الخوف والجوع والتشريد.. ثلاثية تطارد النازحين في العراق بعد قرار إغلاق المخيمات

أطفال النازحين أكثر المتضررين سواء بوجودهم في المخيمات أو بعودتهم إلى مناطقهم (الجزيرة نت)

يمثل ملف التعايش السلمي وإعادة دمج المجتمع من جديد والعودة الآمنة للنازحين إلى مناطقهم واحدا من أكثر الملفات الشائكة التي تواجه الحكومة العراقية والمنظمات الإغاثية، وهو التحدي الأبرز بعد العمليات العسكرية لتخليص المناطق من سيطرة عليها تنظيم الدولة الإسلامية خلال السنوات من 2014 وحتى 2017.

وتشكل تلك المعوقات حاجزا كبيرا أمام مستقبل النازحين المجهول حتى الآن، وهذه العراقيل الكبيرة التي يعيشونها اليوم ساهمت فيها الحكومة بشكل واضح، وتدخلت فيها وزارة الهجرة والمهجرين بشكل خاص لتشترك في تكبير المصيبة التي يعانيها النازحون.

لم تكن رحلة النزوح سهلة، حيث مر الناس الهاربون من الحرب والموت بظروف عصيبة، لدرجة أن السكان بدؤوا يشعرون أنه لا جدوى بعد اليوم من العودة إلى مناطقهم الأصلية، وحتى لو عادوا فسيصدمون بواقع اجتماعي جديد كان يختلف عما كانت عليه الحياة قبل ظهور تنظيم الدولة، وهي أزمة أخرى تلاحق النازحين من جديد.

ناشطون يقدمون مساعدة لعوائل نازحة في عامرية الفلوجة (الجزيرة
ناشطون يقدمون مساعدة لعوائل نازحة في عامرية الفلوجة (الجزيرة)

الخوف من المستقبل
ثمة آثار نفسية واجتماعية واقتصادية للسكان الهاربين والعائدين إلى ديارهم بعد عمليات التحرير تتمثل برفض مجتمعي من قبل مواطنين آخرين.

يقول يوسف زياد -وهو مواطن مهجر من الطائفة الإيزيدية- للجزيرة نت إنه عاد مؤخرا إلى مدينته سنجار (في محافظة نينوى شمالي العراق)، إلا أنه يعاني من مشاكل كبيرة هو وعائلته تتمثل بعدم وجود فرص عمل، وانشغال سياسي بين حكومة إقليم كردستان والمركز في بغداد بشأن مصير سنجار، ولا يوجد اكتراث بالمشاكل التي يعانيها العائدون إلى مناطقهم.

ويضيف زياد "لدى عودتنا لم نشعر أن المدينة مثلما كانت، بل هناك تغييرات كبيرة وواضحة المعالم، كما أن مخاوفنا لا تزال مستمرة بشأن تحولنا لمركز صراع سياسي من أجل طموحات أحزاب وأشخاص لا أكثر".

وقال "يبدو أن الأمر ينطبق على جميع العائدين إلى مناطقهم في محافظة نينوى وليس فقط الإيزيديين، وهي محنة مستمرة، ونعتقد أننا سنواجه أياما صعبة خلال السنوات المقبلة".

وخلال الشهرين الماضيين عمدت الحكومة إلى إغلاق مخيمات النزوح في عدد من المحافظات بشكل مفاجئ، وسبّب هذا القرار قلقا لدى السكان الذين يخشون من انقطاع المساعدات الدولية.

أحد المخيمات في الحبانية بمحافظة الأنبار
أحد المخيمات في الحبانية بمحافظة الأنبار (الجزيرة)

فقدان الصبغة القانونية
بدورها، تقول علياء الأنصاري الناشطة والمدافعة عن حقوق الإنسان ومديرة منظمة بنت الرافدين إن الحكومة العراقية أعلنت عن إغلاق ملف النازحين بشكل رسمي، ولكن الوضع مختلف على أرض الواقع، فما زالت هناك مخيمات في الأنبار (غربي العراق)، والعوائل النازحة مقيمة هناك رغم سحب الصبغة الرسمية للمخيم وإخراجه من دائرة الهجرة والمهجرين.

وأشارت الأنصاري في حديثها للجزيرة نت إلى "إرجاع النازحين في مخيمات أخرى إلى مناطقهم بطريقة غير آمنة، حيث إن العديد منهم لا يستطيعون العودة إلى أماكنهم الأصلية التي نزحوا منها بسبب خلافات عشائرية أو قضايا أمنية تتعلق بارتباط أفراد في بعض الأسر بتنظيم الدولة، مما دفعهم إلى النزوح إلى مناطق أخرى مجهولة لدى الحكومة، أي هم الآن مجهولو الإقامة".

وتقول الأنصاري إنه لم يتم إغلاق ملف النزوح، بل تمت شرذمته، وهدر حقوق النازحين وحرمانهم من التعويضات التي وعدت بها الدولة، وتم تعريض الأمن المجتمعي بهذه الطريقة إلى مخاطر.

وتؤكد أن العوائل التي ما زالت في مخيمات بمحافظتي الأنبار وصلاح الدين فقدت الصبغة القانونية والشرعية، وحرمت بذلك من الدعم الدولي والمساعدات الإغاثية، مما يجعلها خاضعة لخطر الجوع والبرد ومستلزمات الحياة البسيطة الأخرى.

وألقت تداعيات العودة -بحسب المنظمات الإنسانية- بظلالها على آلاف من طلبة المدارس الذين لم تنقل ملفاتهم، لصعوبة المعاملة وكذلك للتكلفة المالية للمراجعات بين المدن، كما أن قرار إغلاق الملفات تزامن مع قرار الإغلاق في إطار مواجهة جائحة كورونا، لذلك يتوقع أن يبقى الطلبة بدون دراسة هذا العام.

العملية التعليمية بين أطفال النازحين واجهت مصاعب جمة (الجزيرة)

أسئلة بلا إجابات
إن قرار وزارة الهجرة والمهجرين بإغلاق مخيمات النازحين وإعادتهم إلى مناطقهم قسرا يعتبر من القرارات المجحفة بحق الإنسانية، وبحق النازحين على نحو خاص، وإن عملية العودة القصرية للنازحين إلى مناطقهم دون توفير أبسط مقومات الحياة تعتبر نزوحا آخر، فالأول كان تحت تهديد السلاح، أما الآخر فكان تحت تأثير قرارات متسرعة، لتحقيق مكاسب سياسية ولملء قائمة الإنجازات الفارغة، كما يقول الناشط علاء العمراني.

ويضيف العمراني للجزيرة نت "من الخيام إلى الشارع مرة أخرى، كيف ينام الطفل الرضيع؟ وكيف تستر الأم على نفسها وبناتها؟ وكيف يتدبر الرجل الكهل أمر أفراد عائلته وهو ينظر إليهم عاجزا بعد أن أتعبته سنوات العمر التي انقضت مكدرة بسبب سياسات أنظمة سلطوية ذهبت بمستقبل أبنائه نحو المجهول والعدم؟".

"نعم لعودة النازحين إلى مناطقهم" كما يقول العمراني، ولكن يجب أن تهيئ الحكومة لذلك وتوفر شروط العودة الآمنة (بتوفير السكن والمأكل والملبس وفرص العمل).

وطالب العمراني الحكومة بالإيفاء بالتزاماتها وصرف تعويضات النازحين.

وبحسب منظمات راصدة لمخيمات النازحين، فقد وثقت معاناة عدد كبير من العوائل النازحة في المخيمات بمحافظات ديالى (شرق) وكركوك (شمال) والأنبار وصلاح الدين، حيث يوجد ما يقارب ألفي عائلة نازحة حتى الآن لا تزال تعاني من مشاكل تتعلق بالعودة الآمنة إلى مناطقها بسبب مشاكل عشائرية ورفض اجتماعي وموافقات أمنية روتينية.

ولم يصدر أي تعليق من قبل الحكومة بشأن مخاوف النازحين العائدين إلى مناطقهم، وكذلك لم تعلق على الجدل الذي أثاره إعلان وزارة الهجرة بإغلاق مخيمات النزوح نهاية العام 2020 وبداية العام الجاري، في ظل دعوات أممية لتوفير بيئة آمنة للسكان العائدين لمناطقهم، مؤكدة على أن توفير الأمن والحياة الكريمة هو مسؤولية السلطات المركزية والمحلية في كل منطقة.

المصدر : الجزيرة