خرافة "الشعب الآرامي" وتخريب تاريخ فلسطين القديم (3-4)

خرافة "الشعب الآرامي" وتخريب تاريخ فلسطين
لأجل تفنيد خرافة (الشعب الآرامي) الذي استعبد الفلسطينيين، وتفنيد أسطورة وجود (عرق/شعب) آخر يدعى (الآراميين) كانت له ممالك في سوريا، لا بد من العودة إلى السجلات الآشورية.
ففي نقش شلمانصر الثالث (858-834) الذي قام بحملاته قبل نحو قرن ونصف من حملات سرجون الثاني  (Monolith Inscription of Shalmaneser III ) نقرأ ما يلي: 

في السنة 21 : 102-104: في العام الحادي والعشرين من حكمي، عبرت الفروات للمرة الحادية والعشرين. أنا هاجمت مدن حزائيل آرام، استوليت على أربعة منها. تلقيت هدايا من التيرانيين (الطيرانيين)، والصيدونيين، والجبلاويين).

في هذا النقش نقرأ اسم (أرام  Aram) ارتباطا بمدن حزائيل (حزائيل). والنقش يستخدم المصطلح العبري (אֲרָם إرم) والمصطلح السبأي (ʾlrm). وهذا أمر مثير، لأن المصادر الثلاثة تستخدم المصطلح نفسه: إرم (وليس آراميي/ آراميون) بما أنه اسم ينصرف لقبيلة كبيرة ضمن التحالف السبئي. فهل أرام هذه هي موطن الآراميين في سوريا، وأنها جزء من مقاطعة حزائيل؟ وأين تقع حزائيل؟ هل نجد في سوريا الطبيعية مملكة قديمة تدعى (حزائيل)؟ هل كان الآراميون جزءا منها؟

لا يوجد في التاريخ السوري قط، ملك يدعى حز/إيل. هذا اسم ملك يمني شهير ورد اسمه في التوراة. وحتى اليوم لا يزال اسم هذا الملك (حاز) محفوراً في أسوار قصره الأثري في مأرب

قبل كل شيء، لا يوجد في التاريخ السوري قط، ملك يدعى حز/إيل. هذا اسم ملك يمني شهير ورد اسمه في التوراة. وحتى اليوم لا يزال اسم هذا الملك (حاز) محفورا في أسوار قصره الأثري في مأرب (قصر أحاز/ حاز). وهذا الاسم يرد في التوراة كاسم ملك إسرائيلي (حاز). والآن:  إذا كانت (أرام) تعني سورية كما هو شائع في كتب هذا التاريخ، وهذا ما لا أصل له فما علاقة السبئيين به؟ ولماذا تدور المعارك في مأرب ضد مدن آرام/ حاز (حز/ إيل). لنلاحظ هنا أن اسم تاران السبئي، يظهر اسما لجماعة تدعى (التيرانيين) الذين ساندوا حزا /ئيل في أرام.

فماذا يعني ذلك؟ هذا النصّ يدعم بشكل غير متوقع وبلا حدود، فكرتنا القائلة إن الآراميين اسم النسبة لمكان يدعى (أرام) وهو ممالك يمنية صغيرة يتولى الحكم فيها حاكم/ كاهن محلي، وهؤلاء ينتسبون لأهم قبيلة شكلت الاتحاد السبئي، وهي قبيلة (إيل رم/ إرم). وما يؤكد كل ذلك، أن شلمانصر سجل في حملة سابقة قام بها على مأرب، وقائع صراعه ضد الآراميين المتمردين في مأرب، وسجل أسماء المدن التي استولى عليها في طريقه للاستيلاء على (مدن الآراميين) ومنها (عنة) و(دايان) و(الشور) و(الأسباط) واصطدم بملك آرامي يدعى حزا/ إيل.

هل من المنطقي تصوّر كل ملوك آشور، وبينهم قرون، اصطدموا بنفس الملك حاز/ أحاز أو حز- إيل؟ ونفس المملكة أرام حاز؟

فهل من المنطقي تصوّر كل ملوك آشور، وبينهم قرون، اصطدموا بنفس الملك حاز/ أحاز أو حز- إيل؟ ونفس المملكة أرام حاز؟ أم إن المقصود أن الحملات الآشورية هاجمت القبيلة في مكان محدد هو (حاز)؟ وأن المقصود من (ملك أرام حز إيل) ملك هذه المقاطعة، أي ملك مقاطعة حز/إيل. هاكم ما قاله شلمانصر الثالث في السنة 18: (أي قبل ثلاث سنوات من الحملة الجديدة).

(97-99) وفي السنة الثامنة عشرة من عهدي في بلادي، عبرت الفروات للمرة السادسة عشرة. جاء حزائيل آرام إلى المعركة. استوليت على 1121 من مركوباته، و470 من فرسانه، جنباً إلى جنب مع معسكره.

والآن: إذا كان هناك شعب قديم وله حضارة كبرى يدعى (الشعب الآرامي/ الآراميون) فلماذا سجل شلمانصر في النقش السابق (35-44) أسماء مدنهم على نحو يفهم منه بسهولة أنها ذاتها مدن الجوف ومأرب.

ولنقرأ النقش التالي من السنة الثالثة:

(35-44) في السنة الثالثة من حكمي، أهيوني- أخيوني ابن عديني كان خائفا من أسلحة الرجال الأشداء، حيث تراجع نحو تل بارسب في مدينته الملكية، عبرت نهر الفروات وأمسكت زمام الأمور بنفسي في مدينة عنة (Ana) والشور (Assur) وأوتر (utir) والأسباط (asbat)، التي تقع على الجانب الآخر من نهر الفروات. على نهر صقور (Sagur river) دعوت شعب (حتي). عندما عدت، وأنا أسير من أراضي علزه، وسوحان-سيحان، ودايان، وتومي، وأرزاش كونو، وتغلبت على الآراميين وملك المدينة الملكية الآرمية آرام، وجلزانو- الجلز، وهوب الشقه (Hubushkia).

فهل هناك مدينة (مملكة صغيرة) آرامية في الشرق الأوسط القديم تدعى (هوب الشقة Hubushkia ) قرب سنحان ودايان ونهر صقور؟ وهل هناك مدينة تدعى عديني؟ هذه جغرافية يمنية خالصة لا مجال للجدل العنيد والعقيم حولها.

لقد تمّ التلاعب بعقول ملايين البشر على مرّ التاريخ باختلاق شعب آرامي، فقط لأن الاسم ورد في التوراة، وحين تكرر ظهوره في النقوش الآشورية، جرى دون أي احترام للعلم، وضع الاسم في سورية و(تلفيق) حضارة لا دليل على أي أثر من آثارها.

لقد تمّ التلاعب بعقول ملايين البشر على مرّ التاريخ باختلاق شعب آرامي، فقط لأن الاسم ورد في التوراة، وحين تكرر ظهوره في النقوش الآشورية، جرى دون أي احترام للعلم

 أما سنحاريب، فيؤكد في نقوشه أنه واجه السبئيين والآراميين وأحبط محاولاتهم لإسقاط حكم الحاكم/ الكاهن اليهودي حزقيا.

هنا مقتطف من نقوش مسلة سنحاريب:  

7. I captured, I carried off their spoil.

On my return the Aramaeans who

lived along the banks of the Tigris and

Euphrates  I conquered and carried

off their spoil. In the progress of my

campaign

 لقد أسرت وسقت غنائمهم، وفي طريق عودتي، الآراميون الذين يقطنون على طول ضفاف الفروت وتقلة، قهرتهم وحملت معي غنائمهم. مع تقدم حملتي

10. I rode on horseback where the terrain

was difficult, and where it became

too difficult (for this) I clambered up

on foot like a wild-ox. Bit-KUamzah,

Hardishpi, Bit-Kubatti, their strong,

walled cities,

 ركبت على ظهور الأحصنة، حيث كانت الأرض وعرة، وحيث أصبحت تزداد صعوبة، تسلقت بجهد على قدمي مثل ثور بري. بيت كوامزه، وهر- ذي سبأ، بيت كوباتّي (قوباطي)،  مدنهم القوية المسورة.

13. and took the road against the Ellipi.

Ispabara, their king, forsook his

strong cities, and fled to distant

parts. Marubishti and Akkuddu,

his royal residence-cities,

 وأخذت طريقي بمواجهة إلليبا (عليبه) . إسبابابارا، ملكهم، ترك مدنه القوية وفر إلى الأطراف البعيدة، مأرب – يشو، وأكودو (العقودة)، مدن سكنه الملكية. 

19. in the midst of the sea, and died.

Tuba’lu I placed on the royal throne,

(and) imposed my kingly tribute upon

him. The kings of Amurru, all of

them, 

يظهر الآراميون كجماعة ضمن حلف قبلي، خاض سنحاريب معاركه ضدهم في مأرب، ثم نصبّ (تبّع إيلو) السبأي على عرش سبأ

وفي عرض البحر، مات. لقد نصبتُ تبع إيلو على العرش الملكي، وفرضت جزيتي الملكية عليه. ملوك أمورّو، جميعهم. 

في هذه السجلات يظهر الآراميون كجماعة ضمن حلف قبلي، خاض سنحاريب معاركه ضدهم في مأرب، ثم نصبّ (تبّع إيلو) السبئي على عرش سبأ. وهكذا خاض سنحاريب معركته لحماية حزقيا اليهودي من تمرد القبائل قرب مأرب: 

3. who was bound by oath to Assyria,

and had given him to Hezekiah, the

Jew,—he kept him in confinement,

like an enemy,—they became afraid,

and appealed to the Egyptian kings,

the bow-men, 

(الذي تم تقييده بواسطة أوث (وجلب) إلى أشور، وتم تسليمه إلى حزقيا اليهودي، — لقد أبقاه في الحبس كالأعداء، — لقد أصبحوا خائفين وتوسلوا إلى الملوك المصريين.

فهل هناك عاقل يمكنه -تحت أي ظرف- أن يصدق ترهات الاستشراقيين، والزعم بأن الملك المعيني في مملكة الجوف اليمني، خذل آراميي سوريا؟

(رماة السهام)
في هذا الوقت، كانت قبائل الجوف (معين مصرن) تراقب تطورات القتال في مأرب ضد الآراميين، بعد أن أطاح سنحاريب بالحاكم/ الكاهن حزقيا، وكما يقول النقش حرفيا (لقد أصبحوا خائفين, وتوسلوا إلى الملوك المصريين- المقطع أعلاه). ويبدو أن المعينيين (المصريين) امتنعوا عن تقديم أي دعم لللقبائل المتمرّدة في مأرب، وتركوا الحاكم/ الكاهن حزقيا يواجه قدره. وهذا ما يقوله نقش سنحاريب :

45. That Maniae heard of the approach

of my army (lit. campaign), left

Ukku, his royal city and fled to distant

parts. I entered

سمع المعيني بقدوم جيوشي، فغادر (القو) مدينته الملكية، وفر إلى الأطراف البعيدة. لقد ترك المعينيون سكان الجوف وملوكه، حزقيا اليهودي يواجه قدره وأذعنوا لإرادة الآشوريين الذين حطموا الآراميين.

فهل هناك عاقل يمكنه –تحت أي ظرف- أن يصدق ترهات الاستشراقيين، والزعم بأن الملك المعيني في مملكة الجوف اليمني، خذل آراميي سوريا؟

المصدر : الجزيرة