"فدائيو" مُصلى باب الرحمة

المسجد الأقصى-باب الرحمة-التقط عصام وعرفات نجيب صورة سلفي بعد فتحهما مصلى باب الرحمة تحديا لشرطة التي كانت تراقبهما-تصوير عرفات نجيب-مع الإذن بالاستخدام
عصام وعرفات يلتقطان "سلفي" بعد فتحهما مصلى باب الرحمة تحديا للشرطة التي كانت تراقبهما (الجزيرة نت)

                                                            جمان أبو عرفة-القدس المحتلة

كان حارسا الأقصى وأبناء العمومة عصام وعرفات نجيب يعلمان جيدا أن فتحهما مصلى باب الرحمة (شرق المسجد المبارك) سيعرضهما للاعتقال والإبعاد، لكنهما اتجها بخطى واثقة صباح 24 فبراير/شباط الماضي وفتحا الباب ومن ثم التقطا صورة "سلفي" بابتسامة تحدٍ، وبعد ساعات حدث ما توقعاه، فقد اعتقلتهم قوات الاحتلال من أبواب الأقصى وأبعدتهم عنه.
 
لم يفعلا ذلك حبا بالاعتقال والإبعاد، وإنما حبا بالمكان الذي فتحه المصلون بعد إغلاق 16 عاما، وغدت مهمة إبقائه مفتوحا كل يوم على عاتق حراس الأقصى الذين افتدوه بحرياتهم.

منذ فتح مصلى باب الرحمة يوم الجمعة في 22 من الشهر الماضي، يحاول الاحتلال بكل السبل إعادة إغلاقه ومنع تحويله إلى مصلى، حيث يوجد عناصر من شرطته على الدوام في محيط المصلى، مهمتهم مراقبة الباب وتصوير من يفتحه.

وفداء لإبقائه مفتوحا، اعتقل أكثر من 16 حارسا، منهم أحمد عويس، علي حمد، عماد عابدين، سامر أبو قويدر، إيهاب أبو غزالة، مهند إدريس. ونال سامر قباني (34عاما) لقب فاتح المصلى، فقد كان أول من يبادر بفتحه بعد فتح الجمعة الكبير الذي ساهم به آلاف المصلين، لكن الفرق أن قباني كان وحيدا حينها.

‪استطاع المصلون فتح مصلى باب الرحمة في 22 فبراير/شباط بعد إغلاقه 16 عاما‬  (الجزيرة نت)
‪استطاع المصلون فتح مصلى باب الرحمة في 22 فبراير/شباط بعد إغلاقه 16 عاما‬  (الجزيرة نت)

الفاتح الأول
يقول قباني للجزيرة نت "وظيفتي فتح أبواب مصليات المسجد الأقصى في الصباح الباكر، لا يوجد لدي فرق بين مصلى باب الرحمة أو المصلى القبلي وقبة الصخرة". في صباح 22 فبراير/شباط الماضي تأخر فتح مصلى باب الرحمة، على عكس المصليات التي تفتح الساعة 7:30 صباحا، بدأ المصلون بالتوافد والسؤال عن سبب التأخير، يقول قباني إنه لم يفكر بالعواقب، وفتح الباب أمام كاميرات شرطة الاحتلال.

خرج من باب الأسباط بعد انتهاء ورديته الصباحية، فاعتقل بطريقة وصفها بالهمجية، وخضع لتحقيق في مركز المسكوبية وبات ليلته في زنازينها قبل أن يتسلم قرار إبعاد عن الأقصى لمدة أسبوع رغم رفضه التوقيع عليه.

اتهمه المحقق أثناء اعتقاله بأنه المسبب الوحيد "للشغب" وأنه كسر قرار المحكمة. ويؤكد قباني أن مصلى باب الرحمة جزء من الأقصى ولا سلطة لمحكمة الاحتلال عليه. ويضيف "لا مانع لدي من أن أفتح الباب مرة أخرى، هذا شرف عظيم".

‪عرفات نجيب أمام أبواب الأقصى رغم إبعاده السادس بتهمة فتح مصلى باب الرحمة‬ (الجزيرة نت)
‪عرفات نجيب أمام أبواب الأقصى رغم إبعاده السادس بتهمة فتح مصلى باب الرحمة‬ (الجزيرة نت)

تسابق
"باب الرحمة ١٤٤ دونما كلها لنا، ومهما يحدث لا يهمنا، نحن نفتديه بروحنا" هذا خلاصة ما قاله الحارس عصام نجيب (42 عاما) في مقطع مرئي انتشر له أثناء اعتقاله من باب الملك فيصل (أحد أبواب الأقصى) حيث خضع للتحقيق بعدها وأُبعد أسبوعا عن المسجد الشريف بتهمة فتح مصلى باب الرحمة.

يقول نجيب للجزيرة نت إن اعتقال زميله قباني أثار التحدي في نفسه، ورغم أن مكان حراسته كان عند باب الملك فيصل فإنه طلب بديلا عنه، وأخذ مفتاح المصلى من مكتب "الأحوال" الخاص بالحرس شمال قبة الصخرة، واتجه هو وابن عمه عرفات وآخرون نحو المصلى لفتحه.

طلب حراس آخرون آنذاك من نجيب ورفقائه انتظارهم ليلحقوا بهم "لكننا لم نستطع الانتظار أو التأخر أكثر وإبقاء المصلى مغلقا" يقول نجيب الذي عمل في المسجد لنحو عشرين عاما، وتعرض للكثير من المضايقات والاعتقالات خلالها.

رغم اعتقاله وإبعاده، لم يتوان نجيب عن فتح المصلى مرة أخرى في 28 من الشهر الحالي، فقام الاحتلال باعتقاله من محيط باب الرحمة وهو على رأس عمله.

مدة الإبعاد الأكبر كانت من نصيب الحارس عرفات نجيب (35 عاما) حيث أبعد ستة أشهر بتهمة فتح المصلى وبحجة أنه وجوده يشكل خطرا. يحرس المواطن الفلسطيني الأقصى الشريف منذ عشرة أعوام اعتقل خلالها كثيرا وأبعد ست مرات.

يسكن نجيب بجانب المسجد الأقصى، ورغم إبعاده يستمر الوقوف والصلاة على أبوابه، يقول للجزيرة نت "قررنا نحن الحراس أن نكون يدا واحدة، فتحنا مصلى باب الرحمة حتى لا ندع مجالا للشك أنه مصلى للمسلمين ويجب فتحه على الدوام، لا يهمنا اعتقال أو إبعاد".

‪حرس عصام نجيب الأقصى عشرين عاما تعرض خلالها للاعتقال والمضايقات كان آخرها بسبب فتحه مصلى باب الرحمة‬ (الجزيرة نت) 
‪حرس عصام نجيب الأقصى عشرين عاما تعرض خلالها للاعتقال والمضايقات كان آخرها بسبب فتحه مصلى باب الرحمة‬ (الجزيرة نت) 

طرق مبتكرة
وتسبب استمرار اعتقال الحراس في نقص بوحدة الحراسة الصباحية، وكان لزاما ابتكار طريقة جديدة لفتح المصلى، ففتح الحراس الباب بشكل جماعي كي لا يستفرد الاحتلال بأحد منهم، فتارة يتبرع شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة بالمهمة، وأخرى يفتحه طفل يرتدي معطفا كبيرا ذا قبعة أخفت وجهه. وحديثا خاض رجل مسن المخاطرة. كما قام المصلون بعد مسلسل الاعتقالات هذا بخلع الباب درءا لإغلاقه واعتقال فاتحيه، لكن الأوقاف الإسلامية أعادت تركيبه بحجة حمايته.

يؤكد الباحث زياد ابحيص للجزيرة نت أن حراس الأقصى جزء من نسيج المجتمع المقدسي والشعب الفلسطيني، والأقصى بالنسبة لهم ليس مجرد وظيفة بل هو جزء من اعتقاد ديني ورمز لنضال طويل من أجل الحرية.

ويضيف "كان فتح المصلى انكسارا نفسيا عميقا لدولة مدججة بالسلاح اعتادت إطلاق الرصاص الحي وقتل العشرات في أحداث أقل من ذلك بالأقصى، لكنها باتت اليوم تخشى إطلاق رصاصة واحدة. ما نراه هو تخبط ومحاولة لإطالة أمد الأزمة لتسجيل نقاط، وربما يدفع عدم التسليم بهذا التراجع إلى محاولة إغلاق مصلى باب الرحمة بالقوة من جديد "وحينها سيواجه المحتل ما تراجع خشية منه".

المصدر : الجزيرة