هل تحمل إجراءات ضبط السلاح المنفلت في العراق بصمات أميركية؟

أسلحة صادرتها القوات الأمنية أثناء مداهمات إحدى ضواحي بغداد (وزارة الدفاع)

على وقع أزيز الرصاصات الطائشة وأصوات إطلاقات القذائف المضادة للدبابات، ورائحة الكبريت والدخان المنبعث جراء حرق المنازل، عاش أهالي إحدى ضواحي بغداد ليلا مرعبا قبل أيام إثر نزاع بين عشيرتين كبيرتين، لم تعرف أسبابه حتى الآن.

ولاقى هذا النزاع انتقادا واسعا في الشارع العراقي -رغم أنه ليس الأول من نوعه- إذ ناشد محمد غالب، من سكان حسينية المعامل، التي شهدت هذا النزاع المسلح، الحكومة والجهات الأمنية بضرورة اعتقال كل من يروج للغة السلاح في أي نزاع كان.

وطالب محمد، في حديثه للجزيرة نت، بالإسراع في فرض الأمن المجتمعي وتحقيق السلم الأهلي عبر ضبط سلاح العشائر وكل سلاح غير عائد للدولة، مؤكدا أن هذا الإجراء هو "الحل الوحيد الذي من شأنه حماية أرواح الأبرياء من المواطنين".

وفي السياق قال الصحفي (ج.ح) إن النزاعات العشائرية باتت تقترب من العاصمة أكثر من السابق، إذ كانت لا تحدث إلا في "المحافظات الجنوبية المعروفة بطابعها العشائري".

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن هذه النزاعات تهدد السلم الأهلي، وأن مجتمع المدينة ليس كالريف، وبالتالي على الأجهزة الأمنية والجهات المعنية الإسراع في "ضبط السلاح المنفلت".

المحنا قال إن عملية سحب السلاح المنفلت واسعة وغير محددة بزمان ومكان (الجزيرة)

عملية واسعة

وعلى إثر النزاع العشائري الأخير في ضواحي بغداد، الذي راح ضحيته 8 قتلى وأكثر من 15 جريحا، شرعت وزارة الداخلية بعملية لفرض الأمن في جميع المناطق التي تشهد نزاعات من هذا النوع في بغداد والمحافظات، ومصادرة الأسلحة الخفيفة والمتوسطة من العشائر، استنادا لما وصفته -أوامر عليا- صدرت بهذا الشأن.

وقال الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا في حديث للجزيرة نت إن "عملية سحب السلاح المنفلت التي شرعت بها الأجهزة الأمنية واسعة وغير محددة بزمان ومكان".

وأضاف المحنا أن قيادات العمليات لكل محافظة تنفذ هذه الإجراءات بناء على أوامر عليا صدرت بضرورة إنهاء المظاهر المسلحة والسلاح المنفلت، ومصادرة كل قطعة سلاح وجعلها بيد الدولة حصرا.

ولمعالجة مثل هذه الظواهر السلبية بالمجتمع قبيل موعد الاستحقاق الانتخابي، وجه وزير الداخلية عثمان الغانمي الأجهزةَ الأمنية لاعتقال متهمين اثنين مما يعرف بالدكة العشائرية، وهي تقليد قديم يتمثل بإطلاق الأعيرة النارية وإلقاء قنبلة يدوية على منزل عائلة من عشيرة أخرى، يكون بمثابة إنذار شديد اللهجة لدفع العشيرة المستهدفة للجلوس والتفاوض معهم وتسوية الخلاف.

الحاج اعتبر أن سلاح العشائر هو العائق الحقيقي أمام تنفيذ المخططات الأميركية في البلاد (الجزيرة)

معارضة الفصائل

السلاح المنفلت واحد من أخطر القضايا التي تواجه الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003، نظرا لضخامة وتنوع هذا الملف بين الأحزاب والعشائر والفصائل الشيعية المسلحة.

وما زالت هذه الأزمة قائمة لصعوبة تنفيذ الإجراءات الرادعة، وسط تغييب واضح لقانون حصر السلاح بيد الدولة الذي أقر عام 2017، لكن هذا الملف يعود إلى الواجهة كل مرة يتنامى فيها عنف السلاح غير المنضبط.

ويرى الخبير الإستراتيجي كاظم الحاج أن سلاح العشائر سلاح للمقاومة والمجتمع الداعم لها، وبالتالي فإن "الهدف من سحب هذا السلاح هو إفراغ محافظات الوسط والجنوب حصرا، من هذا السلاح".

وأضاف الحاج خلال حديثه للجزيرة نت أن "سلاح العشائر هو العائق الحقيقي أمام تنفيذ المخططات الأميركية وسط وجنوب البلاد، وأن التوجه الحكومي بهذا شأن يحمل بصمات أميركية".

ونوه إلى أن "الشروع في حصر السلاح بيد الدولة، المنفلت وغير المنفلت، يحتاج لحكومة ذات توجه وطني شامل، لكل مساحة العراق، وبعدها يمكن للحكومة إقناع المواطن والعشائر بالتخلي عن سلاحهم".

ترحيب عشائري

العديد من العشائر أبدت ترحيبها على مدار السنوات الثلاث الماضية بعملية سحب السلاح وحصره بيد الدولة، إلا أن غياب وجهة النظر الحكومية إزاء هذا الملف أخّر من إجرائه.

وفي هذا الصدد، قال شيخ عشيرة آل محيزم الشيخ حسون علي الأسدي -خلال حديثه للجزيرة نت- إنه وكافة أبناء عشيرته مع ضبط السلاح المنفلت وإعادته إلى الدولة.

وأضاف الأسدي أنه نظم العديد من المؤتمرات العشائرية بعدة محافظات جنوب بغداد، أكد خلالها مساندة الدولة في حصر السلاح بيدها، وضرورة إنهاء النزاعات المسلحة بين العشائر، استجابة وتأييدا لدعوات المرجعية الدينية في النجف، كما تم التأكيد على رفض الدكة العشائرية "وضرورة حل الخلافات بين الأطراف المتنازعة بالتي هي أحسن وتجنب لغة السلاح".

المصدر : الجزيرة