بين آمال المعتقلين وجدل الإلزام القانوني.. ماذا بعد توصية أفريقية بوقف إعدامات بمصر؟

أحكام الإعدام بمصر.. ورقة تحت الطلب
معتقلون مصريون يواجهون خطر الإعدام (الجزيرة)

القاهرة- تحركات ومساع دولية سلكتها منظمات حقوقية مصرية، من أجل وقف تنفيذ أحكام إعدام عدد من المعارضين لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، أحدثها قرار من اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان بتعليق تنفيذ أحكام بالإعدام.

التحركات التي يقوم بها النشطاء المصريون وما ينتج عنها أحيانا من قرارات لمؤسسات ومنظمات حقوقية إقليمية ودولية، تدفع البعض للتساؤل عن مدى جدواها في ظل كون هذه القرارات تفتقد قوة الإلزام القانوني، فيما يرى آخرون أنها خطوات جيدة يمكن البناء عليها للمستقبل.

وفي الأسبوع الماضي حصلت مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان (مصرية تعمل بالخارج)، ومؤسسة بندمان القانونية البريطانية، على قرارين متماثلين، من اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التابعة للاتحاد الأفريقي، بإيعاز للحكومة المصرية، أن توقف مؤقتا تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق معتقلين سياسيين.

الجزيرة نت تحدثت إلى مدير مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان محمود جابر، فقال إن توصية اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان ملزمة للحكومة المصرية بتعليق تنفيذ إعدامات صدرت قبل أشهر بحق معارضين، لحين تنفيذ مطالب محددة من جانب اللجنة، بحسب حديثه للجزيرة نت.

في الوقت نفسه، يرى باحث متخصص في القانون الدولي، تحدث للجزيرة نت، أن هذه القرارات فرصة جيدة يمكن استثمارها دوليا، للمطالبة بإيقاف تنفيذ أحكام الإعدام في مصر، إذا أحسن استغلالها.

تعليق مؤقت

وعن تفاصيل ما حدث أوضح جابر أن مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان تقدمت بشكوى ضد الحكومة المصرية إلى اللجنة الأفريقية، في الأول من أغسطس/آب 2021، عقب صدور حكم من محكمة النقض بتأييد حكم الإعدام على 12 شخصا، في القضية المعروفة إعلاميا بفض اعتصام رابعة العدوية.

وأضاف الحقوقي المصري أن الطلب الرئيسي في الشكوى كان إصدار أمر بإلغاء حكم الإعدام، وطلبا آخر احتياطيا وهو إصدار أمر مؤقت بتعليق تنفيذ الحكم، الذي يفترض أن يتم تنفيذه بعد التصديق عليه من رئيس الجمهورية.

وأوضح أنه "نظرا لخطورة تنفيذ الحكم أثناء نظر الشكوى، وهو خطر يستحيل تداركه، أصدرت اللجنة قرارها في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي بتعليق تنفيذ حكم الإعدام".

وشدد على أنه يتعين تقديم الأدلة والحجج بشأن المقبولية والأسس الموضوعية في غضون 60 يوما وفقا لقواعد الإجراءات، مضيفا "نحن في بداية الطريق، وأمامنا جهد شاق لأجل الوفاء بالتزامنا والاستجابة لطلب اللجنة".

قرار ملزم

وحول جدوى القرار، أجاب جابر أن هناك جدلا دائرا حول قوة القرار، ومدى جدواه وهل هو ملزمُ أو غير ملزم، موضحا أن اللجنة معنية بحماية حقوق الإنسان، وتستمد شرعيتها وصلاحيتها من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان، وهو معاهدة دولية صاغتها الدول الأفريقية تحت غطاء منظمة الوحدة الأفريقية سابقا (الاتحاد الأفريقي حاليا)، علما بأن مصر قامت بالتصديق على الميثاق الأفريقي في 20 مارس/آذار 1984.

واعتبر مدير مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان أن "مصر ملزمة بقرارات اللجنة الأفريقية" بموجب ذلك التصديق، حتى وإن كانت اللجنة لا تملك سلطة مباشرة لإجبار الدولة على الالتزام.

لكنه استدرك بأن "الميثاق الأفريقي وقواعد إجراءات اللجنة الأفريقية، تعطيها الحق في إحالة ذلك إلى الاتحاد الأفريقي ورئاسته لاتخاذ إجراء ضد الدول التي لا تلتزم بقرارات اللجنة، خاصة في حالة الخطر الجسيم الذي لا يمكن تداركه كما في أحكام الإعدام، والاعتداء على الحق في الحياة".

وأَضاف "كما أنه يحق للجنة بعد الفصل في موضوع الشكوى والوصول لجدارتها، أن تقوم بإحالة الشكوى إلى المحكمة الأفريقية"، قبل أن يختم بالدعوة إلى استثمار كافة القرارات الدولية والإدانات، وذلك في محاولة لوقف تنفيذ كافة "أحكام الإعدام السياسية المخالفة لقواعد العدالة والإنصاف العالمية والمحلية" حسب قوله.

قرار ثان

كانت جماعة الإخوان المسلمين، قد أكدت أيضا قبول اللجنة الأفريقية شكوى تقدم بها محاميها البريطاني، طيب علي، وأنها أصدرت توصية ثانية للقاهرة بتعليق تنفيذ إعدام 26 من قياداتها الصادر بحقهم حكم بالإعدام، دون تقديم تفاصيل بشأنهم.

وذكر بيان للجماعة "نحن إذ نرحب بهذه الخطوة من قبل المفوضية الأفريقية، ونثمن جهود كل من شارك في إصدار هذا الأمر، ندعو كل المحافل الدولية أن تقوم بدورها لوقف هذه الانتهاكات ضد المعتقلين السياسيين من أبناء الشعب المصري".

إجراءات خاصة

من جانبه، قال المحامي البريطاني طيب علي، إن اللجنة "منحت مصر 15 يوما للتأكيد على أن الإجراءات الخاصة سوف يتم تطبيقها، و60 يوما لتقديم الحجج المتعلقة بمقبولية شكوى المدانين".

وفي بيان له، قال المحامي البريطاني التابع لمؤسسة بندمان القانونية البريطانية إن "هؤلاء الرجال يمكن أن ينفذ فيهم حكم الإعدام في الحال، وذلك على الرغم من أنهم أدينوا في محاكمات جماعية انتقدتها كبريات منظمات حقوق الإنسان العالمية، بسبب مخالفتها للنظم والأعراف القانونية وانتهاكها لمعايير المحاكمة النزيهة"، بحسب وصفه.

وأوضح أن "الشكاوى المقدمة تضمنت الإخفاق في الوفاء بمعايير المحاكمة النزيهة، والإخفاق في توجيه ادعاءات محددة ضد كل واحد من المتهمين".

حجر أساس

في هذا السياق، قال الباحث المتخصص في القانون الدولي بمركز مونتغومري للدراسات بولاية بنسلفانيا الأميركية، سعيد عفيفي، إن قرار اللجنة الأفريقية، يمكن أن يكون حجر أساس للتحرك الدولي لإنقاذ كافة المعتقلين، إذا أُحسن استخدامه.

وأشار عفيفي إلى أن البناء على التقارير الدولية لا بد وأن ينبع من الدستور وقانون السلطة القضائية المصري، لأنه لا يسمح بإنشاء محاكم استثنائية إلا في حالتي الحرب والقوة القاهرة، لكن السلطة في مصر "بعد انقلاب يوليو/تموز 2013، قامت بإنشاء محاكم استثنائية بالمخالفة للدستور، وبالتالي كل أحكامها باطلة"، بحسب تعبيره.

وفيما يخص كيفية استثمار مثل هذا القرار في تحريك ملف الإعدامات دوليا، قال عفيفي "لا بد من التواصل مع المحاكم في بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، وتحريك قضايا جنائية ضد المسؤولين المصريين".

وأشار إلى وجود تحركات سابقة في شأن أحكام الإعدام، مثل قيام مجموعة من النشطاء الحقوقيين (منسقو حملة إلغاء الإعدامات المسيّسة في مصر) بالاعتصام والإضراب عن الطعام أمام مبنى الأمم المتحدة في يوليو/تموز الماضي، للمطالبة بالتدخل لإيقاف تنفيذ هذه الأحكام.

وختم عفيفي حديثه بالتأكيد على أن "باب القضاء الدولي مفتوح ويمكن استعماله"، لكن التساؤل يبقى عن "مدى وجود الإرادة الحقيقية لدى المعارضة المصرية للتحرك في هذا الشأن"، على حد قوله.

المصدر : الجزيرة