ووهان قبل وبعد الوباء.. كيف تغيرت حياة السكان فيها؟

عودة الحياة الطبيعية في ووهان مع استمرار اتخاذ تدابير السلامة (الجزيرة)

يستذكر تشانغ وي الطبيب في ووهان -وهو اسم مستعار- اليوم الذي قررت فيه هذه المدينة الصينية إنهاء الإغلاق الشامل، عندما ظهر أمامه ازدحام مروري وهو في طريقه من العمل، حيث شعر بسعادة "لا يمكن تفسيرها".

فالمدينة الواقعة وسط البلاد شهدت إغلاقا شاملا لمدة 76 يوما، إثر ظهور فيروس كورونا الجديد لأول مرة في سوق للمأكولات البحرية، لكنها اليوم بعد عام على ظهور الفيروس تبدو أكثر نشاطا.

كما أنها تتحضر لاستقبال رأس السنة الصينية "عيد الربيع" الذي يشهد أكبر حركة تنقل في العالم.

وتشكل ووهان عقدة المواصلات الرئيسية بالبلاد لأهميتها في ربط مختلف أنحاء البلاد بالطرق السريعة والسكك الحديدية.

وتبدو حركة المرور طبيعية في شوارع المدينة، وقد أعاد أصحاب المطاعم والمحلات التجارية فتح أبوابها لاستقبال الزبائن الذين انقطعوا عنها قرابة 3 أشهر.

أعادت المطاعم والمحال التجارية فتح أبوابها مع استمرار تطبيق اجراءات السلامة والوقاية من الوباء
المطاعم والمحال التجارية أعادت فتح أبوابها مع استمرار تطبيق إجراءات السلامة والوقاية من الوباء (الجزيرة)

 

حياة آمنة

وتسعى الصين إلى تنفيذ حملة تطعيمات واسعة ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) لتشمل 50 مليون شخص قبل فبراير/شباط المقبل، الذي يشهد الاحتفالات بـ "عيد الربيع". وحتى التاسع من الشهر الجاري، نفذت البلاد أكثر من 9 ملايين جرعة من اللقاح المضاد لكوفيد-19.

ويقول مواطن من ووهان للجزيرة نت "إن الوضع مستقر للغاية الآن في المدينة" بعد الجهود الكبيرة التي تم بذلها للتغلب على الوباء، وبدأ السكان يشعرون بالأمان بعد انطلاق عمليات التطعيم، مضيفا بأن إجراءات السلطات كانت مشددة وناجعة وقد "أصبحت الصين بفضلها أكثر البلدان أمنا".

ويرى شادي اللهاليه، وهو طالب دكتوراه في إحدى جامعات ووهان، أن فترة الإغلاق الشامل التي شهدتها المدينة عززت قيمة الحياة لدى ساكنيها، وأن التضامن الذي جرى خلال فترة الحجر الصحي -على الصعيد الداخلي والخارجي- انعكس على حياة الناس ما بعد عودة الحياة لطبيعتها، وبات التسامح واضحا بين كل فئات المجتمع.

عاملات يقمن بتجهيز فساتين للأفراح بأحد المشاغل في مدينة ووهان
أحد المشاغل في مدينة ووهان (الجزيرة)

إقبال على الزواج

وشهدت المدينة تغييرات كانت واضحة منذ الليلة الأولى لرفع حظر التنقل في الثامن من أبريل/نيسان الماضي.

فرغم البيانات التي تفيد بأن معدل الزواج في الصين يتراجع منذ عام 2013، فإن هذه الأرقام ارتفعت بشكل حاد في ووهان بعد فتحها، لتسجل أرقاما قياسية.

وتحدث الإعلام الصيني، عما وصفها بـ "ظواهر مثيرة للاهتمام" إذ إن برنامجا تابعا لمجموعة "علي بابا" مخصصا لتحديد موعد الزواج، شهد عدد زيارات تجاوزت 300% في اليوم الأول لفك الحظر. كما تجاوز المليونين عدد "أشجار الحب" في هوبي -المقاطعة الأم لمدينة ووهان- بزيادة قدرها 21% في 3 أشهر، لتحتل المرتبة الأولى في البلاد.

ويستخدم 40% من الصينيين حاليًا الهواتف المحمولة لـ "زراعة الأشجار" الافتراضية، وهي طريقة جديدة للتعبير العاطفي الصيني.

وفرض العام الاستثنائي "عرسا استثنائيا" على شو فاي وزوجها شاو جيان بانغ بعد يومين فقط من إعادة فتح المدينة.

وبينما الزوجان يستعيدان ذكريات زفافهما، تؤكد شو فاي للجزيرة نت أن نحو 3 أشهر من الحجر المنزلي كانت كفيلة بأن تغير نظرتها للحياة.

وتضيف بأنها أصبحت خلال فترة تفشي الوباء تُقدِّر الروابط الأسرية أكثر من أي وقت مضى "لذلك قررنا الزواج على عجل، فلا أحد يعرف ما يمكن أن يحدث غداً".

ويقول آن ران -المصور الفوتوغرافي الذي التقط صور زفافهما- إن النصف الثاني من 2020 شهد ارتفاعا في عدد حجوزات تصوير الأعراس بنسبة 30% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الذي سبقه. حيث يعتقد أن تفشي الفيروس أثر بشكل كبير على قرارات الشباب في ووهان.

كما تشير إحصاءات محلية إلى أنّ تجارة فساتين الأعراس في ووهان تمثّل ثُلث الطلب في كل الصين.

شو فاي وزوجها شاو جيان بانغ يستذكران صور زفافهما الذي أقيم بعد يومين من إنهاء الاغلاق في ووهان (الجزيرة)

تثمين الحياة الأسرية

وتروي تسي يو، التي تعمل في قطاع التجارة، كيف أثَّر ظهور الوباء على شخصيتها وتطوير ذاتها في اتجاهات لم تكن تفكر فيها من قبل.

وتقول للجزيرة نت إن ظهور الوباء علمها أن "الأسرة مملكة جميلة" حيث تعرَّفت خلال فترة الحجر الصحي على مهارات وأساليب جديدة، تمكنت بواسطتها من اكتشاف نقاط ضعف وقوة لدى أبنائها وزوجها. وأضافت أن القلق كان يسود من فترة لأخرى، لكن جو العائلة كان يمنحها الطمأنينة.

ويرى باو مينغ أن تجربة العيش في ظل الوباء عرَّفته أكثر على معنى الحياة، وكيفية الحفاظ على الصحة. كما علمته التضحية من أجل من يحبهم، حيث يقصد والديه عندما كان يخاطر بنفسه بالخروج لجلب مستلزماتهما في ذروة انتشار المرض.

أما شوي جوو، فتقول إنها كانت تقيم في مدينة أخرى بهدف العمل، لكنها عادت إلى ووهان ومكثت مع عائلتها مدة 7 أشهر منذ بدء انتشار الوباء، تعرفت خلال تلك الفترة على كامل تفاصيل حياة أمها.

وأدركت أن "الحياة فيها جانب مهم يجب التعرف على كل تفاصيله وهو الجانب الاجتماعي". وتختم للجزيرة نت بالقول إنها ورغم بغضها للوباء فإنه منحها فرصة العودة لحضن أمها.

المصدر : الجزيرة