العراق- ذكرى أربعينية الحسين بكربلاء.. لماذا حضر المحتجون وغاب السياسيون؟

Iraqis march to Kerbala for the pilgrimage of Arbaeen
مشهد عام لزوار مرقد الحسين ليل الأربعاء (رويترز)

احتشد في مدينة كربلاء (جنوب بغداد) خلال الأيام الأخيرة مئات الألوف من الأشخاص، والتي وصل إليها الكثير منهم سيرا على الأقدام من مختلف مناطق العراق، لإحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين بن علي حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء إحياء الذكرى هذا العام في ظل عدة تحديات، في مقدمتها استمرار الاحتجاجات الشعبية ضد الطبقة الحاكمة في البلاد وتفشي جائحة كورونا.

وبرز بشكل جلي هذا العام حضور للشباب المحتجين، وغياب واضح للسياسيين لأول مرة منذ العام 2003.

وعادة ما يستغل السياسيون هذه المناسبة للترويج لأحزابهم وأفكارهم، فأثار غيابهم هذه المرة الاستغراب، خاصة مع قرب تجدد المظاهرات في 25 من الشهر الجاري.

مواجهات قرب مرقد الحسين
وكانت كربلاء شهدت مواجهات مساء أول أمس الثلاثاء بين القوات الأمنية ومحتجين يطلقون على أنفسهم "موكب ثوار تشرين" أرادوا الدخول إلى مرقد الإمام الحسين، واستخدمت فيها الشرطة الهراوات لمنعهم من الدخول ثم لتفريقهم، مما أدى لعدد من الإصابات.

وقال مصدر أمني للجزيرة نت إن سبب منع الموكب هو أنه لا يحمل أي موافقات للدخول والمسير في منطقة ما بين مرقدي الحسين وأخيه العباس والتي تشهد توافد أعداد غفيرة من الزائرين، الأمر الذي دعا منظمي الزيارات إلى منعهم، وهذا عرف سائد منذ سنوات، والغرض منه تنظيم الحركة لمنع حدوث تدافع.

وأضاف أن بعض أفراد الموكب لم يعجبهم الإجراء فحدثت حالة من الفوضى والتدافع مع القوات المكلفة بحماية المكان، الأمر الذي اضطر الشرطة لتفريقهم.

وبحسب مصدر طبي، فإن 5 أشخاص من المحتجين تعرضوا لإصابات نقلوا على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج.

تجمع للاهالي في احد ازقة المدينة القديمة في كربلاء/ صباح اليوم/ مراسل الجزيرة نت
تجمع للأهالي في أحد أزقة المدينة القديمة بكربلاء اليوم (الجزيرة نت)

السياسيون غائبون
وعند تجول الجزيرة نت في المدينة القديمة بكربلاء -والتي تعد المركز الرئيسي لتجمع الزوار- تلحظ ولأول مرة منذ 17 عاما غيابا للسياسيين الذين كانوا سابقا يحرصون على الوجود في مثل هذه المناسبة.

وقال أحمد الشمري -وهو الذي كان يستضيف عددا من الساسة العراقيين في مثل هذه المناسبة في بيته الخاص- إنه رفض هذه المرة استقبال السياسيين بعد أن انكشف زيف ما كانوا يدّعون من تدين وأخلاق، مشيرا إلى أن هذا ليس موقفه فقط، بل معظم الكربلائيين.

وتابع "لا أستبعد أن يتعرض هؤلاء الساسة للضرب أو السب إذا ما كشفوا عن شخصياتهم أثناء التجول في المدينة وبين مواكب الزوار التي يكثر فيها هذه المرة المحتجون ومن محافظات عدة".

هذه مجموعة من الصور من اعلام العتبة الحسينية تم الانفاق معهم على عدم الاشارة لهم الصور خاصة بزيارة الاربعين
جانب من زيارة ضريح الحسين في كربلاء (الجزيرة نت)

سياسي عراقي وعضو مجلس نواب سابق ينتمي لأحد أحزاب السلطة في العراق تحدث للجزيرة نت -اشترط عدم ذكر اسمه- عن أن هناك الكثير من السياسيين لا يودون التجول في مثل هذا التجمع الكبير، بعد أن قل محبوهم في الشارع العراقي.

ولفت إلى أنه سابقا كان يحضر هذه المناسبة ويبقى يتجول في كربلاء لأيام عدة، إلا أنه في هذا العام اضطر لأن يؤدي الزيارة في كربلاء لساعتين فقط ثم غادرها.

أما صاحب موكب خدمة محمد صاحب الخزرجي فقال إن "الشعب عرف الذي له والذي عليه، فأصبح السياسيون مكشوفين بعد احتجاجات تشرين، إضافة إلى أن الخوف من ردة فعل المواطنين -خاصة المحتجين منهم- جعلهم يبتعدون عن الزيارة هذا العام".

وأشار الخزرجي -وهو أحد الداعمين للاحتجاجات في كربلاء- إلى أنه بات من الصعب إيهام الشعب بوعود وأقوال كاذبة وادعاء السير على نهج الإمام الحسين.

‫موكب خدمة من شباب النجف بقدمون الخدمة في كربلاء/ صباح اليوم/ مراسل الجزيرة نت
‫موكب من شباب النجف يقدمون الخدمة في كربلاء (الجزيرة نت)

اهتزاز ثقة الشارع
محللون سياسيون عزوا غياب السياسيين عن زيارة أربعينية الحسين هذا العام إلى إدراكهم عدم ثقة الشارع بهم، وخوفا على أن يُستهدفوا من قبل الناس.

وقال المحلل السياسي النجفي غزوان العيساوي إن "غياب السياسيين عن الظهور في المناسبات العامة -خاصة زيارة الأربعين- يعود لإدراكهم عدم ثقة الشارع بهم بعد أعوام كثيرة من معاناة الشعب بسبب سياساتهم".

وأضاف أن "حضور الشباب في هذه المناسبة هذا العام يدل على أن البلد يجب أن يقوده الشباب الواعدون الطموحون الذين يريدون أن يبنوا بلدهم بشكل أفضل".

هذه مجموعة من الصور من اعلام العتبة الحسينية تم الانفاق معهم على عدم الاشارة لهم الصور خاصة بزيارة الاربعين
زوار بالآلاف قصدوا مرقد الحسين (الجزيرة)

من جهته، قال الصحفي فلاح الغزي المقرب من ساحات الاحتجاجات في جنوب العراق إن "الأغلبية العظمى من السياسيين العراقيين تجنبوا الظهور في زيارة الأربعين، وذلك خوفا من الجمهور لاعتبارات تتعلق بأن هذه المرحلة حساسة، حيث إنها مرحلة الإعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وبالتالي أي ظهور لبعضهم بدائرة الضوء والضغط الجماهيري من الممكن أن يكون له انعكاس سلبي على تلك الاستحقاقات".

وأوضح أن "أغلب الأحزاب والقوى السياسية تحاول تجديد نفسها وضم العنصر الشبابي وتشكل كيانات وحركات ترتبط بالشباب".

وشهد العراق في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019 مظاهرات بدت عفوية تحركها مطالب اجتماعية، لكنها ووجهت بالرصاص الحي، وأسفرت عن مقتل المئات وجرح آلاف آخرين، مما اضطر رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي للاستقالة، لتشكل حكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، لكن الاحتجاجات ما زالت مستمرة.

المصدر : الجزيرة