صلاح السعدني عُمدة الدراما المصرية.. وترند الجنازات

مسلسل ليالي الحلمية
مسلسل ليالي الحلمية (الجزيرة)

جنازة الفنان المصري القدير صلاح السعدني الذي غادرنا إلى العالم الآخر عن 81 عامًا.. أشعلت أزمة، وجدالًا عنيفًا، حول "التغطية الصحفية والتصوير" لتشييع المشاهير ونجوم الفن، إلى مثواهم الأخير.

الأزمات، لصيقة بمثل هذه الجنائز، لكثرة "حملة الهواتف والكاميرات" الذين لا يراعون جلال الموت، ولا مشاعر أسرة الفقيد وأحزانهم. ويزاحمون، للفوز بلقطات الحزن والبكاء، للمكلومين، وما شابه؛ طمعًا في صناعة "ترند" على منصات التواصل الاجتماعي، ومن ثم، جلب الكثير من المشاهدات، والأرباح الوفيرة.

فقد شهدت جنازة "السعدني"، انفعال نجله الممثل أحمد السعدني، على المصورين، وتوجيه السباب لأحدهم، لإصراره على تصوير جثمان والده أثناء مراسم الدفن يوم السبت الماضي. وقد منعت نقابة المهن التمثيلية، الصحفيين والمصورين من حضور عزاء السعدني المقام يوم الأحد الماضي.

ثورة الموتى

برع "السعدني" في التمثيل منذ نعومة أظفاره، وقدّم مع زميل الدراسة بكلية الزراعة، وصديق عمره الفنان عادل إمام، تجاربه التمثيلية الأولى على مسرح الكلية، بجامعة القاهرة. شارك ممثلًا وبطلًا، منذ منتصف الستينيات، فيما يزيد على 60 فيلمًا منها "زمن حاتم زهران"، و"الغول"، و"ليل وخونة"، و"فوزية البرجوازية"، و40 مسلسلًا تلفزيونيًا، منها "الضحية" (1964)، و"الساقية"، و"بين القصرين"، و"قصر الشوق"، والمسلسل الشهير "أرابيسك" (1984)، و"أوراق مصرية" (ثلاثة أجزاء)، ومجموعة مسرحيات منها "الناصر صلاح الدين" و"ثورة الموتى"، و"الملك هو الملك".

صراع العمدة مع الباشا

شهد التلفزيون قمة توهج "السعدني"، وتألقه مؤديًا دور "العمدة سليمان غانم"، في مسلسل "ليالي الحلمية" الأشهر دراميًا (5 أجزاء، مُذاع من 1988- 1995)، في صراعه مع الفنان يحيى الفخراني المؤدي دور الباشا سليم البدري.. بينما صفية العمري في دور نازك السلحدار، تستغل صراعهما لصالحها. المسلسل في أجزائه الخمسة، تأليف الروائي والسيناريست المُبدع أسامة أنور عكاشة (1941- 2010)، وإخراج إسماعيل عبد الحافظ (1941- 2012م)، وشارك فيه نحو 300 ممثل بينهم سهير المرشدي في دور سماسم العالمة، وهشام صالح سليم، وآثار الحكيم.

"ليالي الحلمية" يتناول التاريخ الاجتماعي المصري، وصراعات رجال السياسة حتى عام 1995، مرورًا بفترة الانفتاح المتزامن مع عصر الرئيس أنور السادات (1970- 1981).. بداية من عصر، فاروق الأول آخر ملوك مصر (1937- 1952م)، من سلالة الوالي محمد علي باشا (1805- 1942م).

أزمة جنازة نور الشريف

أزمات جنائز الفنانين، متجددة، مع رحيل كل فنان أو نجم أو مشهور. فقد قرر الدكتور أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية، منع التصوير في عزاء السعدني. ووفقًا لـ "زكي"، فإن الفئة التي تسببت في أزمة جنازة السعدني، لا تنتمي للصحافة، وأنها من منتحلي صفة الصحفي. وروى، في مداخلة تلفزيونية، العديد من المواقف المؤسفة التي حدثت في جنازات سابقة، منها أن مصورًا، اقتحم السيارة الناقلة لجثمان الفنان نور الشريف، محاولًا تعرية الجثمان وتصويره.

وفي جنازة السعدني، فقد عانت الفنانة منى زكي من المصورين والصحفيين، يجذبونها بعنف، للحصول منها على إجابات لأسئلة سخيفة.. بينما حالتها النفسية لا تسمح. مواقف مشابهة بصعود مصور فوق المقابر أثناء دفن الفنان طلعت زكريا لتصويره، وهو يُدفن. الفنانة شيرين سيف النصر (1967- 2024)؛ التي شاركت عادل إمام فيلمي "النوم في العسل"، و"أمير الظلام"، رحلت قبل أيام قليلة (13/4)، وجرت مراسم الدفن لها "سرًا"، دون إعلان، بناء على وصيتها.. ربما تحسبًا لمثل هذه المشكلات.

تلاسن ومشاجرات

تراكم هذه الأزمات، دفع نقيب الصحفيين خالد البلشي، إلى التنسيق مع نقابة المهن التمثيلية لعقد اجتماع اليوم (الأربعاء)، للاتفاق على أسس وقواعد للتغطية الصحفية والتصوير لجنائز المشاهير ونجوم الفن.. بما يحفظ للموت حرمته، ولا يجرح شعور أهل المتوفى ومحبيه. كذلك، للحيلولة دون وقوع المشاحنات والوقائع المؤسفة التي تجري مع كل جنازة من هذا النوع، إذ يقع تلاسن وتشاجر بالأيدي، بين راغبي التصوير أنفسهم، الذين يكونون بأعداد كبيرة.

تكمن المشكلة، فيما يقع من أزمات أثناء الجنائز، في الزحام الشديد للمئات من أصحاب صفحات السوشيال ميديا، ومندوبي المواقع سواء الوازنة منها، أو غير المعروفة للفوز بصور فريدة لممثلة تبكي هنا، أو نجمة هناك، أو "لقطة" لمن هو في حالة ضعف إنساني مؤثرة؛ جذبًا للمتابعين.

دُخلاء وانتهازية

المواقع الإلكترونية لبعض الصحف ليست بريئة في هذه الأزمات، وتتصرف بانتهازية؛ سعيًا وراء الترند.. على سبيل المثال، أحد هذه المواقع اتخذ عنوانًا لتغطيته بالصور جنازة السعدني بكلمة: "لا يفوتك"، قبل أن يحذفها لاحقًا، بعد انتقاده على مواقع التواصل. نقابة الصحفيين، عليها توعية المتقدمين للعضوية، في دوراتها التدريبية، بما يجب مراعاته في مثل هذه الحالات، والمناسبات العامة بالعموم.

كما أن هذه المآخذ والمشكلات، تستلزم من نقابة المهن التمثيلية إيجاد حل لها، بتنظيم مراسم الجنازات والعزاء، بإشرافها أو الاستعانة بجهة أو شركة متخصصة للتنظيم والتأمين؛ كي لا يُمنَع مندوبو الصحف، والمحطات التلفزيونية المعتمدون، من التغطية والتصوير.. بعيدًا عن دُخلاء السوشيال ميديا. كما أن هذا الحضور للصحافة والتلفزيون يكون بالتنسيق مع أسرة النجم أو الفنان، عبر نقابة الممثلين، أو الجهة المُنظمة.

استغلال مصائب الناس

من المُهم، بطبيعة الحال، حضور الصحافة والتلفزيون جنائز المشاهير ونجوم الفن والثقافة والشخصيات العامة.. توثيقًا، وتأريخًا، للحدث، والمراسم، وكي يحفظها الأرشيف الصحفي والتلفزيوني وعلى شبكة المعلومات الدولية.

هذا كله، دون المساس بحرمة الموتى، أو محاولة تصويرهم، أو اقتحام خصوصية أهل المتوفى، أو التطفل على الحاضرين الجنائزَ، وتجردًا من غرض السعي لـ "الترند"، وحصد المتابعات، والمشاهدات، ومن ثم الأموال، فليس من المهنية، في الصحافة استغلال مصائب الناس ولحظات ضعفهم الإنساني، لصناعة "ترند الجنازات"، جنيًا للمكاسب والأرباح.

رحم الله صلاح السعدني عمدة الدراما المصرية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.