إنقاذ 755 شخصا في أسبوع.. لماذا تتنامى الهجرة غير النظامية في الجزائر؟

وزارة الدفاع الجزائرية تعلن عن توقيف 755 مهاجر جزائري سري خلال أسبوع واحد (مواقع التواصل)
مؤشرات الهجرة غير الشرعية في الجزائر تصاعدت خلال 2020 بعد أن تراجعت في أعقاب الحراك عام 2019 (مواقع التواصل)

إلى وقت قريب، كانت الجزائر تعدّ ضمن دول العبور للمهاجرين غير النظاميين الوافدين عليها من بؤر النزاعات المسلحة والفقر والمجاعات في منطقة الساحل الأفريقي تحديدا.

غير أن الأوضاع أخذت تنقلب تدريجيًّا، لتتحول الجزائر -التي تُنعت بالدولة المستقرة، والزاخرة بكل الثروات والموارد- إلى مصدر مزعج للضفة الأوروبية من تنامي معدلات الهجرة غير النظامية لرعاياها، حتى أضحى الملف محور مباحثات ثابت على طاولة المفاوضات مع ضيوفها الأوروبيين.

وبلغة الأرقام الرسمية، كشفت الحصيلة العملياتية للجيش عن إحباط محاولة هجرة لـ1723 شخصا، وإنقاذ 25 آخرين من الغرق، وانتشال 8 جثث، خلال النصف الأول من العام الجاري.

في حين تمكن حرس السواحل في الفترة من 20 إلى 25 سبتمبر/أيلول الفائت من اعتراض وإنقاذ 755 شخصا حاولوا الإبحار بطريقة غير شرعية، كما تم انتشال 3 غرقى بعد انقلاب قواربهم، وفق بيان لوزارة الدفاع. وأعلنت السلطات الأمنية بالموازاة عن تفكيك عدة شبكات مختصة في تنظيم الهجرة غير النظامية.

ويوم سُئل الرئيس عبد المجيد تبون عن الحل، أجاب بأن أساس المشكلة ليس الفقر، فهناك أطباء وموظفون يهاجرون سريا، ومنهم من رجع إلى أرض الوطن بسبب المعيشة في المهجر.

واقترح تبون عقد اتفاقيات مع بعض الدول لإرسال شباب جزائريين إلى الخارج لمعرفة الأوضاع عن كثب، كما يمكن الاستعانة بالأطباء النفسيين، لأن المشكلة صعبة وحلها أصعب، على حد تعبير الرئيس.

الرئيس تبون: مشكلة الهجرة غير النظامية صعبة وحلها أصعب (الجزيرة)

استنفار
قبل أيام، أكدت صحيفة "الكونفيدنثيال" الإسبانية -نقلا عن إحصاءات لوزارة الداخلية- أن الجزائريين يتصدرون مجموع المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا سواحل بلادها الجنوبية، منذ يناير/كانون الثاني الماضي إلى نهاية يوليو/تموز، بنحو 2703 مهاجرين، بمعدّل 55% من إجمالي المهاجرين غير النظاميين إلى إسبانيا.

بل إن وسائل إعلام محلية في سردينيا أفادت بوصول 66 مهاجرا جزائريا غير نظاميين في ليلة واحدة بتاريخ 11 أغسطس/آب الماضي، من بينهم 4 أطفال وامرأتان، إحداهما حامل.

وأدت فاجعة هلاك 9 مهاجرين غير نظاميين غرقا بغرب البلاد، بتاريخ 21 سبتمبر/أيلول الماضي، إلى حالة استنفار لدى السلطات، في أعقاب انقلاب قارب مطاطي، من بين ركابه عائلة كاملة مكونة من زوجين و3 أطفال لا تتعدى أعمارهم 6 سنوات.

أما المفارقة الملفتة فهي أن مؤشرات هذه الهجرة تصاعدت خلال 2020، بعد أن تراجعت في أعقاب حراك 22 فبراير/شباط 2019، إذ لم تسجل حالات جديدة خلال الأشهر الأولى من المظاهرات الأسبوعية، على الأقل وفق البلاغات الرسمية، وما ظهر على تفاعلات التواصل الاجتماعي، وهو ما طرح فرضيات حول علاقة الظاهرة بمخرجات الحراك.

حنطابلي الهجرة السريّة مؤشر ثقيل عن معانات شباب جزائري من الأوضاع الاقتصادية (الجزيرة)
حنطابلي: الهجرة غير النظامية مؤشر ثقيل على معاناة شباب جزائري من الأوضاع الاقتصادية (الجزيرة)


ضيق الأفق

أما من وجهة نظر المختصين، فيرى أستاذ علم الاجتماع الثقافي بجامعة الجزائر يوسف حنطابلي أن الهجرة غير النظامية ظاهرة إنسانية تحركها أسباب تأخذ أبعادا اجتماعية متجلية في بلد الانطلاق، وتتواصل إلى بلد الوصول، إن حصل ذلك أصلاً، وهي مؤشر ثقيل يعطي صورة حقيقية عن معاناة قطاع كبير من الشباب الجزائري من أوضاع اقتصادية، تمثّل المستوى الأكثر ارتباطا بهذه الظاهرة.

ويوضح للجزيرة نت أن "ضيق أفق الأرض الذي فقد بالنسبة لهؤلاء كل مبررات الحل الممكن لمعاناتهم، جعلهم يغامرون إلى ما وراء البحر بحثا عن أفق أرحب وحياة أفضل".

وما اتضح في الجزائر مؤخرا -حسب حنطابلي- هو أن "ارتفاع محاولات الهجرة غير النظامية يجد معناه في أن الحراك رفع سقف الطموح عاليا لدى الشباب في تحقيق تغيير جذري يحسّن أوضاعهم الخاصة، حيث كانت وتيرته سريعة مقابل حلول وفتح أفق التغيير بوتيرة أضعف، وفق تصور غير واضح".

ويضيف أن هذا الوضع أفقدهم الأمل ودفعهم للبحث عن فتح الممكن الذي يتراءى لهم في ما وراء البحر، "خاصة من خلال الصور الذهنية التي يتلقونها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل ممن وصلوا إلى الضفة الأخرى، حيث إن النجاح ممكن، ويستحق المغامرة رغم أن مساره قد يؤدي إلى الموت المحقق".

نور الدين بكيس كورونا و القمع والتضييق على الحريات يساهم في عودة الجزائريين إلى الهجرية السريّة (الجزيرة)
بكيس يرى أن كورونا والقمع والتضييق على الحريات أسهمت في عودة الجزائريين للهجرية غير النظامية (الجزيرة)


أزمة خانقة

من جانبه، يعتقد أستاذ علم الاجتماع السياسي نور الدين بكيس أن الهجرة غير النظامية أحد أهم الأعراض لأزمة خانقة تعيشها الجزائر منذ عشرات السنين، وهي ظاهرة كاشفة لعجز منظومة إدارة مجتمع بكاملها من مستواها السياسي إلى مستواها الأخلاقي.

ويقول للجزيرة نت إن الهجرة ترتبط عادة بنفسية المجتمع، فكلما ارتفع مستوى الإحباط تنامت أعداد المقبلين على الهجرة، كما يحدث أنْ تُوظف عند البعض كرسالة انتقام من البلد، وبالأخص من السلطة السياسية، لذلك تراجعت الظاهرة بشكل كبير بعد استشعار الجزائريين أمل التغيير في الحراك، لكنه سرعان ما خفت في سياق التدافع بين الجماهير المحتجة واستماتة النظام في التعطيل بشتى طرق الاحتواء والتمييع، حسب تعبيره.

خبراء الحراك رفع سقف الطموح عاليا لدى الشباب في تحقيق تغيير جذري (الجزيرة)
خبراء: الحراك رفع سقف الطموح عاليا لدى الشباب في تحقيق تغيير جذري (الجزيرة)


الاغتراب الداخلي

ولذلك يرى بكّيس تصاعد الهجرة مجددا في الجزائر كردّ فعل طبيعي على عودة مظاهر الاغتراب والاستقالة بعد قرابة سنة من ارتفاع منسوب المشاركة السياسية بمختلف أشكالها.

ويضيف المتحدث أن "التأزيم الاقتصادي الذي أحدثته جائحة كورونا، إلى جانب القمع والتضييق على الحريات الممارسين من قبل السلطة؛ أسهمت في إقناع جزائريين بالعودة لاعتماد الهجرة غير النظامية كأحد أهم الحلول الممكنة رغم مخاطرها".

وإذا أردنا أن نلخّص السياق المشجّع عليها -يجيب بكّيس- فما علينا إلا اعتماد مفهوم الهجرة الداخلية، كتعبير عن مختلف أشكال الاغتراب التي يعاني منها الجزائريون ويتخذونها شكلاً للهروب من الواقع، مثل الهجرة الافتراضية بالإدمان على شبكات التواصل، والدوريات الرياضية، والمسلسلات التلفزيونية، والاستقالة من الشأن السياسي، وتضييق فضاء التفاعل إلى أدنى مستوياته، بالإضافة للاغتراب المهني والوظيفي.

المصدر : الجزيرة