بعضها من رحم الحراك وأخرى لبست ثوبه.. قوى عراقية جديدة تتحدى أحزاب السلطة وهذه حظوظها

معظم الحركات والقوى الجديدة تقول إنها انبثقت من رحم ساحات التظاهر (الجزيرة)

تتسارع الخطى في بغداد لتأسيس حركات وأحزاب سياسية جديدة، استعدادا للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وشهدت العاصمة ومدن عراقية أخرى انعقاد العديد من المؤتمرات التأسيسية لتشكيل قوى جديدة، أعلنت رغبتها في خوض الانتخابات بمعزل عن القوى الكبيرة والأحزاب المتنفذة، مستندة في ذلك إلى ما تعتبرها شرعية منحها الشارع للحراك الاحتجاجي الذي انطلق في أكتوبر/تشرين الأول 2019.

وكان من أبرز الحركات التي أعلن عن تأسيسها هي "امتداد"، و"البيت الوطني"، و"25 تشرين"، و"الخيمة العراقية" وغيرها، بعضها من رحم الحراك الشعبي وبعضها الآخر لبس ثوبه.

حركة امتداد

حركة "امتداد" يتزعمها الناشط في مظاهرات مدينة الناصرية علاء الركابي، وقد أعلن عن تأسيسها في مدينة السماوة جنوبي بغداد، ببرنامج يتركز على محاربة "الفساد المالي المتغلغل في مفاصل النظام الحالي".

ويقول العضو المؤسس في الحركة محمد عفلوك إنهم يحملون برنامجا مختلفا، يهدف إلى إجراء تغييرات دستورية، منها تعديل انتخاب رئيس الجمهورية والمحافظين وجعله انتخابا مباشرا، وتغيير النظام البرلماني الحالي إلى رئاسي أو شبه رئاسي.

ويضيف عفلوك للجزيرة نت أنهم يهدفون إلى نقل صوت الاحتجاج من الشارع إلى قبة البرلمان الذي سيدخلونه معارضين لا شركاء محاصصة، على حد قوله.

لكن أعضاء الحركة لا يخفون مخاوفهم من التهديدات التي يتعرضون لها باستمرار، بالإضافة إلى القلق المتصاعد من احتمال حدوث عمليات تزوير واسعة في الانتخابات المقبلة، وهو ما يدفعهم للمطالبة بإشراف أممي على عملية التصويت في جميع محافظات البلاد، كما يؤكد عفلوك.

الغرابي يرى أن الديمقراطية في العراق "مشوّهة" وتصحيحها يتطلب تأسيس حزب يعتمد مبدأ المواطنة (الجزيرة)

المنطلق والهوية

وتؤكد معظم هذه الحركات أنها انبثقت من رحم ساحات التظاهر، وأنها ستبني تحالفاتها على أساس التقارب في الموقف من الهوية الوطنية ورفض المحاصصة الطائفية والتدخلات الخارجية.

ويقول العضو المؤسس في حركة "البيت الوطني" حسين الغرابي إن الديمقراطية في العراق "مشوّهة"، ولتصحيحها يجب تأسيس حزب يمثل "الأمة العراقية"، ويعتمد مبدأ المواطنة أساسا لبناء الدولة.

ويلفت في حديثه للجزيرة نت إلى أن أهم العقبات التي تواجه حركته هي التهديدات التي يتلقونها من الفصائل المسلحة، والقمع واختطاف الناشطين المعارضين، وتفجير البيوت، كما حدث معه شخصيا في مدينة الناصرية.

ولا يعتقد الغرابي أن أحزاب السلطة الحالية ستسمح لهم ولنظرائهم بالحصول على مراكز متقدمة في الانتخابات القادمة، بل ستعمل ليل نهار على إجهاض أي مشروع ينبثق من ثورة تشرين، بحسب تعبيره.

كما يبدي قلقه من احتمالية تزوير الانتخابات القادمة ومصادرة قرار العراقيين، فالسلاح لا يزال منفلتا، والفساد المالي متغلغل في مفاصل الدولة، والأحزاب الكبرى تحكم قبضتها على النظام السياسي، وليست هناك بوادر لإشراف أممي على العملية الانتخابية، وهو ما يدعو الحركة للتأني في إعلان مشاركتها في الانتخابات المقبلة.

البدري: أفضل المتفائلين لا يمنح الحركات الجديدة مجتمعة أكثر من 30 مقعداً في البرلمان القادم
البدري يرى أن بعض القوى الجديدة لبست ثوب الحراك لكنها لم تستطع الخروج من جلباب الشعارات المستهلكة (الجزيرة)

قواسم مشتركة و"متسلقون"

ويبدو واضحا أن القاسم المشترك بين معظم القوى الجديدة هو علاقتها الوثيقة بناشطي الاحتجاجات، كما أن قسما كبيرا منها خرج من الناصرية؛ تلك المدينة التي لا تزال حركة الاحتجاج نشيطة فيها.

ويرى الصحفي حيدر البدري أن القوى السياسية الجديدة تنقسم لقسمين رئيسيين: الأول هم "التشرينيون"، وهي حركات منبثقة من الاحتجاجات تقودها وجوه الحراك الشعبي. والثاني تابع لأحزاب السلطة، لكنه لبس ثوب تشرين والاحتجاجات.

ويضيف أن القوى السياسية الأخيرة تحاول الظهور بمظهر المختلف عن الأحزاب التقليدية التي حكمت العراق بعد 2003، وتتفق جميعها على تبني شعارات علمانية، لكنها في ذات الوقت لم تستطع الخروج من جلباب الشعارات المستهلكة والأحاديث التي لم تعد تهم المواطن العراقي، كما أنها عجزت عن طرح برامج سياسية واقتصادية واضحة حتى الآن.

ولا يبدي البدري تفاؤله بمستقبل القوى السياسية الجديدة في الانتخابات القادمة، إذ إن أفضل المتفائلين لا يمنحهم مجتمعين أكثر من 30 مقعدا، لكنه يتوقع حدوث تغيير نسبي في خارطة توزيع مقاعد مناطق الجنوب والوسط التي كانت تُحصد من قِبل الأحزاب الشيعية التقليدية سابقا، أما المناطق الكردية والسنية فلن تتأثر كثيرا في هذه الانتخابات.

وعدا عن ذلك، فإن التحديات التقليدية كالاغتيال والملاحقة والتسقيط الإعلامي ستستمر، فضلا عن عدم امتلاك هذه الحركات بعدا إقليميا يدعمها، أو مواقع في السلطة تمكّنها من الحصول على أموال من خلال العمولات واللجان الاقتصادية، لذا فإن عملية منافسة الآخرين ستكون صعبة للغاية، وفق توقعاته.

وبحسب الناشط السياسي عمر فاروق الطائي، فإن الجديد الذي ستقدمه هذه القوى سيكون تجاوزها لعقد الماضي المجتمعية وأزماته، واستعدادها لتقبل الآخر وبناء دولة حقيقية، لكن رؤيتها هذه ستصطدم بـ"الأسس الخاطئة" التي قام عليها النظام، لذا لن تكون أكثر من صوت معارض داخل البرلمان.

ويضيف الطائي أنه ربما تكون للقوى الجديدة حظوظ لا بأس بها، لكنها لن تستطيع منافسة الكتل الكبيرة التي فصّلت القوانين على مقاساتها، وتمتلك السلاح المنفلت والمال السياسي، مشيرا إلى أن الذين يطالبون بوطن يتم قتلهم، فما بالك بمن يريد التنافس على السلطة والنفوذ، على حد تعبيره.

المصدر : الجزيرة