أزمة تصريحات قرداحي.. ما سيناريوهات مصير حكومة ميقاتي؟

يطرح مراقبون عدة سيناريوهات لمصير حكومة ميقاتي التي اجتمعت خلال شهر بعد تشكيلها 3 مرات فقط، وفشلت في عقد اجتماع في 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري بسبب مطالبة وزراء حزب الله وحركة أمل بعزل المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار.

Lebanon's Information Minister George Kordahi speaks at the presidential palace in Baabda
جورج قرداحي أدلى بتصريحات قبل تقلده منصبه بشأن حرب اليمن فجّرت أزمة بين دول خليجية ولبنان (رويترز)

يبحث المسؤولون اللبنانيون عن سبل لمعالجة تداعيات التدابير السعودية غير المسبوقة تجاه لبنان، بعد أن طلبت مغادرة سفير بيروت لديها، واستدعت سفيرها من لبنان وليد البخاري للتشاور، وأعلنت وقف استقبال جميع الواردات اللبنانية؛ وذلك على خلفية تصريحات لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حول حرب اليمن، وتضامنه مع الحوثيين.

وفي لحظة استعصاء سياسي وأمني واقتصادي، وضعت الإجراءات السعودية -في رأي كثيرين- علاقات لبنان مع المملكة ودول عربية على مفترق طرق خطير، مع اتخاذ البحرين والكويت إجراءات مماثلة للسعودية.

وكشفت التدابير السعودية عن مستويين للأزمة: أزمة دبلوماسية بأبعاد سياسية واقتصادية مع المملكة، يبحثها لبنان عبر تشكيل خلية أزمة وزارية برئاسة وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، بالتنسيق مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي لمعالجة تداعيات هذا التطور؛ وأعلن بوحبيب أنهم تواصلوا مع الأميركيين لحضور الاجتماع لأنهم قادرون على معالجة الأزمة مع الرياض.

والمستوى الثاني هو أزمة حكومية؛ إذ يتوقع مراقبون أن تهدد الإجراءات السعودية تماسك الحكومة، لأن نسيجها يعكس طبيعة المحاصصة والتوازنات السياسية في لبنان.

وأدلى قرداحي بتصريحات إعلامية قبل تقلده منصب وزير الإعلام، وصف فيها الحرب في اليمن "بالعبثية"، وقال إنها يجب أن تتوقف، ووصف ما يفعله الحوثيون بالدفاع عن النفس.

حكومة نجيب ميقاتي انعقدت 3 مرات فقط منذ تشكيلها (الفرنسية)

من يرأب الصدع؟

ولا يعول الباحث والمحلل السياسي جورج علم على قدرة الخلية الوزارية على رأب الصدع، لأن "تدهور العلاقات مع السعودية بلغ مرحلة تتطلب وساطة خارجية، نتيجة عجز لبنان عن الصمود أمام التصعيد السعودي والخليجي".

ويجد أن معالجة الأزمة تتطلب رأب الصدع من الداخل أولا، ثم التوافق حول آليته، وأن يكون مقبولا من السعودية، ومن القوى الوازنة في لبنان، "المنقسم عموديا بين محور إيران وحلفائها ومحور السعودية وحلفائها".

في حين يصف الكاتب والمحلل السياسي علي حمادة تركيبة الخلية الوزارية بالهجينة، "لأن وزير الخارجية جزء من حكومة يديرها حزب الله، والعلاج منوط مباشرة برئيسي الجمهورية والحكومة".

ويرى حمادة أن دول مجلس التعاون الخليجي تأخذ مواقف السعودية بعين الاعتبار، "مما يضع لبنان أمام خطر عزلة خليجية قاسية".

ويستبعد تراجع السعودية عن تصعيدها، ولا يتوقع نجاح أي وساطة خارجية. وإذا كانت الوساطة فرنسية فستكون مردودة لأن الرياض ترى الحكومة وليدة تواطؤ إيراني-فرنسي عزز نفوذ حزب الله، حسب رأيه. كذلك يرى أن "مصر لن تتدخل بوساطة ليست لمصلحة السعودية وموافقتها".

سيناريوهات الحكومة

تطرأ التساؤلات حول مصير حكومة ميقاتي التي اجتمعت خلال شهر بعد تشكيلها 3 مرات فقط، وفشلت في عقد اجتماع في 13 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بسبب مطالبة وزراء حزب الله وحركة أمل بعزل المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار، وما تلاها في 14 من الشهر نفسه من أحداث دامية بالطيونة.

وهنا يجد الكاتب والمحلل السياسي وسيم بزي أن "تشكيل الحكومة لم يناسب السعودية، وتسعى للإطاحة بها لأنها تدرك أن دفع قرداحي للاستقالة يعني تفخيخ الحكومة، ومصيرها لدى حزب الله واحد؛ إما يبقى قرداحي أو يسقط الجميع".

ويجد بزي أن لبنان يعيش مرحلة انتقالية مصيرية، بعد أن صار موعد الانتخابات البرلمانية في مهب الريح، ودخل عهد عون سنته الأخيرة.

وقال إن ميقاتي خبير سياسيا، ويدرك موقع الخليج، "لكنه يعرف أن لحظة التقاطع الدولية التي أنتجت حكومته بين إيران وفرنسا، وأميركا خلفها، ما زالت قائمة، و"حكومته حاجة إقليمية لمنع انفجار لبنان، ولا أحد يتحمل تبعات إسقاط حكومته".

ويتوقع ألا تتوقف السعودية عن التصعيد إذا لم تجنِ الثمار إقليميا، مما يفاقم المأزق الداخلي، لكن علي حمادة يرى أن الحكومة انطلقت متعثرة، والأزمة مع السعودية قادرة على الإطاحة بها، "فإما أن تتحول لما يشبه حكومة تصريف أعمال، أو تصبح قاب قوسين من السقوط".

من جهته، يجد جورج علم أن السعودية واضحة في مطالبها، وربما يصعب على لبنان تنفيذها، مذكرا بأن عجز الحكومة عن الاجتماع يضاعف الحرج اللبناني، ومصير الحكومة -في برأيه- يتعلق بموقف حزب الله والوساطات المرتقبة خارجيا.

مواقف متباينة

وعكست المواقف السياسية اضطرابا داخليا؛ فمن جهة دعا رؤساء حكومات سابقون جورج قرداحي إلى الاستقالة، وسبق أن حمّل زعيم تيار المستقبل سعد الحريري حزب الله ورئاسة الجمهورية مسؤولية الأزمة الدبلوماسية مع الرياض. في حين أعلن السبت رئيس تيار المردة سليمان فرنجية (وهو من سمّى قرداحي بالحكومة) أنه رفض عرض قرداحي الاستقالة، "لأنه لم يرتكب خطأ".

وربطت السعودية قراراتها أمس بـ3 مبررات: تصريحات جورج قرداحي، وعدم اتخاذ السلطات اللبنانية إجراءات صارمة لوقف تصدير المخدرات، وسيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية واتهامه بدعم الحوثيين في اليمن.

وعليه، تباينت آراء المحللين بين من يرى تدابير السعودية صادمة، في حين يراها آخرون متوقعة. ويرى جورج علم أن "تدابير الرياض صدمت السلطات واللبنانيين، وتمهد للخصومة وقطع العلاقات، خاصة أنها شملت الجانب الاقتصادي ووقف الواردات من لبنان".

ويجد علي حمادة أن إجراءات السعودية ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة مسار تراكمي من الغضب السعودي من مقاربة الحكومات اللبنانية المتعاقبة لما تراه المملكة اعتداء على أمنها. ويرى أن استقالة قرداحي تفصيل، و"الأزمة في نفوذ حزب الله وتفاعلات حرب اليمن".

ويرفض حمادة وصف تدابير السعودية بالتصعيد، لأن الاعتداء واقع من لبنان عليها وليس العكس؛ بـ"إرسال حزب الله الصواريخ الباليستية للحوثيين وتدريبه أفرادهم". والمشكلة الفعلية -حسب قوله- تكمن في دور لبنان وموقعه، و"استخدام أراضيه منطلقا لتهديد الأمن القومي السعودي ولوظائف إيران الإقليمية".

المصدر : الجزيرة