مودي يريد تحويل الانتخابات الهندية إلى حرب بين الهندوس والمسلمين

رئيس الوزراء الهندي "ناريندا مودي" (وكالة الأناضول)

قرَّر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا أن يتنافسوا في هذه الانتخابات الوطنية المكوّنة من سبع مراحل كأبطال للمصالح الهندوسية. كما أوضحوا أن حماية المصالح الهندوسية تعني حمايتها من المُسلمين.

وبحسَبهم فإنّ الأغلبية الهندوسية تواجه خطرًا، إذ يتآمر حزب المؤتمر المعارض مع الجالية المسلمة لسرقة ثرواتهم، ومستحقاتهم وتسليمها للمسلمين.

ويوم الأحد، قال رئيس الوزراء أمام حشد في ولاية راجاستان: إنه إذا وصلت المعارضة إلى السلطة، فسوف تأخذ ثروة الهندوس وتعطيها لأولئك "الذين لديهم المزيد من الأطفال"، في إشارة واضحة إلى المسلمين. ثم ذهب إلى وصف المجتمع الإسلامي بـ "المُتسللين".

وأثارت تعليقات مودي غضبًا في بعض الأوساط. وطالب المواطنون والمنظمات من جميع أنحاء البلاد من لجنة الانتخابات الهندية، باتخاذ إجراءات ضده؛ بسبب خطاب الكراهية الذي ألقاه.

حتى إن الاتحاد الشعبي للحريات المدنية – وهي جماعة حقوقية – طالب باستبعاد مودي من خوض الانتخابات؛ بسبب هذا التحريض الطائفي العلني.

ولم تسفر ردود الفعل هذه عن أي تغيير في الخطاب، وفي الواقع، ضاعف رئيسُ الوزراء موقفه بعد يومين.

فيوم الثلاثاء، في خطابه أمام تجمع انتخابي آخر في راجاستان، ادّعى مودي مرة أخرى أن حزب المؤتمر كان يتآمر للاستيلاء على ثروات الهندوس، وتوزيعها على أشخاص "مختارين".

ولضمان عدم وجود أي غموض، ذهب مودي إلى اقتراح أنّ حزب المؤتمر سوف ينتزع المخصصات – أو الحصص في التعليم والتوظيف والخطط الحكومية وما إلى ذلك – من الطبقات الهشة، والطوائف المصنفة، والقبائل ويعطيها للمسلمين.

وكانت هذه محاولة واضحة لإخافة الفئات الهشة وطائفة "الداليت" من الناخبين الهندوس، ودفعهم للتصويت لصالح حزب بهاراتيا جاناتا.

وفي يوم الثلاثاء أيضًا، قال رئيس وزراء ولاية أوتار براديش، يوغي أديتياناث: إن حزب المؤتمر يريد تطبيق الشريعة الإسلامية. وكانت هذه محاولة واضحة لإثارة الذعر من أسلمة الهند.

ويعتبر مودي خبيرًا في صفير الكلاب. لقد أتقن فن سبّ المسلمين والاستهزاء بهم والهجوم عليهم دون أن ينطق بكلمة مسلم.

على سبيل المثال، خلال فترة توليه منصب رئيس وزراء ولاية غوجارات في 2002، اندلعت أعمال شغب أدت إلى طرد آلاف المسلمين من منازلهم وإجبارهم على الإقامة في مخيمات الإغاثة. وعندما بدأت حكومة الولاية في هدم هذه المعسكرات وواجهت انتقادات بسبب ذلك، قال مودي: إنه لا يستطيع السماح "لمصانع إنتاج الأطفال" بالعمل.

ودون أن ينطق بكلمة "مسلم"، قال: إن هؤلاء هم الأشخاص الذين كان شعارهم: "نحن خمسة، ولنا 25". ويشير ذلك إلى أنّ الرجال المسلمين يتزوجون أربع مرات وينجبون 25 طفلًا.

وفي خطاباته اللاحقة، واصل تأليب الهندوس ضد المسلمين بمساعدة التلميحات، مثل: "الثورة الوردية" (غير النباتية)، و"الثورة البيضاء" (النباتية)، أو المقابر (في إشارة إلى ممارسات الدفن الإسلامية)، ومحارق الجثث، (في إشارة إلى الممارسة الهندوسية المتمثلة في حرق بقايا الجثث).

وفي خطابه يوم الأحد، أشار مودي بشكل مباشر إلى المسلمين على أنهم "أولئك الذين ينجبون المزيد من الأطفال" و"المتسللون"، مما أثار نظرية مؤامرة شريرة مفادها أن المسلمين غرباء ويهدفون إلى التفوق على الأغلبية الهندوسية.

ومن الواضح أن رئيس الوزراء يلعب لعبة خطيرة، إذ يحول الانتخابات إلى حرب بين الهندوس والمسلمين، ويطلق حزب بهاراتيا جاناتا على نفسه اسم حزب الهندوس علنًا. وليس من الخطأ أن نستنتج من خطابه أنه قبلَ أن يكون ناخبوه من الهندوس فقط. وقد أوضح قادة آخرون في حزبه ذلك أيضًا. وفي العام الماضي، أعلن رئيس وزراء ولاية آسام، هيمانتا بيسوا سارما، أنه لا يريد أصوات "ميا" (وهم المسلمون الناطقون باللغة البنغالية).

ويشعر بعض المحللين أن حزب بهاراتيا جاناتا أصبح يائسًا؛ لأنه لم يتلقَّ الدعم المتوقع في المرحلة الأولى من الانتخابات. وقد دفعه هذا اليأس إلى تجربة صيغته القديمة المتمثلة في الاستقطاب الهندوسي من خلال توليد الخوف من سيطرة المسلمين على الهند.

ولكن إذا نظرنا إلى خطابات مودي منذ بدء هذه الحملة الانتخابية، يمكننا أن نرى أنه منذ البداية، كان يدلي بتصريحات تصور أحزاب المعارضة على أنها مناهضة للهندوس. على سبيل المثال، قال: إن بيان المؤتمر يحمل "بصمة الرابطة الإسلامية"، في إشارة إلى الحزب السياسي الذي تأسس في ظل الاحتلال البريطاني لتأمين حقوق المسلمين.

كما ادّعى أن قادةَ المعارضة لديهم عقلية المغول، " يعني حكام الهند المسلمين من القرن السادس عشر إلى الثامن عشر"، وأنهم أهانوا الهندوس من خلال تناول الأسماك خلال المناسبات الهندوسية المقدسة، وتناول اللحوم خلال شهر صوان المقدس عند الهندوس. وقال: إنهم يفعلون ذلك لإرضاء ناخبيهم. ومَن يمكن أن يكون هؤلاء الناخبون غير المسلمين؟

إن انغماس زعماء المعارضة في ممارسات مناهضة للهندوس؛ لاسترضاء المسلمين هو تأكيد سخيف تمامًا، لأن المعارضة تحتاج أيضًا إلى أصوات الهندوس ولا تستطيع أن تفعل أي شيء من أجل تنفيرهم. لكن الافتقار إلى المنطق لم يمنع مودي وحزب بهاراتيا جاناتا من تكرار هذه الادعاءات في محاولة لاستفزاز الهندوس ضد المسلمين.

ويعد هذا انتهاكًا واضحًا لمدونة قواعد السلوك النموذجية للجنة الانتخابية المستقلة، والتي بموجبها لا يُسمح لأي شخص بالحصول على أصوات أو القيام بحملات على أسس دينية أو طائفية.

كما أنه انتهاك لقانون تمثيل الشعب، الذي يعتبر الدعاية الطائفية جريمة. وينصّ القانون على أن: "الطعن الذي يقدمه المرشح، أو أي شخص آخر بموافقة المرشح، للتصويت أو الامتناع عن التصويت على أساس دينه أو عرقه أو طائفته أو لغته، يعد ممارسة انتخابية فاسدة". إذا ثبتت إدانته بموجب هذا الحكم، يمكن أن يواجه الفرد عقوبة السجن لمدة تصل إلى ستّ سنوات.

وكان هذا البند من القانون هو الذي أدَّى إلى حظر الانتخابات لمدة ستّ سنوات في عام 1999 على بال ثاكيراي، مؤسس حزب شيف سينا؛ بسبب محاولاته التحريض الطائفي.

على الرغم من الدعوات لاتخاذ إجراءات لوقف استخدام حزب بهاراتيا جاناتا، الخطابَ التحريضي في الانتخابات الجارية، فإن لجنة الانتخابات الهندية التزمت الصمت التام بشأن هذه القضية. وذلك لأنه جسم معرض للخطر.

وفي ديسمبر/كانون الأول، تمكن حزب بهاراتيا جاناتا من تمرير تشريع من خلال البرلمان أدى إلى تغيير تشكيل لجنة الاختيار المكلفة بتعيين مفوضي الانتخابات. وفي وقت سابق، كان رئيس المحكمة العليا في الهند جزءًا منها، إلى جانب رئيس الوزراء وزعيم المعارضة. والآن تم تعويضه بوزير يختاره رئيس الوزراء.

وهكذا فقدت اللجنة الانتخابية المستقلة استقلالها. وهي تتصرف كهيئة حكومية منذ ذلك الحين، حيث تصدر إخطارات لزعماء المعارضة بشأن الهفوات الصغيرة، ولا تتخذ أيَّ إجراء بشأن الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها قادة حزب بهاراتيا جاناتا. وهذا يعني فعليًا أن الانتخابات في الهند معرضة للخطر أيضًا.

ومع استمرار حملة التحريض التي يقوم بها حزب بهاراتيا جاناتا، يُنصَح المسلمون بعدم الرد؛ لأن ذلك سيجعل الهندوس ينجذبون نحو حزب بهاراتيا جاناتا. المسلمون يلتزمون الصمت، لكن كذلك لجنة الانتخابات الهندية والمحاكم.

وفي هذا الصمت المطبق، نشعر بالحزن على موت الديمقراطيّة في الهند.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.