لمواجهة شح المياه.. جهود لاستخلاص حصص العراق المائية من مصادرها في تركيا وإيران

جفاف أحد الأنهار في جنوب العراق بعد قطع مصادره من إيران (الفرنسية)

بغداد – في إطار السعي لتحصيل حقوقه المائية، يقوم العراق بجهود دبلوماسية منذ سنوات مع الجارتين تركيا وإيران لضمان عودة تدفق المياه من مصادرها لتصب في أنهار العراق وتنقذه من خطر شح المياه. ورغم تحقيق بغداد تقدما بالحوار مع أنقرة في هذا الإطار فإنها تواجه عثرات في المفاوضات مع طهران قد تضطره لتدويل المشكلة.

وتقول وزارة الموارد المائية العراقية إنه بعد أن استنفدت كل خياراتها السياسية والدبلوماسية مع الجانب الإيراني لإنهاء أزمة قطع المياه عن 42 نهرا، فإنها وجهت خطابا لوزارة الخارجية طالبت فيه بتدويل ملف أزمة المياه مع إيران.

وقالت وزارة الموارد المائية العراقية إن طهران على مدار السنوات الماضية رفضت كل الدعوات العراقية التي وجهت لها للجلوس على طاولة الحوار من أجل مناقشة أزمة شح المياه، مشترطة اعتراف مسبق من بغداد باتفاقية الجزائر مقابل قبولها لهذه الدعوات والتفاوض.

حاتم حميد: مفاوضات العراق مع تركيا مستمرة لمعالجة أزمة شح المياه في نهري دجلة والفرات (مواقع التواصل الاجتماعي)

بغداد وأنقرة

ذكر المدير العام للمركز الوطني في وزارة الموارد المائية حاتم حميد للجزيرة نت أن مفاوضات العراق مع تركيا مستمرة لمعالجة أزمة شح المياه في نهري دجلة والفرات، مؤكدا على أن هذه الحوارات هي من مهد الطريق لتمرير مذكرة التفاهم في البرلمان التركي قبل فترة والموقعة بين الطرفين عام 2014.

والمذكرة ينتظر دخولها حيز التنفيذ بعد مصادقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عليها في الأيام المقبلة، حيث اعترفت أنقرة للمرة الأولى بأن نهري دجلة والفرات من الأنهار المشتركة بين الدولتين.

كما أوصت المذكرة -حسب حميد- بإطلاق حصص مائية عادلة ومنصفة في نهري دجلة والفرات، مما لا يسبب الضرر للعراق، من خلال إبرام مذكرات تفاهم جديدة أو اتفاقات أو بروتوكولات تنفيذية تحدد حجم حصص العراق من كميات المياه.

وتماشيا مع نصوص هذه المذكرة أرسلت الحكومة العراقية مؤخرا بروتوكولا إلى الجانب التركي تقترح فيه تنظيم المياه في نهر دجلة، وفقا لحميد الذي يقول "ننتظر رد الأتراك على هذا البروتوكول لنقوم بدراسته قبل الرد عليه، وبعد ذلك التوقيع عليه".

تخويل سوري

لم تكن دمشق بعيدة عن هذه المفاوضات والمحادثات القائمة بين بغداد وأنقرة منذ فترة طويلة، استنادا لكلام المدير العام للمركز الوطني، الذي أوضح أن الحكومة السورية خولت العراق بالتفاوض نيابة عنها مع الجانب التركي بسبب الخلافات بينهما من أجل تحديد حجم إطلاقات المياه في نهر الفرات الذي يمر بسوريا ومنها إلى العراق.

وتابع حميد حديثه بالقول إن الحكومة السورية عبرت عن استعدادها للحضور في الاجتماعات العراقية التركية المتعلقة بالجوانب الفنية للتوصل إلى حل قضية مشكلة شح المياه التي يتعرض لها نهر الفرات.

ولم تقتصر مفاوضات مشكلة شح المياه على الجانب التركي والسوري فحسب، بل شملت كذلك الجانب الإيراني الذي تسبب بقطع مياه 42 نهرا مشتركا مع العراق، مشترطا -من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات- اعتراف بغداد باتفاقية الجزائر عام 1975.

واتفاقية الجزائر وقعت بين العراق وإيران في السادس من مارس/آذار عام 1975، وتضمنت مجموعة من البنود والفقرات، من أهمها تقاسم شط العرب بين الدولتين، واحتوت على بروتوكولات لتنظيم عملية توزيع المياه القادمة من الأراضي الإيرانية باتجاه العراق.

جانب من تداعيات شح المياه القادمة إلى العراق من الدول المجاورة (مواقع التواصل)

تدويل ملف المياه

ويصف حميد المفاوضات مع الإيرانيين "بالمعقدة"، لأنهم يشترطون العودة إلى اتفاقية الجزائر، مشيرا إلى أن العراق عبّر عن رفضه لهذا الشرط، واقترح مناقشة البروتوكول الموجود في هذه الاتفاقية والذي ينظم تدفق المياه في الأنهار المشتركة.

وألغى العراق هذه الاتفاقية عام 1980، الأمر الذي تسبب في إشعال حرب الخليج الأولى والتي امتدت إلى 8 سنوات.

وبسبب الموقف الإيراني ورفضه للمفاوضات، وجهت وزارة الموارد المائية قبل نحو شهرين خطابا إلى وزارة الخارجية العراقية تطالبها بتدويل ملف المياه مع إيران والتوجه نحو المجتمع الدولي، وفقا للمسؤول الحكومي حميد.

وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني كان قد اعتبر اتفاقية الجزائر الموقعة بين بغداد وطهران عام 1975 -والخاصة بتحديد الحدود بين البلدين في شط العرب- ملغاة.

أحمد الصحاف
أحمد الصحاف: إن رؤية الخارجية العراقية هو الالتزام بالحوار الفني سبيلا للحفاظ على مصالح العراق (الصحافة العراقية)

موقف الخارجية

وللتعليق على طلب وزارة الموارد المائية بالتحرك نحو المجتمع الدولي لتدويل قضية مشكلة أزمة المياه مع طهران، توجهت الجزيرة نت إلى المتحدث باسم الخارجية العراقية أحمد الصحاف الذي وصف الأمر بالحساس، واكتفى بالقول "إن رؤية الخارجية هو الالتزام بالحوار الفني سبيلا للحفاظ على مصالح العراق".

من جانبه، يرى نقيب الجيولوجيين العراقيين ظافر عبد الله حسين أن وزارة الخارجية على علم واطلاع بمثل هذه القضايا الحساسة، معتقدا أنها تسعى لجعل ملف شح المياه مع إيران "باردا" وشبيها بالملف المائي مع تركيا دون إثارة مشاكل.

حسين اعتبر أن الخارجية العراقية حريصة على حل الإشكال مع إيران بطريقة ودية (مواقع التواصل)

ولفت حسين إلى أن "النظام السابق عاد إلى تفعيل العمل باتفاقية الجزائر بعد حرب الخليج الثانية عقب انسحابه منها"، موضحا أن إلغاء الاتفاقية من طراف واحد لا يعني شيئا كونها موثقة في الأمم المتحدة منذ عام 1975.

وأجبر شح المياه وزارة الموارد المائية على حفر أكثر من 150 بئرا وتأهيل 60، لتلبية احتياجات محافظة ديالى من المياه وإيصالها إلى محطات الإسالة بعد جفاف أغلب الأنهار القادمة من إيران.

المصدر : الجزيرة