للقناة ولا يمثل في مجمله إلا 7% من قيمة ما يمر عبر قناة السويس، إذا افترضنا أن بترول الخليج كله يمر عبر هذا الخط، كما أن عسقلان تطل على البحر المتوسط مما يضطر لإعادة تحميل النفط على ناقلات، الأمر الذي يزيد من المسافة والتكلفة والزمن.

ويضيف ربيع في تصريحات تلفزيونية سابقة أن "قناة السويس الجديدة" جعلت القناة تبعد تماما عن أي منافسة، حيث توفر عامل الأمان بنسبة أكبر من مشروعات مماثلة في الشمال حيث تستلزم وجود كاسحة جليد أمام السفن العابرة، أما في قناة السويس "فأنت تعطي تسعيرا جيدا، وخدمة جيدة، وسرعة وأمانا"، على حد قوله.

المصدر : الجزيرة